المشهد اليمني الأول/
الخطوة الالمانية الاخيرة باعتبار حزب الله “منظمة ارهابية” لم تكن مفاجئة، انما كانت لها ارهاصات طويلة عبر تسريب الضغوط الامريكية والصهيونية ومناقشات البرلمان الألماني. ولكن الجديد هو التخلي الالماني عن محاذير الخطوة، وهنا يمكننا استنتاج بعض التقسيرات عبر انعاش الذاكرة ببعض الحوادث والتقارير:
في 15 سبتمبر 2018، قالت وزيرة الدفاع الألمانية “أورسولا فون دير ليين” خلال زيارتها لقاعدة الأزرق الجوية الأردنية التي يتمركز فيها نحو 300 جندي ألماني إنها لا يمكنها أن تستبعد انتشارا طويل الأمد للقوات الألمانية في الشرق الأوسط وسط نقاش أوسع نطاقا عن دور ألمانيا في تحرك عسكري محتمل في سوريا.
وفي 28 يناير الماضي، حذر الكاتب الفرنسي تييري ميسان من المانيا، بالقول “تستعد ألمانيا، وفقاً للخطة التي وضعها فولكر بيرتس في عام 2013، لإملاء الفراغ الذي سيخلفه الجنود الأمريكيون في الشرق الأوسط الكبير، وهي التي نفد صبرها بعد أن حُرمت لمدة خمسة وسبعين عاماً من لعب أي دور على الساحة الدولية. إنها مسألة شرف وطني بالنسبة لها. وهي تعتزم من الآن، استخدام جيشها “لإحلال السلام” في أي مكان من العالم.”
و فولكر بيرتس، هو مدير المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن، وقد صدر له منذ اربعة سنوات كتاب يحمل عنوان ” نهاية الشرق الأوسط كما نحن نعرفه”، وله باع طويل في المؤامرة على سوريا والمقاومة، والتقارير حول دوره متواترة نذكر منها:
1ـ وفقا لبرقية كشف عنها موقع “ويكيليكس”، فقد نصح بيرتس وزيرة الخارجية الأميركية “كونداليزا رايس” بالوقوف ضد إيران، محذراً في نفس الوقت من مخاطر إطلاق عملية عسكرية لما لذلك من تبعات إقليمية غير متوقعة، مؤكداً في المقابل على فعالية تدمير اقتصادها، وقد تم الأخذ بنصائح فولكر بيرتس، عام 2010، من خلال عملية تدمير برامج المحطات النووية الإيرانية بواسطة فايروس “ستكسنت”.
2ـ في شهر مارس من عام 2011، نشر فولكر بيرتس مقالاً في صحيفة “نيويورك تايمز” استهزأ فيه من خطاب الرئيس الأسد في مجلس الشعب، والذي ندد فيه “بالمؤامرة” ضد سورية.
3- في شهر أكتوبر من نفس العام، شارك بيرتس في اجتماع لكبار رجال الأعمال الأتراك، نظمته وكالة الاستخبارات الخاصة الأمريكية، ستراتفور، قدم لمحاوريه عرضا مفصلا عن مخزونات سورية من النفط والغاز التي سوف يتسنى لهم نهبها.
4- في منتصف عام 2012، كلفته وزارة الدفاع الأمريكية بإعداد خطة أُطلق عليها اسم “اليوم التالي” (أي الحكومة التي سوف تُفرض على سوريا)، فشرع على الفور بعقد اجتماعات في وزارة الخارجية في برلين، بمشاركة 45 شخصية سورية، منهم بطبيعة الحال صديقته بسمة قضماني ورضوان زيادة الذي جاء تحديدًا من واشنطن. ثم انتهى به المطاف مستشارا لجيفري فيلتمان في الأمم المتحدة، وهو بهذه الصفة اصبح حاضرا في جميع المفاوضات المتعلقة بالأزمة السورية في جنيف.
التحليلات المصاحبة لمؤتمر ميونخ للامن الاخير تركزت في ان دول أوروبا ادركت جيدا، في اعقاب الانسحابات الامريكية عسكريا من سوريا، والانسحاب المحتمل في افغانستان ومن افريقيا، دول الساحل، بان هناك فراغ عسكري وامني يجب ان تنهض بنفسها، عسكريا، وهذا مايعني ان دول أوروبا خلال السنوات القادمة ممكن ان تصعد انفاقها العسكري من 1,2 الى 1.5 او 2,0 % من الناتج القومي.
وووفقا لوزارة الخارجية الالمانية، كان موضوع مؤتمر الأمن في ميونيخ لهذا العام هو “عدم الاهتمام بالغرب”، والذي يمكن ترجمته باللغة الألمانية باسم “West-Losigkeit”. إنه إنشاء لكلمة جديدة من المفترض أن يصف الظاهرة المزدوجة المتمثلة في شعور واسع بأن الغرب والعالم أجمع يتطورون في اتجاه أقل اهتماماً بالغرب. المقصود هو فقدان القيم عبر الأطلسية ومجتمع الأمن.
في تقرير “دويتشة فيله” في ديسمبر من العام المنقضي، قال التقرير ان حظر حزب الله من شأنه أن يؤثر على العلاقات مع لبنان، لأن المنظمة ممثلة عبر ذراعها السياسية منذ عام 1992 في البرلمان اللبناني. وفاز حزب الله في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بـ 13 مقعدا ليشغل بذلك نحو 10 في المائة من مجموع مقاعد البرلمان وثلاث حقائب في الحكومة. فحظر حزب الله سيكون إذن إهانة للحكومة اللبنانية.
كما ان الحكومة الالمانية تحججت دوما بعدم اتخاذ القرار بدعوى رغبتها في العمل الجماعي الاوربي.
والسؤال هنا، هل اتخذت المانيا قرارا بالتخلي عن العلاقة مع الدولة اللبنانية ولم تعد تعبأ بالعلاقة الراهنة رهانا على تغيرات يمكن ان تحدثها التظاهرات التي تجددت وتداعيات ازمة كورونا؟
وسؤال اخر، هل اتخذت المانيا قرارا بالعمل المنفرد بعيدا عن الاتحاد الاوروبي، ام انها تريد انتزاع قيادة العمل الاوروبي بهذه الخطوة اعتمادا على دعم امريكي من جهة، واستغلالا للاضرار التي اضعفت خصومها ومنافسيها الاوروبيين بسبب تفشي وباء كورونا، من الجهة الاخرى.
الراجح هنا هو ان المانيا تحجز مقعدا في عالم ما بعد كورونا بالدخول كطرف رئيسي في الشرق الاوسط اما لاحلال الفراغ الامريكي او العمل كذراع متقدم له، تحت رهان فوضى محتملة تحدثها كورونا على غرار فوضى (الربيع العربي)، مما استدعى خطط “فولكر بيرتس” من جهة، وحل عقدة ملف مؤتمر ميونخ للامن بإعادة الاعتبار للغرب.
فهل ينجح الرهان الألماني، ام ستتلقى المانيا صفعة مدوية على يد المقاومة ووعي الشعب اللبناني والشعوب العربية؟
ــــــــــــــــــــــ
إيهاب شوقي