المشهد اليمني الأول/
قوّضت الانتصارات الأخيرة للجيش اليمني واللجان الشعبية، شرق العاصمة صنعاء، المخطّطات التي كانت تُعدّ لليمن، ومنعت التحالف السعودي من إمكانية رسم أي خارطة لليمن وفق رغباته وأطماعه
فرضت صنعاء، مجدّداً، نفسها كصاحبة القرار الأول والأخير في تقرير مصير اليمن، بالتعاون مع المكوّنات الأخرى، تسلط السيطرة على مأرب (المؤجلة بانتظار قرار سياسي)، من قبل قوات صنعاء، أنظار «الأعداء» والمهتمّين بالشأن اليمني على الوجهة التالية للجيش اليمني واللجان الشعبية، قوى العدوان السعودي تتوجّس بشكل أساسي من فقدان مواقع احتلتها العام الماضي في محافظة الحديدة.
وقد قامت قوى العدوان هذه بخطوات استباقية كإرسال تعزيزات عسكرية، وأخرى سياسية من خلال سحب مندوبيها من لجنة المراقبة الأممية المنبثقة من «اتفاق السويد» للضغط على الأمم المتحدة لطلب المزيد من الضمانات تحسّباً لأعمال عسكرية قد يقوم بها الجيش واللجان الشعبية.
يتعامل فريق ما يسمّى حكومة الفار هادي مع مأرب بحكم الساقطة عسكرياً، وهذا ما اعترف به في وقت سابق مستشار الفارهادي، أحمد عبيد بن دغر، إذ أكد أن الهزيمة ستأتي في قادم الأيام بشكل أكبر، قائلاً: «سنتلقى جميعاً هزيمة تاريخية نكراء». علّل ذلك بعدة أسباب، أبرزها؛ الانقسام بين قوى العدوان، وحصول «أنصار الله» على وسائل وعوامل القوة التي أتاحت لها الصمود وتتيح لها التقدّم اليومي.
تفيد معلومات حصلت عليها «الأخبار» بأن مخططاً بريطانياً كان يعدّ لتقسيم اليمن إلى أربعة أقاليم، وذلك وفق السيطرة العسكرية لقوى العدوان، إلا أن الخلفية الحقيقية لهذه الأقاليم حصر «أنصار الله» في إقليم واحد، والحد من انتشارهم إلى بقية الأقاليم، وإذا دُعيت الأطراف المحلية إلى طاولة المفاوضات تكون حركة «أنصار الله» واحداً من أربعة، أو حتى خمسة، وقد جاء تقسيم الأقاليم الأربعة على النحو الآتي:
– إقليمان في الجنوب: الأوّل، في المحافظات الغربية، وهي عدن ولحج وأبين والضالع، يسيطر عليه «المجلس الانتقالي الجنوبي». الثاني، في المحافظات الشرقية، وهي شبوة وحضرموت والمهرة، وتكون السيطرة فيه لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن)، على أن تتم مراعاة المصالح العمانية في المهرة ومصالح دولة الإمارات في جزيرة سقطرى.
– إقليمان في المحافظات الشمالية: الأوّل، يشمل محافظات «شمال الشمال» وتسيطر عليه «أنصار الله». الثاني، يشمل محافظات تعز ومأرب والجوف والأجزاء المحتلة من الحديدة، على أن يتم توزيع النفوذ فيه بين «المؤتمر الشعبي العام» – جناج أبوظبي بقيادة طارق عفاش، و«الإصلاح» الذي سيحتفظ بالمناطق التي تُعدّ مناطق نفوذ له.
المخطّط البريطاني كان يعدّ لتقسيم اليمن إلى أربعة أقاليم
وعلى هذا الأساس، كانت أبوظبي تسعى بكل جهدها في توسيع دائرة نفوذها في هذه المناطق، وقد نجحت بفرض عدد من القيادات العسكرية في التشكيلات العسكرية لما يسمى «حكومة المرتزقة».
إلا أن الانتصارات التي حقّقها الجيش اليمني ولجانة الشعبية في فرضة نهم ومحافظتي الجوف ومأرب قوّضت المخطط بشكله الكامل، ولئن خسر «الإصلاح» محافظتين مهمّتين، هما مأرب والجوف، فإن حزب «المؤتمر الشعبي العام» ــــ جناحي الرياض وأبوظبي ـــ خسر أي أمل في التواجد في المحافظات الشمالية، باستثناء مدينة المخا غرب تعز، وجيوب محدودة في محافظة الحديدة.
ومنذ استعادة الجوف من قبل الجيش و«اللجان»، بدأ تركيز حلفاء التحالف جهودهم على محافظات شرق اليمن (شبوة، حضرموت، المهرة، سقطرى)، ينقل حزب «الإصلاح» المنضوي في حكومة الفار هادي الإمدادات العسكرية واللوجستية والمالية من مدينة مأرب إلى هذه المحافظات كملاذ آمن، فيما فرّ كبار المسؤولين والقادة ورجال الأعمال المقرّبين وعائلاتهم إلى مدينة سيئون في وادي حضرموت خشية سقوط المدينة.
تركيز «الإصلاح» على سيئون يعود لاعتبار أن مطارها مسموح له بتسيير الرحلات إلى الخارج، بالإضافة إلى مطار عدن، يفقد «الإصلاح» البيئة الحاضنة في المكلا مركز محافظة حضرموت، التي لا تزال تحتفظ بقاعدة شعبية واسعة لـ«الحراك الجنوبي» بفصائله كافة، لكن تنتشر هناك «الفرقة الأولى» التابعة لقوات حكومة المرتزقة وتوالي «الإصلاح» في الوادي وتتخذ من سيئون مقرّاً لها).
وفي سياق تعزيز الحضور السياسي، زار نائب حكومة الفار هادي، علي محسن الأحمر، الذي يعدّ الزعيم السياسي والعسكري لـ«الإصلاح» وادي حضرموت، الأسبوع الماضي، وعقد لقاءات مع الفعّاليات السياسية والعسكرية والاجتماعية للمنطقة.
يستفيد «الإصلاح» من التموضعات المختلفة لقياداته الموزّعة الولاء بين دول الخليج، ولا سيما السعودية وقطر، رغم الخصومة الشديدة بين الدولتين، فبينما تؤمّن المملكة السعودية الدعم الكامل للألوية العسكرية الموالية لـ«الإصلاح» والتي تقاتل ضمن تشكيلات «حكومة المرتزقة».
ويستفيد الحزب من شبكة المصالح الإقليمية التي تجمع كلاً من قطر وسلطنة عمان، وتسمح الأخيرة لقيادات «الإصلاح» – جناح قطر تركيا، باتخاذ السلطنة مقرّاً لهم.
وتتيح مسقط للكوادر والقيادات الكبيرة مساحة واسعة من التحرّك والانتقال من وإلى المحافظات اليمنية الشرقية، حيث تعقد هذه القيادات تحالفات قبلية أبرزها مع الزعيم القبلي في محافظة المهرة علي سالم الحريزي، الذي يقود حركة احتجاج سلمي بوجه الاحتلال السعودي للمحافظة، ومن أبرز مسؤولي «الإصلاح» في مسقط حمود المخلافي، قائد ميليشيات «مقاومة تعز»، الذي لا يزال يعمل على إقامة تشكيلات عسكرية مموّلة من قطر في محافظة تعز وسط البلاد.
في حال تمكّن الجيش واللجان الشعبية من استعادة مدينة مأرب يكون «الإصلاح» قد خسر أهم الموارد الاقتصادية، وهي استئثاره بحقول النفط والغاز فيها، إلا أن «الإصلاح» لن يخسر كل موارده الاقتصادية والمالية، فسيبقى ممسكاً بمحافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز، بالإضافة إلى محافظة حضرموت، الأمر الذي يؤجّج الصراع مع «الانتقالي الجنوبي» المسيطر على المحافظات الغربية التي تفتقد إلى موارد مالية تفي باحتياجات «الانتقالي» في حال قرّر القيام بإدارة تلك المحافظات بعيداً عن حكومة الفار هادي.
_________
لقمان عبدالله