المشهد اليمني الأول/
الكفاح والنضال والتضحيات التي قدمها الجنوب اليمني من أجل التحرر من الاستبداد والديكتاتورية التي كانت تتمثل بالرئيس السابق علي عفاش، ذهبت كلها ادراج الرياح، وذلك عندما ربطت بعض أحزاب الجنوب مصيرها بمصير الاماراتي والسعودي واليوم الأمريكي، فأول خطوة أقدمت عليها أبوظبي والرياض هي فرض عميلهم عبد ربه منصور هادي على الجنوب.
لم يذق معاناة الاستبداد والديكتاتورية خلال عهد صالح سوى الشعب اليمني، بينما كانت السعودية تقدم له كل ما تمتلك من دعم ليبقى في السلطة ويواصل حكمه الديكتاتوري ويقمع المناضلين خاصة أولئك الذين انتفضوا ضده في الشمال والجنوب، لذلك لا غرابة في أن يواصل الشمال الانتفاضة التي أنطلقت من الجنوب، ولكن أين وصلت انتفاضة الشمال وأين وصلت انتفاضة الجنوب؟
الشماليون واصلوا انتفاضتهم للاطاحة بكل ما يتعلق بالعهد السابق، وعندما رأى السعودي أن عملائه ونفوذه بدأ يتبخر بالتدريج في الشمال شن عدوانه، بينما بعض الأحزاب المتنفذة في الجنوب وضعت يدها بيد من وقف الى جانب الديكتاتور وقدم له أنواع الدعم، فيا ترى ما عدى مما بدى.
المحصلة النهائية هي التي يراها الجميع، أن الشماليين اسياد أنفسهم وحققوا الهدف الرئيسي من الثورة وهي نبذ الديكتاتورية والتبعية في آن واحد، بينما الجنوبيون رفضوا حكم صالح فجاء السعودي ليفرض عليهم حكم هادي، لذلك لم ولن يستقر الجنوب الا بالتصدي للاحتلال السعودي الاماراتي لجنوب اليمن.
اليوم يسطر الشماليون أروع الملاحم على العدوان ومرتزقته، ولم يكتفوا بابعاد العدوان واذنابه عن العاصمة صنعاء ومحيطها بل بدأوا بالزحف لتحرير المزيد من الأراضي اليمنية من سيطرتهما، فحرروا وبكل جدارة معظم مناطق الجوف ليمنحوا المزيد من الأمان لاهالي صنعاء، وفي نفس الوقت ليدخلوا الرعب في نفوس العدوان السعودي عبر سيطرتهم على المزيد من الشريط والمناطق الحدودية.
لن يكتفوا بذلك وانما سيواصلون المسيرة نحو مأرب لتحريرها بالكامل من العدوان ومرتزقته، غير أن عيون السعودي الاماراتي الامريكي مسمّرة على ثروات مأرب وحضرموت وشبوة، فتؤكد وسائل الاعلام أن الأمريكي بدأ بارسال البوارج الحربية الى جزيرة سقطرى وشواطئ شبوة، لتعزيز سيطرة العدوان على حقول النفط والثروات المعدنية في المحافظات الثلاث، (حضرموت وشبوة ومأرب).
الاطماع الأمريكية السعودية الاماراتية في اليمن لا ينهيها ويضع حد لها الا تكاتف اليمنيين ووحدتهم، والرهان على الاحتلال والعدوان لن يخلص اليمن من محنه المتتالية، وكانت الفترة الماضية كافية لتعرف أحزاب الجنوب حقيقة العدوان وخاصة النوايا السعودية في اليمن، وتدرك جيدا أن السعودية لم تأت لليمن من أجل سواد عيون اليمنيين وانما في الوهلة الأولى للقضاء على أية ثورة وتحرك جماهيري، وفي الوهلة الثانية لنهب ثرواتهم.
الشماليون عانوا بدورهم من الظلم والاستبداد والديكتاتورية، وقد شن صالح 6 حروب ضدهم وشاركت السعودية في الحرب الخامسة والسادسة جنبا الى جنب صالح ضدهم، لذلك فانهم أكثر من غيرهم يتفهمون معاناة الجنوبيين، وكانوا يعلمون أن السعوديين لا يختلفون عن صالح، ومع أنهم كانوا يدركون مخاطر الاعتراض على السعودية ورفض مخططاتهم ومشاريعها، الا انهم وصلوا الى قناعة أن الثمن الذي يدفعوه مقابل التخلص من الهيمنة السعودية وأياديها مهما يكن فلن يكون أكبر من ثمن البقاء تحت سطوة السعوديين وعملائهم، لذلك قرروا المواجهة والتحدي، واليوم لهم اليد الطولى وعلى العدوان استجداء رضاهم.
ظروف الجنوبيين في الوقت الراهن تختلف عن الشماليين بالكامل، فاذا كان الشماليون قد حققوا ما حققوا من اللاشيء، وبدأوا من الصفر، فان الجنوبيين ليسوا مضطرين ليبدأوا من الصفر وانما باستطاعتهم وضع أيديهم بأيدي الشماليين ويحققوا الانتصارات على العدوان ومرتزقته، وينهوا اطماع الاجانب في بلادهم، وصحيح أن اتخاذ مثل هكذا قرار مكلف للغاية الا أنه الخيار الوحيد ليكون اليمنيون سادة أنفسهم وليسوا عبيدا للأمريكي والسعودي والاماراتي.