المشهد اليمني الأول/
قال المختص بشؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين عبد الناصر فروانة إن سلطات الاحتلال اعتقلت منذ عام 1967 أكثر من 16 ألف إمرأة فلسطينية، من أعمار وشرائح وفئات طبقية مختلفة، وشملت الاعتقالات أمهات وزوجات ونساء كبيرات طاعنات في السن، وحوامل ومريضات ومعوقات وفتيات قاصرات وطالبات في مراحل تعليمية مختلفة، وكفاءات أكاديمية وقيادات مجتمعية ونائبات منتخبات في المجلس التشريعي.
وأوضح فروانة في تقرير أصدره بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يصادف ٨ آذار (مارس) من كل عام أن سلطات الاحتلال تواصل اعتقال 43 أسيرة فلسطينية في ظروف صعبة.
وأوضح أن المرأة الفلسطينية لم تُستثنَ من الاعتقالات الإسرائيلية، وأن الأشكال والأساليب التي يتبعها الاحتلال عند اعتقال المرأة الفلسطينية لا تختلف عنها عند اعتقال الرجال.
وقال إن “الاعتقالات تستهدف محاولة ارهاب المرأة وردعها وتحجيم دورها وتأثيرها وتهميش فعلها، أو بهدف انتزاع معلومات تتعلق بالآخرين، وأحيانًا يتم اعتقالها للضغط على أفراد أسرتها وأقاربها لإجبارهم على الاعتراف وتقديم المعلومات، أو لدفع المطلوبين لتسليم أنفسهم.. الأسيرة الفلسطينية تتعرض أثناء الاعتقال لتحقيق قاسٍ، وتعذيب جسدي ونفسي، وقمع وتنكيل وقهر وحرمان، دون مراعاة لجنسها وخصوصيتها، ودون توفير الحد الأدنى من احتياجاتها الخاصة. هذا بالإضافة إلى استمرار الإهمال الطبي وعدم توفر الرعاية الطبية اللازمة”.
فروانة أكد أن التاريخ الفلسطيني يحفظ أن فاطمة برناوي التي اعتُقلت بتاريخ 14 تشرين أول/أكتوبر 1967 تُعتبر الأسيرة الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقد حُكم عليها آنذاك بالسجن المؤبد مدى الحياة، إثر اتهامها بوضع قنبلة في “سينما صهيون” في مدينة القدس.وأشار إلى أنه أطلق سراح فاطمة بعد 10 سنوات من اعتقالها؛ في 11 تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1977
كما قال إن التاريخ يحفظ أن الأسيرة المحررة لينا الجربوني من الداخل هي عميدة الأسيرات وأكثرهن قضاءً للسنوات في سجون الاحتلال، حيث أمضت خمس عشرة سنة متواصلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي (2002-2017)، وذكر أن عدد حالات الاعتقال لدى الاحتلال العام الماضي (٢٠١٩) في صفوف النساء بلغ (128) فلسطينية، بينهن أمهات وقاصرات، لافتا إلى أنه سُجل اعتقال (29) فلسطينية منذ مطلع ٢٠٢٠،
وتابع:”جميع من مررن بتجربة الاعتقال قد تعرضن لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والمعاملة المهينة، بالاضافة إلى فرض احكام جائرة وغرامات المالية باهظة والاقامة الجبرية أي الحبس المنزلي، وأحيانا الاعتقال الإداري”، وأردف “مازالت سلطات الاحتلال تحتجز في سجونها نحو (43) اسيرة، بينهن (16) اسيرة أم، ومن بين الأسيرات هناك (13) اسيرة من القدس، و(6) اسيرات من الداخل المحتل، واسيرتان من قطاع غزة، والباقي (22) من الضفة الغربية المحتلة.
وأفاد أن (27) من اجمالي الأسيرات يقضين أحكاما مختلفة، وأعلاهن حكما الأسيرتان هما شروق دويات من القدس وشاتيلا أبو عيّاد من المناطق المحتلة عام1948 المحكومات بالسّجن 16عامًا، والأسيرتان عائشة الأفغاني وميسون موسى الجبالي المحكومات بالسّجن 15عامًا، والأسيرة الجريحة اسراء جعابيص 11 عاماً، وكل من الأسيرات فدوى حمادة وأماني الحشيم ونورهان عواد المحكومات بالسجن 10سنوات، فيما لا تزال (12)أسيرة موقوفة بالإضافة إلى (4) اسيرات رهن الاعتقال الإداري، وهن: بشرى الطويل وشذى حسن من رام الله، شروق البدن من بيت لحم، وآلاء البشر من قلقيلية.
وبحسب فروانة، فإن الأسيرة أمل طقاطقة من بيت فجار في محافظة بيت لحم تعتبر أقدم، إذ اعتقلت بتاريخ ١ كانون اول/ديسمبر2014، وتقضي حكما بالسجن الفعلي لمدة 7 سنوات.
وأشار فروانة في تقريره إلى أن الأسيرة الفلسطينية تعاني من ظروف قاهرة أثناء نقلها في ما تُعرف بسيارة “البوسطة”، التي يتم بواسطها نقلها بين السجون أو المستشفيات والمحاكم، وتتعرص للاعتداء الجسدي أو اللفظي أو الإثنين معا، لتشكل عملية النقل رحلة عذاب، إضافةً إلى معاناتها المستمرة داخل غرفة “المعبار” في سجن “هشارون” التي لا تصلح للحياة الآدمية، إذ تضطر لأن تنتظر فيها ساعات طويلة، أو المكوث فيها أيام عدة كمحطة انتظار، قبل استكمال نقلها إلى السجن المقصود أو المحكمة المحددة.
وأكد فروانة أن معاناة الأسيرة الفلسطينية وعذاباتها ربما فاقت في بعض الجوانب عذابات الرجل، ومع ذلك لم تتراجع عن دورها ولن تنكسر أمام سجانيها، لتسجل تجربة نضالية واعتقالية حملت الكثير من الخصوصيات والمعاني والدلالات، معربًا عن فخره واعتزازه بالمرأة الفلسطينية بشكل عام ودورها، وحضورها اللافت على المستوى الاجتماعي والإنساني والسياسي والوطني والكفاحي.
وقال فروانة في تقريره:”إن الأسيرة الفلسطينية خاضت مع إخوانها الرجال مواجهات كثيرة ضد إدارة السجون، وشاركتهم معارك الأمعاء الخاوية (الإضرابات عن الطعام)، ذودًا عن الكرامة واحتجاجًا على سوء المعاملة ومطالبة بالحقوق الأساسية وتحسين الأوضاع المعيشية والحياتية.
وأضاف أن الأسيرة الفلسطينية هناء شلبي من جنين سجلت الإضراب الفردي الأطول في تاريخ الحركة النسوية الأسيرة حينما خاضت إضرابا مفتوحا عن الطعام استمر (44) يوما متواصلا قبل أن تُنهي إضرابها ويتم إبعادها إلى غزة في الأول من نيسان/أبريل عام2012.
وتُعتبر الأسيرة هبة اللبدي آخر الأسيرات اللواتي خضن إضرابا عن الطعام رفضا للاعتقال الإداري، والذي استمر (42) يوما، وذلك بعد موافقة سلطات الاحتلال على طلب الحكومة الأردنية والإفراج عنها أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وتسليمها للأردن كونها تحمل الجنسية الأردنية.
وأوضح فروانة أن الأسيرة الفلسطينية استطاعت أيضًا أن تحول السجن إلى مدرسة، ووقفت بإرادة صلبة أمام كل أساليب التفريغ والتطويع والاضطهاد، لتبني داخل السجن مؤسسة ثقافية وتنظيمية وفكرية، وتخلق حالة إنسانية عالية من التحدي، رغم الحصار الثقافي والتعليمي والقيود المفروضة والإجراءات القمعية، موضحًا أنها حافظت بذلك على كرامتها ووجودها ومبادئها أمام سوء الأوضاع وقسوة السجان الإسرائيلي.
وكشف فروانة في تقريره أن عدداً من الأسيرات يعانين من أوضاع صحية صعبة، جراء المرض أو الاصابة أثناء الاعتقال، كالأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص التي تبلغ من العمر 34 عامًا، وقد اعتقلت جريحة بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015، وحُكم عليها بالسجن الفعلي لمدة 11 عاما بتهمةٍ أُلصقت بها وذلك حين انفجرت أُسطوانة غاز كانت تنقلها بسيارتها بالقرب من حاجز عسكري نتيجة إطلاق قوات الاحتلال النار على سيارتها. ومع الانفجار اشتعلت النيران في سيارتها والتهمت الحروق جسدها، وأُصيبت بجروح من الدرجات الأولى والثانية والثالثة في 50% من جسدها، موضحا أنها بحاجة إلى رعايةٍ صحيةٍ ومزيدٍ من العمليات الجراحية، ومعاناتها تتفاقم في ظل استمرار سياسة الاهمال الطبي المتعمد.
وأشار فروانة الى أن كثير من الفلسطينيات أصبن بجروح قبل اعتقالهن، وأن واحدة منهن وهي الفتاة “فاطمة طقاطقة” (15 عاما) من بلدة بيت فجار في محافظة بيت لحم، قد استشهدت بعد اعتقالها جراء اصابتها بعدة أعيرة نارية في آذار/مارس 2017، وقد تم التنكيل بها وتركها تنزف، وقد رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنها رغم خطورة وضعها الصحي، وأبقتها قيد الاعتقال إلى أن استشهدت في مستشفى “شعاري تسيدك” بتاريخ 10-5-2017 لتلتحق بقافلة شهداء الحركة الأسيرة.
وخلص فروانة الى أن معاناة الأسيرة الفلسطينية تتعدى الوصف، وصور عذاباتها في سجون الاحتلال متعددة، تصلح لأن تكون سيناريوهات سينمائية، وقد يُخيل للبعض أن وصفنا مبالغ فيه، وربما كان سبب ذلك اقتصار دلائل الإثبات لدينا على الروايات والشهادات، التي تقدمها الضحايا، في ظل إصرار دولة الاحتلال على أن تُبقي أبواب سجونها مغلقة أمام وسائل الإعلام والمنظمات الدولية وممثلي مؤسسات حقوق الإنسان”،
خاتمًا “العالم يحتفي بالمرأة في الثامن من آذار من كل عام تقديرا لها ولنضالاتها وتضحياتها، وتكريما لدورها في مناحي الحياة المختلفة، فيما يتجاهل المرأة الفلسطينية ومعاناتها المتفاقمة جراء الاحتلال وحقوقها المسلوبة بفعل قوة المحتل، لاسيما الأسيرة الفلسطينية التي تقبع في غياهب السجون”،
ودعا كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية والتي تُعنى بالمرأة لضرورة الاهتمام أكثر بالأسيرات وتسليط الضوء على معاناتهن وما يتعرضن له داخل سجون الاحتلال، والعمل الجاد من أجل ضمان حريتهن.