المشهد اليمني الأول/
في أعقاب فشل المفاوضات التي كانت تستهدف تجنيب مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، المعارك، ومبادرة القوى الموالية لـ«التحالف» إلى استقدام تعزيزات ومهاجمة مواقع الجيش واللجان الشعبية، بدأت قوات صنعاء قبل يومين عملية في المحافظة، باتت من خلالها على مشارف مركزها، الأمر الذي استدعى استنفاراً سعودياً لوقف ذلك التقدّم.
بعدما تمكّنت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية، يوم الجمعة الماضي، من فرض سيطرتها الكاملة على جبهة الغيل في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء، وبدأت تقدّمها نحو مدينة الحزم، مركز المحافظة، وجّه تحالف العدوان، حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، بالدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة من محافظتَي مأرب وشبوة ومن جبهة كتاف في أطراف محافظة صعدة نحو الجوف، بهدف إعاقة تقدّم قوات صنعاء نحو مدينة الحزم. وجاءت هذه التطورات عقب فشل مفاوضات بين قيادات من «أنصار الله» في الجوف، وأخرى موالية لـ«التحالف» من المحافظة نفسها، لتجنيب المنطقة الصراع.
ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن المعركة كانت مؤجّلة بقرار سياسي من سلطات صنعاء بهدف «منح فرصة للسلام»، غير أن الطرف الآخر «تجاهل تلك الفرصة واتّجه نحو التصعيد». وأكدت المصادر ذاتها أن الجبهات كافة كانت شبه متوقفة قبل أسبوع، باستثناء مناوشات في البعض منها، لكن القوى الموالية لـ«التحالف» عمدت إلى استغلال الهدوء من أجل إعادة ترتيب صفوفها، قبل أن تبدأ شنّ هجمات على مواقع الجيش واللجان في جبهة الغيل، التي تُعدّ أكبر الجبهات العسكرية في المحافظة بعد جبهة خب والشعف، وهو ما حمل قوات صنعاء على الردّ.
وبعد أيّام من تقدّم الجيش واللجان في جنوب المديرية، وتأمينهما مناطق متعدّدة شرقها، وكذلك تمكّنهما من التقدم في جبال المقاطع ومحاصرة «اللواء 127 مشاة» التابع لقوات هادي، عمدت الأخيرة إلى استقدام تعزيزات كبيرة من مأرب إلى الغيل، بقيادة نجل محافظ الجوف المُعيّن من قِبَل هادي، صادق أمين العكيمي، الذي يتولّى أركان حرب محور الجوف ويقود «اللواء 155».
وعلى الأثر، انفجرت المعارك بين الطرفين، واستمرّت لساعات، لتنتهي بمقتل نجل العكيمي وعدد من كبار القيادات العسكرية الموالية لهادي وحزب «الإصلاح»، واستكمال الجيش واللجان السيطرة على مديرية الغيل، والتقدّم نحو مناطق واقعة على تخوم مديرية حزم، فضلاً عن اغتنام عشرات الآليات والمعدّات العسكرية وكميات كبيرة من الذخائر المتنوعة.
سقوط الحزم سيفتح الطريق لقوات الجيش واللجان نحو السيطرة على مديرية خب والشغف
وفي أعقاب سقوط «اللواء 127»، بدأت بقية القوات والميليشيات الانسحاب، فيما سلّمت كتيبة كاملة ينحدر عناصرها من قبيلة حاشد نفسها للجيش واللجان، ليتمّ تأمينها من ضربات طائرات العدوان. وفي خلال اليومين الماضيين، انتقلت المعارك نحو منطقة المحزمات ووادي حليف جنوب غربي الجوف، بعدما دفعت قوات هادي بتعزيزات كبيرة إلى المنطقة مسنودة بغارات طائرات العدوان، وفي ظلّ إعلان قائد عملياتها، اللواء صغير بن عزيز، عن «عملية عسكرية لاستعادة الجوف».
وحاولت القوات الموالية لـ«التحالف» التقدّم في منطقة المحزمات الواقعة جنوب مدينة الحزم، كما حاولت تحت غطاء جوي كثيف التقدّم في وادي حليف، فضلاً عن إحداث اختراق في جبهة مجزر الواقعة ما بين محافظتَي مأرب والجوف، للتقدّم نحو مديرية المصلوب.
تقدّم قوات صنعاء في الجوف، ووصولها إلى مشارف مركز المحافظة، أثارا فزع السعودية، التي سارعت إلى محاولة شراء ولاء القبائل التي كان عدد منها أعلن انحيازه لـ«أنصار الله» خلال الأسابيع الماضية. وترى الرياض أن سقوط مدينة الحزم سيفتح الطريق لقوات الجيش واللجان نحو السيطرة على مديرية خب والشغف وصولاً إلى منطقة اليتمة الحدودية مع نجران.
ونظراً إلى ارتباط الجوف بحدود صحراوية مع محافظة حضرموت الجنوبية، تتخوّف الرياض أيضاً من أن يمهّد سقوطها لوصول قوات صنعاء إلى محافظة المهرة عبر الطرق الصحراوية التي تسيطر عليها القبائل المناهضة لـ«التحالف».
وبفعل تلك المخاوف، وصلت قيادات عسكرية سعودية برئاسة قائد «التحالف» في المنطقة العسكرية السادسة، العميد عبد الله بن حصيد العنزي، إلى مديرية حزم، تحت مبرّر تقديم العزاء لمحافظ الجوف أمين العكيمي بمقتل نجله. وتعهّدت تلك القيادات للعكيمي بتقديم الدعم العسكري وتكثيف الإسناد الجوي مقابل المضيّ في المعركة.
في غضون ذلك، تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين القوى الموالية للرياض وتلك المحسوبة على أبو ظبي، على خلفية تطورات الجوف. وفيما تنبّأت قيادات من «المجلس الانتقالي الجنوبي» بسقوط محافظتَي الجوف ومأرب بيد قوات صنعاء من دون قتال، بموجب ما زعموا أنها «صفقات سرية نكاية بالإمارات»، اتهم وزير الدولة في حكومة هادي، عبد الغني جميل، في تغريدة على «تويتر»، الإمارات بالوقوف وراء «مؤامرة» إسقاط المحافظتين. ودعا جميل، المقرّب من الجنرال علي محسن الأحمر، السعودية إلى «التدخل بقوة لإفشال المؤامرة».
(تقرير- رشيد الحداد)