المشهد اليمني الأول/
استمرّت النكبة، لكن مفاعيلها التي أرادها الصهاينة لم تتحقّق؛ فقد ظلّت فلسطين حاضرة بتاريخها وشهدائها ومقاومتها وكرامتها وعنفوانها وبألق يليق بهذه الأرض، وهذا الشعب المعطاء الذي ظل منتصب القامة يمشي ويشعل نيران الغضب والثورة، كما تشتعل في هذه الأيام في يعبد والأمعري وفي قلب كل فلسطيني وحرّ..
في ذكرى النكبة ينجدل اللجوء مع انتشار جائحة كورونا التي باتت تعبّر عن واقع معقد بكل تشاؤمه وأمله ورغبات الانعتاق منه ومن قصصه التي عبرت عن التضامن في المأساة الإنسانية المشتركة، وعن خيبة الأمل في فقدان البعض لإنسانيتهم مثلما حصل مع طبيب فرنسي أصبح يخضع للعلاج النفسي بعدما رفض أبناء مريض بجائحة كورونا زيارة والدهم الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة!
وينجدل اللجوء الفلسطيني مع جائحة كورونا من خلال التضامن المجتمعيّ البينيّ الذي برز بأبهى صوَر التضامن التي لم يكدّر صفوها إلا من أضاع بوصلة فلسطين. وبرغم المعاناة الإنسانية التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في المخيمات والتجمعات والشتات، من الاحتلال الصهيوني ومن بعض ذوي القربى، التي جعلت واقعه لا يُحسد عليه بفعل القهر والحرمان من الحقوق، وتَجاوُز ذلك إلى التحريض المستمر سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا وثقافيًا في مؤشّر خطير على مستقبل القضية الفلسطينية سياسيًا وإنسانيًا..
وعلى الرغم من المجازر والمذابح التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، فقد استطاع الفلسطينيون المحافظة على جذوة الصراع متّقدَة بأساليب مختلفة فرضت الفلسطينيَّ رقماً صعباً في معادلات مقاوَمَة التطهير والاحتلال، والقدرة على الحفاظ على الهوية.. وهذا ما يعترف به أحد المؤرخين “الإسرائيليين الجدد” إيلان بابه الذي يشير إلى أن المشكلة المطروحة اليوم فيما يتعلق بفلسطينييّ الداخل “لا تتعلق بالحقوق بل هي وجوديّة، لأنّهم ببقائهم قد أفشلوا المشروع الصهيوني”.
وبالرغم مما تقدّم وباستجابة واضحة وتقاطعٍ صريح مع أهداف الكيان الصهيوني في تحقيق “التطبيع” مع الدول العربية والإسلامية لجعل الكيان “دولة طبيعية” في المنطقة هرولت بعض الدول العربية باتجاه إقامة علاقات “طبيعية” بعضها علنيّ، وبعضها الآخر سرّي تحت مبررات واهية وحجج مخترعة تخالف الحد الأدنى مما يطلقون عليه “الإجماع العربي”!
وفي حين أن الرواية الصهيونية لا تزال تجد من أبنائها من يدافع عنها بحرارة من أجل تثبيتها في المنطقة.. نجد أن الفلسطينيين وروايتهم يتعرّضون للقهر والحرمان والضغوط والنفي.. فالكاتب والصحفي “الإسرائيلي” “كلاين هليفي” يشير إلى أنّه جمع بين التزامين في حياته: “الدفاع عن الرواية اليهودية وشرحها، والبحث عن شركاء في العالم الإسلامي”. ويضيف “الشعب اليهودي مقسّم إلى معسكرين. الأول هو الدفاع عن الرواية الإسرائيلية، والآخر يناضل من أجل السلام”. ويعتبر هليفي أن “الاثنين مرتبطان: السلام لن يحدث طالما أن روايتنا تُنقض من قبل الطرف الآخر. واعتقد أن الجملة الأخيرة من كلام هليفي، تُعبّر عن واقع رفض الفلسطيني لوجود الاحتلال على الأرض الفلسطينية، ومحاولات صنع “السلام” التي جرت تُثبت أنه كيان طارئ على المنطقة، وسيُواجِه المصير نفسه الذي واجهته الكيانات الطارئة والغريبة التي سبقته وسيزُول من الوجود.
فتشريد الفلسطيني وغربته عن أرضه ووطنه عزّزه حضور قوي للذاكرة جعلت الأجداد يجتهدون بنقل كل ما يتعلّق بفلسطين لأبنائهم، وكذلك فعل الأبناء فتركّز الوعي الجمعي بضرورة الانتفاض المستمر، وعلى ضرورة تحقيق الوحدة، واستمرار النضال لأنّ كل الفصول تنتهي إلا الفصل الفلسطيني دائمًا يبدأ من جديد.
__________
هيثم أبو الغزلان