مقالات مشابهة

ابن سلمان وخطوات التطبيع مع ‘اسرائيل’

المشهد اليمني الأول/

يمكن تفهم الفرح والسرور الذي غمر نفوس قادة الكيان الصهيوني لقرار برلين تصنيف حزب الله منظمة ارهابية والاجراءات التي أقدمت عليها السلطات الألمانية ضد المشتبه بانتمائهم أو ولائهم لحزب الله، ولكن الذي لا يمكن فهمه هو الفرح والسرور الذي غمر نفس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لهذا القرار؟

حزب الله كان ولا يزال عدوا شرسا للكيان الصهيوني وهو الذي لعب دورا رئيسيا في تبديد احلامه في لبنان وفي فلسطين وفي سوريا وعموم المنطقة، وأينما كان الكيان الصهيوني يحيك مؤامرة ما ضد شعوب المنطقة والمقاومة، يسارع الحزب الى احباطها. ففي لبنان أرغم حزب الله الكيان الصهيوني على جر ذيول الخيبة والخذلان والهروب بجلدته من جنوب البلاد، وبعد ان كان الجندي الصهيوني يصول ويجول في شوارع لبنان لا يجرأ اليوم على تجاوز الحواجز التي اقيمت على الحدود بخطوة واحدة.

أما في فلسطين فكان حزب الله الداعم الرئيس للمقاومة الفلسطينية وساهم بشكل فعال ومباشر في تطوير المواجهة بينها وبين الكيان الصهيوني من الأسلحة الخفيفة الى اطلاق الصواريخ، واذا كان الكيان الصهيوني اليوم لا يجرأ على اقتحام غزة فانه يحسب الف حساب للقدرات العسكرية التي تملكها المقاومة الفلسطينية في غزة وفي مقدمتها الصواريخ والطائرات المسيرة، فضلا عن القدرات القتالية لجنود الكتائب العسكرية لأحزاب المقاومة الفلسطينية.

وفي سوريا، فلا أحد ينكر دور حزب الله في احباط المخطط الصهيوني الذي كان يرمي الى تحويل هذا البلد من بلد مقاوم ومتصد للكيان الصهيوني الى بلد مستسلم ومنبطح امام هذا الكيان، لا احد ينكر الجهود والتضحيات التي قدمها أبطال حزب الله لمنع تسلل ارهابيي “داعش” و”النصرة” من سوريا الى لبنان ونقل المعركة اليهم، وبالتالي فان الحزب بدد أحلام الذين استخدموا الارهابيين كأداة لتحقيق ما كانوا يريدونه في سوريا.

ولهذا نقول يمكن تفهم الفرح والسرور الذي غمر نفوس قادة الكيان الصهيوني لقرار الحكومة الالمانية ضد حزب الله وعمليات القمع الواسعة التي نفذتها السلطات الألمانية ضد من زعمت انتماءهم الى الحزب، ولكن الذي غير مفهوم هو سرور ابن سلمان لذلك، فهل يا ترى نفذ حزب الله عمليات ضد السعودية، كما فعلها ضد الاحتلال في اطار الدفاع عن السيادة اللبنانية، وهل يا ترى قام بإطلاق صاروخ أو حتى رصاصة واحدة على السعودية كما كان عليه الحال بالنسبة للاحتلال عندما قام باجتياح لبنان او شن عدوانا على البلاد، فلماذا يشيد ابن سلمان بما قامت به ألمانيا ضد حزب الله؟

على ما يبدو فان موقف ابن سلمان لا يخرج عن اطار خطوات التطبيع التي أقدم عليها منذ توليه ولاية العهد في السعودية، حيث أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني يقوم على خطط سياسية وإعلامية وثقافية لدى النظام السعودي، وقطعت المملكة خطوات كبيرة نحو تهيئة الاجواء للتطبيع العلني والكامل مع الاحتلال، وما تبثه الآن القنوات التلفزيونية السعودية أو القنوات التي تمولها السعودية من المسلسلات التطبيعية خلال شهر رمضان الكريم، وكذلك المقالات التي تنشرها الصحف السعودية في الاونة الاخيرة وأيضا مقاطع الفيديو التي ينشرها صحفيون واعلاميون سعوديون بين فترة وأخرى ويهاجمون فيها الفلسطينيين ويشيدون فيها بالكيان الصهيوني واقامة العلاقات معه ويدافعون عنها، أو السماح للاسرائيليين بزيارة السعودية، هذا كلها يمكن تفسيرها في هذا الاطار، وذلك فضلا عن الزيارات التطبيعية واللقاءات السياسية التي جرت بشكل سري بين الجانبين.

وقبل كل شيء ينبغي الاشارة الى حقيقة في غاية الأهمية وهي، أن الأنظمة العربية تبدأ بمغازلة الكيان الصهيوني وتعرض عليه اقامة علاقات علنية كلما واجهت الأزمات والمشاكل سواء الداخلية أو الخارجية، ومن المؤكد ان ولي العهد السعود محمد بن سلمان لا يمر حاليا بأزمة واحدة وانما العديد من الأزمات نتيجة تهوره وغطرسته، ولعل في مقدمة هذه الأزمات هي العدوان على اليمن والخسائر الفادحة التي يتكبدها النظام السعودي جراء استمراره في هذا العدوان.

والى جانب العدوان على اليمن كان ولا يزال الصراع على الحكم بين اعضاء الأسرة الحاكمة القضية التي أرّقت ابن سلمان منذ توليه ولاية العهد وحتى اليوم، كما أن المعارضة السياسية الداخلية تمثل تحديا كبيرا لابن سلمان وسياساته، فاذا كانت مشاكل العدوان على اليمن وخلافات الأسرة الحاكمة والمعارضة الداخلية لوحدها تقض مضطجع ابن سلمان فما بالك اذا اصطفت الى جانبها قضايا حقوق الانسان ومعتقلي الرأي وازمة جائحة كورونا وانهيار اسعار النفط؟

وبناء عليه فان ابن سلمان في موقف لا يحسد عليه وهو كالغريق الذي يتشبث بكل حشيش ويعتقد ان السبيل الوحيد الذي ينقذه من محنه ومشاكله هو الادارة الاميركية وطالما راهن عليه وبالفعل طالما وقفت الى جنبه وحاولت انتشاله من محنه وازماته، ولكن يا ترى هل كل ذلك مجانا ومن دون ثمن؟ الذي يبحث عن المال في كل مكان لا يسد جشعه ثمن واحد وانما اثمان، ومن بينها اقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني.

ابن سلمان ليس لديه أي مانع في اقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، ولكن لا يريد أن يبادر الى ذلك من دون مقدمات، وخطوات التطبيع والتودد لـ”اسرائيل”، بعد خيبة امله وفشله في مواجهة ايران ومحور المقاومة وتأييده للحملة الالمانية ضد حزب الله كلها تصب في هذا الاطار، وسيرى الجميع كيف سينقل ابن سلمان العلاقات مع الكيان الصهيوني من سرية وتحت الطاولة الى علنية مجرد أن يرى الظروف اصبحت مهيئة على ذلك.