المشهد اليمني الأول/
أكثر المُتفائلين لم يكن ليتوقع أنّ يأتي يومٌ ويعبث (عيال زايد) و(عيال سعود) بمصير اليمن السعيد، الذي تحوّل منذ حربهم العدوانية عليه إلى ما يشبه “بيت المجانين” فلا أحد يعلم مع من يُقاتل، ولا ضد من، حتى المُعتدون باتوا لا يعلمون هم مع من وضدّ من، ففوضى السلاح بدأت تأكل الأخضر واليابس، وبات الجميع يتآمر على الجميع، فحربٌ غير واضحة المعالم ولا الأهداف من الطبيعي جدًا أن تكون نتيجتها هكذا، واليوم يخرج المجلس الانتقالي الجنوبي بمدينة عدن اليمنية مُعلنًا تشكيل حكومة ذاتية، وبالمعنى الأدق انفصالًا عن اليمن، حيث تمّ هذا الأمر بمباركة آل سعود، خصوصًا إذا علمنا أنّ اتفاق الريّاض والذي ضمن آل سعود تنفيذه يمنع أي شكلٍ من أشكال الانفصال، غير أنّ سلطات آل سعود هي التي تمنع قوّات الفار هادي من الوصول إلى مدينة عدن والوقوف بوجه قوات عيدروس الزبيدي المدعوم إماراتيًا.
دولة داخل دولة
منذ بداية العدوان على اليمن، واحتلال مدينة عدن الساحلية كان من الواضح وجود عدد من الانفصاليين يودّون إنشاء يمنٍ جديد، وهذا حُلمٌ قديم كثيرًا ما كان يُراودهم، غير أن تصريحات المُعتدين آنذاك من سعوديين وإماراتيين كان تُحاول إخفاء هذه الحقيقة، غير أنّ الأيام فضحت تلك الأحلام، وبات لزامًا على المُعتدين أن يجدوا تبريرات لخطوات الانفصاليين بإعلام الانفصال عن اليمن وتشكيلهم لليمن الجنوبي.
حكومة هادي المُموّلة من قبل آل سعود بعدما فرَّ هادي وحكومته إليها؛ بدت اليوم ومع إعلان الانفصاليين عن خطوتهم المُتوقّعة بدت كمن ابتلع سكيّنًا حادًا من الطرفين، فلا هي تستطيع الصراخ من ألم خطوة الانفصاليين، ولا هي تستطيع الصراخ بوجه آل سعود على حركة الغدر الكبيرة التي نتج عنها عملية الانفصال.
أكثر من مائة ألف قتيل؛ وأسوء كارثة إنسانية شهدتها العالم، ناهيك عن عودةِ أمراض ٍكانت قد انقرضت منذ عقود، والكثير الكثير غيرها، هذا ما جناه عدوان آل سعود وعيال زايد على اليمن، واليوم تقول الأخبار الواردة من هناك إنّهم يبحثون عن مخرجٍ لهم من المُستنقع اليمني، فمن الواضح أنّهم أنجزوا المهمة التي بدأوا فيها؛ ألا وهي تقسيم اليمن، فقد عملت قوّات آل سعود على تأخير وصول قوات الفار هادي إلى عدن لحين الانتهاء من ترتيبات إعلان الحكومة الذاتية وهي عملية انفصال فعلي ولكن يصورها عيدروس الزبيدي بأنّها عملية حكم ذاتي، وهذا هو المشروع الذي بدأت به الإمارات العربية المُتحدة، وقام الزبيدي وبقية المُرتزقة بتنفيذه، مُستغلين سطوة آل سعود وسيطرتهم على قوّات هادي لتمرير هذا المشروع.
سقطرى.. واقتتال التحالف
أرخبيل سقطرى هو الآخر بات اليوم مُهددًا بعملية انفصال أخرى، فيومًا بعد آخر تنشر وسائل الإعلام أخبارًا عن محاولة ميليشيات تابعة لدولة الإمارات افتعال صدامات مع قوّات هادي الموجودة في المنطقة، ولا يخفى على أحد طمع عيال زايد بهذا الأرخبيل، كونه يُعتبر مفتاح البحر الأحمر وخليج عدن.
خطوة الإمارات هذه واجهها آل سعود، فهم وبأيِّ حالٍ من الأحوال لن يسمحوا لأحدٍ غيرهم بالسيطرة على هذا الأرخبيل لما يُشكلّه من أهمية جغرافية كبيرة، ولهذا السبب تُحاول الإمارات مُنازعة السعودية على هذا الأرخبيل، وباتت تُرسل يوميًّا المزيد من التعزيزات للقوات التي تدعمها هناك، برفقة قوّات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الأمر الذي ترفضه السعودية جملةً وتفصيلًا.
الرياض تعلم جيّدًا أهمية هذه جزيرة سقطرى، فمن شأن من سيطرتها على الجزيرة ستتمكن من تعزيز التجارة البحرية العالمية للسعودية خصوصًا وأنها تُعاني الأمرين نتيجة انهيار أسعار النفط، كما تؤمن موانئ الجزيرة سيطرة السعودية على القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وهو الأمر الذي لن تتنازل عنه للإمارات.
عيال زايد ربما كان الأسرع؛ فقد أنشأوا في الجزيرة قاعدة عسكرية لهم، الأمر الذي سيعزز من سيطرتهم على مناطق البحر الأحمر خصوصًا وأنّ هذه القاعدة متاخمةً لوجود الإمارات في الشرق الإفريقي، الأمر الذي سيُساهم في تعزيز سيطرة الإمارات على البحر الأحمر وباب المندب.
وبناءً عليه، ليس من المُستبعد أن نشهد حربًا “تحالفية” مُقبلة للسيطرة على المنافذ البحرية وطرق التجارة الدوليّة.
وفي النهاية يمكن التأكيد على ما قُلناه سابقًا؛ فيومًا بعد آخر باتت تتوضح أهداف تحالف العدوان الذي يقوده آل سعود وآل زايد، فلا هو يُريد نُصرة شرعيةٍ مُدعاة، ولا هو يريد الحفاظ على يمنٍ موحّد، وجُلَّ ما يتمنوه هو تقسيم اليمن ليس فقط إلى يمنٍ جنوبي وآخر شمالي، بل إن استطاعوا سيقسموه إلى عشرين يمنًا، حتى تسهل السيطرة عليه، وهم بديدنهم هذا يُنفّذون وصية جدِّهم عبد العزيز آل سعود حين قال “عزّكم في ذلّ اليمن وذلّكم في عزّ اليمن”.