المشهد اليمني الأول/
دائما ماتوصف أي حرب مهلكة بأنها حرب عمياء ؛ ولاأعتقد أن تاريخنا قد شهد حربا عمياء البصر والبصيرة كهذه الحرب التي شنت على بلادنا منذ خمس سنوات بالتمام، وقد أرادها العدوان ان تكون كذلك حربا عمياء صماءن رغم أضواء إنفجاراتها وحرائقها ورعب أصواتها، بهدف تحويل البلاد الى بقيعة ظلام منسية قابعة في زاوية النسيان، لاأحد يعلم بها ولايكترث لها، والمسألة أيام او أسابيع، ثم يخرجون الى العالم بفيلم هوليودي يروي القصة التي يريدون تقديمها وإقناع العالم بها.
ولكن كما فشلوا في مخططهم العدواني، كذلك فشلوا في ان يطمسوا صورة عدوانهم الاجرامي، فهم أرادوها عمياء مظلمة، لكن الله سخر لها أولئك النفر من الشباب المجاهد، الذي عاهد نفسه ان يكون (بصر وبصيرة) هذا الوطن، فالتحم بالكاميرا ومنحها روحه وسمعه وبصره وصوته وأنفاسه ونبضات قلبه ؛وأحالها الى (هدهد) يسمع ويرى ويروي ويؤرخ كل لحظة، كل ساعة، كل حركة، بصدق واقتدار، ذلك هو الإعلام الحربي.
نعم : الاعلام الحربي .. بطله شاب نحيل لم يبلغ العشرين بعد، ممسك بالكاميرا بيد والبندقية باليد الاخرى، لاترى وجهه أبدا بل لاتراه حيا أبدا، وهو الذي تسمع انفاسه ونبضاته في كل مايصوره لك من شجر وحجر وغارات ومعارك واسلحة وضحكات رفاقه وتكبيراتهم ..
تتمنى ان ترى وجه هذا البطل الذي يرمي نفسه وسط المعارك لإلتقاط صورة، لتوثيق لحظة، وحين تظفر برؤيته تراه شهيدا ارتقى الى ربه، ليتحول ذلك الجندي المجهول الى شهيد معلوم تتكحل برؤيته عيون الوطن.
نعم كانت لنا عشية العدوان تجربة متواضعة للأعلام الحربي، لكنها صارت اليوم مدرسة عالمية يعتمد عليها الإعلام في كل العالم، فهل تتذكرون ذعر العسيري بعد شهرين من العدوان وهو يتلعثم امام الصحفيين عن الصور التي بثها الاعلام الحربي لبطولات مجاهدينا في نجران وعسير وجيزان؟! فرد عليهم: ان الحوثيين يزودون مقاتليهم بكاميرات صغيرة يربطونها على جباههم ليصوروا كل شيئ امامهم لرفع معنوياتهم ومن باب الحرب النفسية !!! لكن الحقيقة أن العدوان كان مصدوما ومصعوقا بتلك المشاهد التي يبثها اعلامنا الحربي، فتكشف كذبهم واباطيلهم.
تصوروا لو لم يكن لدينا أعلام حربي!! لو لم يقيض الله لنا هؤلاء الفتية بعضهم لم يلمس كاميرا قط في حياته! كيف باسابيع من التدريب بلغوا مبلغا يضاهي مصوري هوليود؟! حقا وصدقا انه الله الذي ألهمهم ونور بصيرتهم بذلك الابداع !!
هل تتذكرون أول معركة خاضها رجال بكيل المير وتم فيها إسقاط أول موقع سعودي !! هل تتذكرون صور مذبحةالدبابات في وادي جارة ؟؟!! هل تتذكرون صورة الجندي الحافي؟! هل تتذكرون صورة الشهيد (الملصي) وهو يقول: بعيني ياسعودية قلعنا عين وسنقلع الثانية ؟؟؟!!! هل تتذكرون صورة معركة ذات السلالم ؟؟!! هل تتذكرون صورة (ياسعودي سلم نفسك) ؟؟؟!! هل تتذكرون همس انفاس المجاهدين صعودا وهبوطا وهي تهمس في آذانكم!!
هل تتذكرون صرخاتهم، تكبيراتهم، حمدهم، صلواتهم، تراتيلهم، ضحكاتهم، زواملهم برعتهم !! هل تتذكرون نبضات قلب المصور الحربي وهو يوثق لحظة انتصار!! ماذا لو لم يكن لدينا إعلام حربي وثق لنا كل هذا ؟!! حقا كانت ستكون حربا عمياء.!!
ماذا لو لم يكن لدينا إعلام حربي!! من كان سيمنحنا عينيه لنرَ بهما مآسينا وأحزاننا وجراحنا وشهداءنا!! من كان سيوثق دمار وخراب وطننا من!! في هذ العالم أعمى البصر وميت الضمير!!
إن معجزة الاعلام الحربي أنه هزم العدوان من اول صورة له، أجل هزم جيوش اعلام العدوان التي ملأت السماء والأرض أقمارا صناعية وفضائيات ومراسلين وكتبة مأجورين و (سوشل ميديا ) في سوق إعلامي أجير لم يشهد له التاريخ مثيلا ..
معجزة الإعلام الحربي انه كان أشبه ب(عصا موسى) التي التقفت سحر السحرة وأبطلت زيفهم ، وكان أشبه ب(هدهد سليمان) في صدقه ونفاذ بصيرته.
معجزة الإعلام الحربي أنه بمصداقيته أجبر الاعلام العالمي على ان يكون هو مصدر الصورة والخبر من ارض المعركة، فقد غطت مابثه من مشاهد (نصر من الله) أكثر من ألف فضائية وضعفها في عملية البنيان المرصوص.
معجزة الاعلام الحربي أنه السلاح الأمضى اليوم في معركة التنكيل والتمكين والفتح المبين.
__________
فاطمة محمد بن محمد