المشهد اليمني الأول/
عادت الحُكومة الصينيّة لتُؤكِّد، ومن خِلال حقائق جديدة مُتوفِّرة لديها، أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة هي المصدر الأساسيّ لفيروس “كورونا الجديد” وأنّها تعمّدت نشره في الصين من خِلال عُملاء وكالة المُخابرات الأمريكيّة المركزيّة “سي آي إيه”.
تشاو لي جيان، المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة، تمسّك براويته الأولى وأعلن أمس عن وجود إثباتات تؤكّد أنّ هذا الفيروس تمّ اختِراعه وتطويره من قبل عُلماء أمريكيين عام 2015، وأنّ مجلة Nature Medicine الأمريكيّة أكّدت في بحثٍ نشرته في أحد أعدادها في العام نفسه أيّ عام 2015، أنّ عُلماء في الولايات المتحدة تمكّنوا من الحُصول على نوعٍ جديدٍ من فيروس كورونا له تأثيرٌ خطيرٌ على الإنسان، وقال إنّ جُنودًا أمريكيين شاركوا في دورة الألعاب العسكريّة العالميّة التي جرت في مدينة ووهان التي تَنافس فيها 10 آلاف عسكري من مُختلف أنحاء العالم في تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، هم الذين نقلوا الفيروس إلى هذه المدينة.
نُدرك جيّدًا أنّ هُناك حربًا كلاميّةً واتّهامات مُتبادلة بنشر الفيروس بين الولايات المتحدة والصين، حيث اتّهمت الأولى (أمريكا) الثّانية (الصين) بتصنيع هذا الفيروس في أحد معاملها في مدينة ووهان، وتسرّب منها إلى المدينة ردًّا على تصريحاتٍ سابقةٍ أدلَى بِها قبل بضعة أيّام المتحدّث الصيني نفسه، ولكنّ قليلين أعاروا هذه الاتّهامات الأمريكيّة للصين أيّ اهتمام، لأنّ تاريخ الولايات المتحدة وإدارتها حافلٌ بالأكاذيب، والخُطط التآمريّة ونشر الأوبئة، علاوةً على استِهدافها للصين بحربٍ تجاريّةٍ لضرب اقتِصادها وتخفيض مُعدّلات نُموّه، حتى لا يتفوّق على الاقتِصاد الأمريكيّ، ويُطيح به من المرتبة الأولى عالميًّا.
عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبلغًا خياليًّا على شركةٍ ألمانيّةٍ “كيور فاك” مُقابل انتِقالها إلى الولايات المتحدة، وجعل نتائج اختِباراتها المعمليّة الطبيّة المُتقدّمة التي تُوشِك على إنتاج “مصل” ودواء لعلاج ضحايا فيروس الكورونا الجديد، وجعل هذا الإنجاز العلمي “حصريًّا” لامريكا فقط، هذا العرض الماليّ يُؤكّد أيضًا نظريّة المُؤامرة، ولكن وزير الداخليّة الألماني هورست زيهوفر الذي أكّد صحّة هذه الخطوة، قال إنّ “ألمانيا ليسَت للبيع” وأنّ بلاده تُريد إنتاج هذا اللّقاح المُضاد “ليكون للعالم كلّه”، مُشدِّدًا على أنّ الشّركة ستبقى على الأرض الألمانيّة.
عندما نقول إنّ عرض ترامب هذا يُؤكِّد نظريّة المُؤامرة، فإنّنا نعني أنّ حصره لهذا اللّقاح في يَد أمريكا يعني أنّها ستكون المُتحكِّم به، والدّول أو الشّعوب التي يُمكن أن يُصدَّر إليها، أيّ الشّعوب والدّول الصّديقة للولايات المتحدة، أو العميلة لها تحديدًا، أمّا تِلك المُعادية فلن تحصل عليها، وستكون شُعوبها مستهدفة بفيروس الكورونا مُستَقبلًا.
نحمد الله أنّ أزمة الكورونا الحاليّة أثبتت أنّ الصين أكثر تقدُّمًا من الولايات المتحدة ودول غربيّة عديدة في هذا المِضمار، بالنّظر إلى النّجاحات الكُبرى التي حقّقتها إداريًّا وطبيًّا في التصدّي لها وتطويق أضرارها في زمنٍ قياسيٍّ، بينما ما زالت الأنظمة والمُؤسّسات الصحيّة الغربيّة تتخبّط، وحتّى لو عاد الفيروس إليها فإنّها ستكون مُستعدّةٌ لمُواجهته والقضاء عليه بحُكم خبرتها التي أثبتت فاعليّتها.
الأسلحة البيولوجيّة غربيّة بالأساس، والكورونا قد تكون أحد أدواتها، وربّما يُفيد التّذكير بِما نشرته صحف ومحطّات تلفزة أمريكيّة وأوروبيّة على نطاقٍ واسعٍ من “أكاذيب” لتبرير غزو العِراق واحتلاله عام 2003، تحدّثت عن احتِمال إرسال الرئيس العِراقي صدام حسين إرهابيين بحقائب “سامسونايت” يُفرِّغون مُحتواها من “الفايروسات” في شارع أكسفورد ستريت في لندن، أو مانهاتن في نيويورك، بِما يُؤدِّي إلى مقتل عشرات، بَل مِئات الآلاف.
الأزمة نفسها فتحت الأعين على تقدّم الصين طبيًّا، وبيولوجيًّا، وتراجُع الدول الغربيّة في هذا الميدان، رغم أنّ كُل جوائز “نوبل” التي تُمنَح سنويًّا للعُلماء الغربيين في هذا المجال وغيره من المجالات العلميّة الأُخرى.
فالجائزة “المُسيّسة” التي يجري منحها للعُلماء الغربيين ليست مِعيارًا موضوعيًّا في هذا الإطار، فكم مرّةً جرى منحها لعُلماء صينيين أو روس؟ وإذا مُنِحَت فإنّها غالبًا ما تكون لعُلماء صينيين يعيشون في الغرب، ولدينا لائحة طويلة في هذا الخُصوص لعُلماء وأُدباء عرب جرى حجبها عنهم لأنّهم غير مَرضِيّ عنهم ومَواقفهم أمريكيًّا وأوروبيًّا وإسرائيليًّا.
الخُبراء الصينيّون وصلوا “تطوّعًا” إلى ايران وإيطاليا وكل بلد منكوبة بهذا الفيروس تطلب المُساعدة، ومجّانًا، بعيدًا عن “البروباغندا” الدعائيّة، ولم نسمع أنّ خبيرًا أمريكيًّا واحدًا وصل إلى هذه الدول، والأكثر من ذلك أنّ إدارة ترامب لم تتعاطف مُطلَقًا مع الشّعب الإيراني في محنته الحاليّة، وترفع بالتّالي الحِصار الخانِق المفروض عليه ولو مُؤقَّتًا، وفي وقتٍ تُبَيّض فيه دول سُجونها من المُجرمين تعاطفًا، وتَجنُّبًا لإصابتهم بالفيروس والموت بعيدًا عن أُسرهم.
النّقطة الأخيرة في حديثنا عن النظريّة التآمريّة التي نُؤمن بها، تتعلّق بما نقرأه، ونُشاهده، في الصّحف والقنوات التلفزيونيّة الغربيّة، ومُلخّصها أنّ مُعظم الحُكومات الأوروبيّة تُركِّز على إعطاء الأولويّة للشّباب في العلاج من وباء كورونا، وترك “العجَزة” فوق سن 60 أو الـ70 يُواجهون مصيرهم، ودُون أيّ رحمة أو شفقة، وكأنّ حال هذه الحُكومات يقول إنّهم النّسبة العالية من شُعوبهم من المُتقاعدين (يُمثِّلون 30 بالمئة من مجموع السكّان تقريبًا) غير المُنتجين وباتوا يُشكِّلون عبئًا على الدولة وخدَماتها الصحيّة، شخصيًّا لا أستبعد هذه “المُؤامرة” في زمن الهيمنة الرأسماليّة اليمينيّة المُتوحِّشَة.
حقائقٌ كثيرةٌ ستتكشّف في الأسابيع والأشهر المُقبلة، ونحمد الله أنّ هُناك خُبرات بديلة في الصين وغيرها، يُمكن أن تُشَكِّل “طوق نجاة” أو هكذا نأمَل، واللُه أعلم.
__________
عبد الباري عطوان