المشهد اليمني الأول/
يبدو أنه لا مكان لصوت يرتفع في وجه الانتهاكات الإماراتية والسعودية أو يناهض سياسة تحالف العدوان الذي انحرف عن أهدافه المعلنة للتدخل العسكري في اليمن قبل خمس سنوات، فما يمكن تسميته بالقمع عبر الإيقاف عن العمل طال وزير النقل في حكومة صالح الهارب صالح الجبواني.
وقرر معين عبد الملك،رئيس الوزراء في حكومة هادي الهارب الخميس 26 مارس 2020، إيقاف الوزير الجبواني بحجة الإخلال الجسيم بمهامه الوظيفية، وتعيين نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي للإشراف على أعمال الوزارة.
وبالإضافة إلى كونه وزيراً، فرض الجبواني نفسه كشخصية سياسية جنوبية بارزة في المشهد اليمني، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، حيث مثّل الوزيران حائطاً منيعاً بمواقف جريئة ومسموعة ضد انتهاكات التحالف، خصوصاً الإمارات في المناطق الجنوبية.
توتر ومواقف بارزة
وصالح الجبواني سياسي يمني ينتمي إلى محافظة شبوة، كان ضمن الشخصيات الجنوبية المعارضة لنظام علي صالح، حيث حصل على لجوء سياسي في بريطانيا عام 2009، قبل أن يُعيَّن وزيراً للنقل في 24 ديسمبر 2017.
وبدأ توتر العلاقة بين الوزير المقال والإمارات منذ أواخر فبراير 2018، عندما منعت قوات النخبة، المدعومة من أبوظبي، موكب الجبواني من المرور صوب ساحل شبوة، لوضع حجر الأساس لأحد الموانئ ليدعو الوزير حينها إلى اتخاذ قرار سيادي يصحح العلاقة مع الإمارات.
ولم تكن دعوة الوزير باتخاذ قرار سيادي لتصحيح العلاقة مع الإمارات هو الموقف الوحيد، فهناك عديد من المواقف الجريئة التي تصدى لها في ظل صمت حكومة الرئيس المستقيل والفار عبد ربه منصور هادي، حيث أكد الجبواني في الـ19 من يناير الماضي، أن الحكومة لديها “كل الدلائل على علاقة الإمارات بتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن وبالأسماء”، متهماً أبوظبي باستخدامهم لضرب تعزيزات الجيش اليمني، بطريق محافظتي شبوة- أبين (جنوبي اليمن).
كما أن الوزير استمر في مواقفه القوية واتهم في 6 فبراير، دولة الإمارات ومليشيا “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المحسوب عليها، بأنها سبب فشل “اتفاق الرياض”، موجهاً تساؤلاً إلى السعودية، التي رعت الاتفاق، حول خطوتها المقبلة.
وفي العاشر من الشهر نفسه، توعد الوزير اليمني بسحق التمرد الذي تدعمه الإمارات في عدن بالقوة.
أهداف مشبوهة
وليست هذه هي المرة الأولى التي يُزاح فيها مسؤول يمني عن المشهد لوقوفه ضد أجندة التحالف السعودي – الإماراتي، فقد أقيل أحمد بن دغر رئيس الحكومة السابق بضغوط إماراتية؛ بعد أن عُرف برفضه التدخّلات الإماراتية المُضرّة بالسيادة والممارسات المقوِّضة للشرعية، منها رفضه لنشر قواتها في جزيرة سقطرى وثباته في أحداث يناير 2018 بعدن ضد مليشيا “الانتقالي” المدعومة من أبوظبي.
ووفقاً للمحلل السياسي اليمني عبد اللطيف حيدر، فإن “التحالف عندما يجد معارضة قوية من بعض الوزراء أصحاب الضمائر الذين يدركون أهدافه المشبوهة، يسعى إلى قمع وتصفية أي معارضة تقف في طريق مشروعه في اليمن، مستفيداً بذلك من الغطاء القانوني الذي يستمده من الشرعية المقيمة في فنادقهم” (في إشارة إلى إقامة عبدربه منصور هادي وأعضاء حكومته في الرياض وأبوظبي)، بحسب تعبيره.
لكن هل يقف قمع التحالف عند الجبواني؟ يجيب حيدر بأن “الدور آتٍ على بقية القيادات التي انتقدت التحالف والقيادات التي لا تروق له (في إشارة إلى الميسري وزير الداخلية)، وينوي إزاحتها من المشهد متذرعاً بـ”اتفاق الرياض”، ويستغل التحالف بذلك السمة الشرعية التي باتت مرهونة كلياً لإرادته “المشروعية القانونية”.
وعن مشروعية القرار الذي صدر عن رئيس حكومة هادي الهارب يرى الناشط الحقوقي اليمني توفيق الحميدي أن القرار باطل من الناحية القانونية.
وأكد الحميدي في صفحته على “فيسبوك” أن “توقيف الوزير الجبواني من قِبل رئيس الوزراء سياسي ويفتقر إلى أي أساس قانوني؛ بل يخالف القانون.
بدوره وصف المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي القرار بأنه “سلوك منافٍ للدستور وخيانة صريحة للدولة اليمنية التي يتآمر عليها الجميع”.
وانتقد التميمي في منشور له على” فيسبوك” حكومة معين عبد الملك، وقال: إن “القرار يأتي في وقت تفقد فيه الحكومة نفوذها وكرامتها على يد مليشيات زُرعت تحت أنظار الرياض ودُعمت بأموال السعودية والإمارات”، لكنه استدرك أن “دور صالح الجبواني لن ينتهي بعد إيقافه”.