المشهد اليمني الأول/
تمتلك اليمن مقومات اقتصادية متكاملة كفيلة بإحداث نهضة شاملة في ظل التحرر والاستقلال من الوصاية الخارجية، فهذا الوطن الذي استوطنه الفقر والبطالة طيلة عقود مضت وسادت فيه مظاهر التخلف التنموي والفساد الإداري والمالي يقف اليوم في ظل هذا العدوان الغاشم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد خمس سنوات من التدمير الممنهج للبنية التحتية يوما بعد آخر في مختلف جبهات القتال أمام مرحلة اقتصادية تحررية تنطلق من رؤية إيمانية يمانية دشنها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابة الأخير بمناسبة جمعة رجب مستنهضاً المشاعر الإيمانية والوطنية وهمم الرجال الصادقين ، واضعاً الجميع أمام مواجهة تراكمات الماضي التي أضعفت اليمن اقتصادياً ، داعيا الجميع إلى مواجهة كل ما يحيط بهم من تحديات ومخاطر، والانتقال بخطى مدروسة ومخططة وثابتة لفرض معادلة اقتصادية جديدة تندرج في إطار معادلة الردع التي حققتها وحدة الصناعات العسكرية اليمنية وصولاً إلى تحقيق نهضة اقتصادية تحصن اليمن واليمنيين من الاختراقات الأجنبية وتعيد لليمن مكانته بين الدول وللشعب اليمني سعادته ، ذلك التوجيه المشتق من توجه قيادة الثورة نحو تغيير المعادلة الاقتصادية من الضعف إلى القوة ومن عدم الاستقرار إلى الاستقرار ومن الاعتماد على منتجات ومساعدات الأعداء إلى الاعتماد على الذات لن يظل فرضية ممكنة التحقق، بل بالثقة بالله سيتحول إلى حقيقة ، فاليمن الفقير رزح عقوداً من الزمن تحت سياسات الإفقار الممنهجة في ظل ارتهان القرار والإرادة السياسية لليمن ، فتم تنفيذ الأجندة الخارجية التي أوقفت عجلة التنمية على حساب مصالح الوطن العليا ، فكل الدراسات الاستكشافية تؤكد بكل وضوح أن اليمن الفقير غني بموارده المختلفة التي منع من استغلالها ، ولذلك فإن مقومات النهضة الاقتصادية كبيرة وفرص تحقيقها أكبر ، فالأرقام والوقائع والشواهد على الأرض تؤكد أن اليمن لم يستغل حتى الآن سوى 20 % من ثرواته النفطية والغازية طيلة العقود الماضية ، ولاتزال 80 % من تلك الثروة غير مستغلة، وتصل احتياطات اليمن من الذهب إلى 31.6 مليون طن في عدد من المحافظات ، كما تبلغ احتياطاته من الزنك والرصاص والفضة نحو 12.6 مليون طن ، ويمتلك قرابة 40 مليون طن من احتياطات النحاس والكوبلت والبلاتينيوم، كما تقدر الدراسات احتياطي التيتانيوم ومعادن أخرى بـ 860 مليون طن ، وتتجاوز احتياطاته من الحجر الجيري والدولومين 13.5 مليار متر مكعب ، كما يصل احتياطي اليمن من الملح الصخري 365 مليون متر مكعب.
وتبلغ احتياطيات اليمن الفقير من مادة الزيوليت الطبيعي التي تستخدم في صناعة تكرير النفط كمادة وسيطة، وصناعة الورق والمنظفات والبلاستيك، وإنتاج الإسمنت وسوائل الحفر ، وإنتاج محسنات التربة لرفع مردود المحاصيل الزراعية، بأكثر من 200 مليون متر مكعب ، وتصل احتياطات المجنيزيت الذي يستخدم في العديد من الصناعات التي يتواجد بكميات تجارية ونوعيات متعددة في اليمن إلى حوالي 58 مليون متر مكعب، ويمتلك اليمن احتياطياً من مادة الدولوميت التي تستخدم في صناعة الكريمات ومعاجين الأسنان، وفي تحسين التربة، بالإضافة إلى استخدامه لإنتاج أحجار الزينة إلى 3.4 بليون متر مكعب، وفي مجال الحجر الجيري تقدر الدراسات احتياطي اليمن منه بحوالي 3.6 بليون متر مكعب، ويتجاوز احتياطي الملح الصخري 390 مليون متر مكعب، وتصل احتياطات الجبس التي تتميز بمواصفات عالية إلى 4.6 بليون متر مكعب.
ويصل احتياطي معدن البيوميس الذي يستخدم في مجال صناعة مواد الصقل والصنفرة في اليمن إلى حوالي بليون متر مكعب ، ويصل احتياطي الرمال السوداء الحاوية للمعادن الثقيلة في اليمن إلى حوالي 500 مليون طن ، ويقدر احتياطي الفلدسبار الذي يوجد بألوان متعددة كالأبيض، الرمادي والوردي، بحوالي 44 مليون متر مكعب ، ويصل احتياطي الحجر الرملي النقي والكوارتز في اليمن 2 بليون متر مكعب ، ويقدر احتياطي خام الكوارتز بأكثر من 13 مليون متر مكعب ، ويصل خام الاسكوريا إلى 1.7 بليون متر مكعب.
كما تفيد الدراسات الجيولوجية بأن احتياطي اليمن من الأطيان الصناعية يصل إلى 120 مليون متر مكعب، يضاف إلى ذلك أن الاحتياطي من الرخام يصل إلى أكثر من مليار متر مكعب، ويقدر احتياطي الجرانيت والجابر بحوالي 1.6 مليار متر مكعب، وتبلغ احتياطات اليمن من الصخور الكلسية قرابة 13.5 مليار متر مكعب، وكذلك تصل احتياطات اليمن من الحديد والتيتانيوم والفوسفات إلى860 مليون طن وإن كانت تلك الثروات قابلة للنضوب، فهناك ثروات مستدامة وتحتل المرتبة الثانية بعد النفط بأهميتها ودورها الاقتصادي، فاليمن تمتلك ساحلاً طويلاً يقدر بحوالي 2500 كيلومتر ويطل على البحرين العربي والأحمر وعلى خليج عدن والمحيط الهندي، وتصنف بأنها واحدة من أغنى الدول الغنية بثرواتها البحرية، إلا أن إسهام هذا القطاع ضعيف ، ونظراً لما يمتلك من مقومات قد يكون بديلاً للنفط وربما يحتل المرتبة الأولى في الصادرات اليمنية للخارج ويتحول إلى مصادر رئيسية للدخل الوطني من العملات الصعبة عوضاً عن النفط في حالة تقييم واقع هذا القطاع وإزالة المعوقات والتحديات، وتوظيفه التوظيف الأمثل ، واستغلال هذا الثروة السمكية المتجددة أفضل استغلال، ووقف العبث بها ومنع الاصطياد السمكي للشركات التجارية التي تستنزف المخزون السمكي وتدمر الشعب المرجانية وتعيق نموها الطبيعي ، وكمثال بسيط على بقاء هذه الثروة مهدرة طيلة العقود الماضية لا يمتلك اليمن سوى مصنع لتعليب وتغليف التونة – مصنع واحد في المكلا – ويستورد البلد الذي يمتلك اكثر من 400 من أجود أنواع اسماك العالم، ويبلغ مخزونه السنوي 320 ألف طن من الأسماك أكثر من 50 نوعاً من أنواع الأسماك والتونة المعلبة بعشرات ملايين الدولارات من دول آسيا كماليزيا وتايلند والصين واليابان وإندونيسيا ودول أخرى البعض منها لا تمتلك 5 % مما تمتلكه اليمن من هذه الثروة ، ولذلك أستطيع القول إن الثروة السمكية اليمنية لاتزال واعدة وبإمكاننا أن نحولها إلى أهم مصادر للدخل الوطني وأهم قطاع اقتصادي وطني.
مقومات النهضة الاقتصادية في اليمن كبيرة ومتعددة تتيح – لصانعي السياسات الاقتصادية في ظل وجود إرادة سياسية قوية مجالاً واسعاً لوضع الأوليات والانطلاق من الأهم فالأهم وفق الاحتياجات الوطنية، فاليمن يعاني من تراجع حاد في إنتاج الحبوب وليس من الإنتاج الزراعي بشكل عام ، فالحبوب تعد العمود الفقري للأمن الغذائي الوطني ويشكل انعدامها أو قلتها تهديداً مباشراً للأمن القومي نظراً لارتباط الحبوب بأنواعها ومنها القمح بأساسيات البقاء، وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن اليمن تستورد نحو 95 % من الاحتياجات الاستهلاكية المحلية من القمح من الأسواق الخارجية وهو ما جعلها عرضة للمتغيرات المناخية والسياسية الدولية ، فهذا البلد الذي حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي كان يأكل مما يزرع ولم يكن يعتمد حتى بنسبة 5 % من احتياجاته على الأسواق الخارجية ، أصبح اليوم يستورد قرابة 3 ملايين طن من مادتي القمح والدقيق من 22 دولة على رأسها أستراليا وكندا وأمريكا وروسيا بفاتورة تتجاوز ملياري دولار سنوياً ، بينما مساحة اليمن المستغلة زراعيا لا تتجاوز 2 % بعدما كانت خلال السنوات الماضية 3% ، وهو ما يتيح فرصاً متعددة للاستثمار الزراعي في مجال إنتاج الحبوب ، وفي حال استثمر القطاع الخاص ورؤوس الأموال الوطنية في هذا المجال ستكون النتائج كبيرة وسترفع معدلات الاكتفاء الذاتي من الحبوب الذي تراجع من 6 % عام 2012م إلى 3 % عام 2018م إلى مستويات متقدمة ، وسيكون للاستثمار في زراعة القمح أثر اقتصادي كبير فمن جانب سيقلل من اعتماد البلاد على الخارج وسيخفض أيضا فاتورة استيراد القمح وسيحقق استقراراً اقتصادياً في السوق.
الحديث عن قطاع السياحة في بلد جذوره ضاربة في عمق التاريخ يكشف عن خصوصية فريدة وتنوع قلَّما يوجد مثيل له في المنطقة والعالم، فاليمن بلد السياحة التاريخية والبيئية والعلاجية والدينية وسياحة السفر والتزلج على الرمال وتسلق الجبال وهذا القطاع الذي يوصف بأنه صناعة بلا دخان، كمصدر دخل وطني للعملات الصعبة فرغم أهميته إلا أنه لم يحظ بحقه من التوظيف الأمثل حتى الآن، وباستغلاله الاستغلال الأمثل سيوظف مئات الآلاف من العاطلين عن العمل وسيرفع نمو الاقتصاد الوطني، في حال تحسين مخرجات التعليم لتتواءم مع متطلبات سوق العمل ، وتنظيم سوق العمل اليمني وإعادة اتفاقيات العمل المبرمة بين اليمن والدول الأخرى بما يحفظ حقوق العامل اليمني ويصون كرامته فتصدير العمالة المؤهلة للأسواق الخارجية سيرفع معدل التحويلات المالية بنسبة 300 % ، وسيعزز الثقة بين المغترب والوطن ليعود رأس المال الوطني المهاجر في الخارج للإسهام في بناء هذا الوطن.
وفي الرؤية الاقتصادية الشاملة والحكيمة لقائد الثورة السيد عبدالملك هناك خطوات إيجابية تقوم بها المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب في دعم وتنمية زراعة القمح في اتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح تدريجياً وصولاً إلى سد هذه الثغرة الكبيرة في أمننا الغذائي، وإن وجدت تحديات أمام هذا التوجه كارتفاع تكلفة الإنتاج، فإدخال التقنيات واستخدام الطرق الزراعية الحديثة لتخفيض تكاليف الإنتاج التي تفيد بعض الدراسات أنها كانت أحد العوائق التي تواجه منتجي القمح في اليمن وتحول دون وجود جدوى اقتصادية لزراعة القمح ، ونظراً للجدوى الاقتصادية الكبيرة من إنتاج البذور المحسنة التي يغني إنتاج كيس واحد من البذور محلياً عن استيراد ثلاثة أطنان من القمح من الخارج، فالمؤشرات مبشرة وفي حال زراعة مساحات واسعة في محافظة الجوف بالقمح سيعم الخير وستتحرر اليمن من التبعية الاقتصادية للخارج في هذا الجانب الحيوي والهام عما قريب.
الفرص المتعددة في قطاع الخدمات والسياحة والصناعة والنقل وغيرها من القطاعات كفيلة بأن تعيد لليمن سعادتها وأن تنهي معدلات الفقر والبطالة في ظرف سنين، في حال تم توظيفها التوظيف الأمثل واستغلال موارد البلاد وثرواتها المتعددة والمواد الأولية من المواد الخام والثروة البشرية الكبيرة والهامة القادرة على صنع المنجزات وتغيير المعادلات الاقتصادية ، فاليمن كان ولايزال بلداً بكراً بالثروات ولذلك تكالب عليه الأعداء على مدى العقود الماضية ووقفت دولة العدوان السعودي حجرة عثرة أمام تنمية هذا البلد وتطلعات أبنائه ، لإدراكها أن تحقيق اليمن للاكتفاء الذاتي من احتياجاته واستثمار ثرواته واستغلالها في صالح التنمية سيقودها إلى الاستقلال الكامل عن الوصاية الخارجية.
ولذلك وضع قائد الثورة السيد عبدالملك في خطابه الأخير الجهات المعنية وأصحاب رؤوس الأموال الوطنية وكافة اليمنيين أمام مسؤولية كبيرة في إعادة البناء الداخلي والتحرك الجاد بمعنوية وثقة وقوة وعزيمة من منطلق الهوية الإيمانية نحو مواجهة التحديات والأخطار الاقتصادية، فهناك العديد من البرامج الوطنية للإنعاش والتعافي الاقتصادي ، وفقا للرؤية الوطنية الشاملة ستكون باكورة للانطلاق نحو بناء الاقتصاد من الداخل، فهناك المئات من الفرص المغرية أمام إنشاء عشرات المصانع الإنتاجية في مختلف المجالات ، ومع ذلك يبقى رأس المال الوطني والقطاع الخاص وكذلك انطلاق المواطن اليمني الأصيل نحو هذا الجانب أساس البناء والتنمية والنهوض.
______
رشيد الحداد