المشهد اليمني الأول/
في الوقت الذي يتمكّن فيه بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومةٍ مُوسّعةٍ تحت قيادته، لا ينقصها في الواقع سوى حزب “يمينا” بقيادة وزير الحرب نفتالي بينيت، والذي لا يوجد شك في التحاقه القريب، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يثبت أنّه أسوأ رئيس حكومة في تاريخ الدولة العبريّة، بقدر ما هو أقدر زعيم على جمع كل السيئين أوْ اللصوص، أوْ الاثنين، معًا في حكومةٍ واحدةٍ، زعماء عصابات متقاتلين فيما بينهم، ولكنهم يتوحدون على “إجماعٍ قوميٍّ” يستهدف الفلسطينيين أينما كانوا وفي كلّ زمانٍ ومكانٍ، أوْ كما قال ماركس: “تحالف اللصوص”.
عصابة مجرمي الحرب التي تموضعت في حكومة الكيان، تشمل 32 وزيرًا و16 نائب وزير، الأمر الذي ينسِف المزاعم بأنّها ستكون حكومة تقشّف في ظلّ الـ”كورونا” وشبه انهيار الاقتصاد الإسرائيليّ ووصول عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من مليون، حكومة كهذه لا يجب أنْ تكون مفاجئةً لأحد، ولا يجب أنْ نسمح بأنْ يدّعي أحد ما إنّه خُدع، لأنّ الرهان أصلاً على بني غانتس، الجنرال الذي قاد عدوان صيف العام 2014 ضدّ قطاع غزّة، وجماعة أزرق- أبيض هو رهان انتهازيّ في أحسن الأحوال، ولا يمكِن السماح لهؤلاء التصرف مثل الزوج المخدوع، ذلك أنّه يجب القول بشفافيّةٍ وبصراحةٍ مُتناهيّةٍ: غانتس كان صريحًا بالنسبة للنوّاب العرب، واستخدمهم للأسف كمطيّةٍ للحصول على تكليفٍ من رئيس الكيان، رؤوفين ريفلين، لتشكيل الحكومة، وهذا ما كان.
عمليًا، نجح غانتس في إيهام الكثيرين إنّه سيُقاتِل حتى النهاية لتحقيق أهدافه، وكان من المفاجئ طبعًا أنّ الجنرال الذي كان يريد أنْ يصبح رئيسًا للوزراء، يتراجع فجأةً وقد قصقصت جناحاه بفعل الانشقاقات في حزبه، ليجد نفسه مرشحًا ليس بقوته بل بفعل الأمر الواقع، وهكذا لم يكن على نتنياهو أنْ يفعل أيّ شيءٍ سوى أنْ تنضج الثمرة، وتسقط في حضنه وقد حصل.
تراجع الجنرال مخذولاً، ولم يعد فساد نتنياهو “الذي لا يجب السماح له بالبقاء” مهمًا، ولا خطابه للدروز حول قانون القومية ذا قيمة، حتى فكره الاستراتيجيّ حول “ليس رفض الضمّ” بل ظروفه وتوقيته، كل هذا قد سقط وحصل على لقب “رئيس الحكومة البديل”، والأرجح أنّ غانتس تحول إلى ورقة تين حسب التعبير الأصدق والأوضح لأفيغدور ليبرمان حتى التعيينات القضائية ما يزال الليكود يملك حق النقض فيها، ووزارة الصحة والأمن والقدس وغيرها ما زالت بيد اليمين، سيذهب مجرم حرب مثل أِشكنازي ليُحسِّن صورة إسرائيل كوزير للخارجية، وسيعود غانتس كوزير للحرب ليمارس هوايته المفضلة لقتل الفلسطينيين، لن يتغير قانون القوميّة الفاشيّ، الذي على أساسه “باع” عرب الكنيست خيولهم لغانتس، ولن يتأخر الضم بالضبط كما حلم نفتالي بينيت الذي سيعود ليكمل مشروعه في التعليم كما يليق بصهيونيٍّ رجعيٍّ، سيُواصِلون تنفيذ مخططاتهم التوسّعيّة في حين سيستمِر العرب بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض، هذه البيانات التي حتى هم، أيْ العرب، لا يؤمنون فيها.
هل علينا أن نأخذ السيد أيمن عودة على محمل الجد وهو يندب اليوم ما يسميه خيانة غانتس للإسرائيليين أم علينا أنْ نذكره بأنّ غانتس في الواقع لم يخن أيّ أحد لأنّ هذه طبيعته بالذات ولكن لا بأس من القول إنه خدعكم تمامًا.. وبالضربة القاضية، ولا غضاضة من الإضافة بأنّ الإنسان لا يتغيَّر، بل ينكشِف، ويسقط القناعَ عن القناعِ، وهذا تقريبًا ما حدث لغانتس، المطلوب للعدالة في عددٍ من الدول الأوروبيّة بتهم ارتكاب جرائم حرب ضدّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ.
الحكومة الجديدة التي لم تلتفت إلى 15 نائبًا عربيًا في الكنيست خلال المفاوضات على تشكيلها، رغم وعود غانتس للنائب عودة ورفاقه من القائمة (المُشتركة)، الذين أوصوا أمام رئيس الكيان بتكليف غانتس، وفي الوقت نفسه، تمّ تعيين النائبة أورلي أبي-كسيس، التي سرقت كرسيها من تحالف “مركز-وسط” (!)، وانضمّت لمعسكر اليمين بقيادة نتنياهو لتحصل على منصب وزيرة، في حين أنّ 15 مقعدًا عربيًا لم يُساعِدوا فلسطينيي الداخل، الأمر الذي يُحتِّم عليهم إعادة التفكير في جدوى ما يُطلَق عليه النضال البرلمانيّ.
الحكومة الجديدة برئاسة الثنائيّ، نتنياهو-غانتس، ستكون بطبيعة الحال مُتطرّفةً جدًا، ولن يتمكّن النوّاب العرب من فعل أيّ شيءٍ لوقف تأجج العنصريّة والفاشيّة في كيانٍ قائمٍ على احتلال وتهجير شعبٍ آخرٍ، لذا نرى أنّه من المُناسِب، ولو لحفظ ماء الوجه، أنْ يقوم النوّاب العرب، الذين أوصوا رئيس الكيان بتكليف غانتس، فحصلوا على نتنياهو، عليهم أنْ يقوموا بتوضيح الأمر لمئات الآلاف من عرب الداخل الذي صوّتوا لهم في الانتخابات الأخيرة، وحتى الاعتذار من هؤلاء الذين آمنوا بأنّ الانخراط في العملية السياسيّة الإسرائيليّة ستجلِب لهم الأمن والآمان من جميع النواحي، تمامًا كما آمن مَنْ ذهب في العام 1993 لأوسلو للحصول على دولةٍ فلسطينيّةٍ، فحصل على مُقاطعةٍ مُحاصرةٍ من جيش الاحتلال.