المشهد اليمني الأول/
حوار مع المراقب السياسي اليمني عبدالله سلامّ الحكيمي
أوضح المراقب السياسي اليمني عبدالله سلامّ الحكيمي – المقيم في لندن – أن عمليات “نصر من الله”، و”البنيان المرصوص”، وإسقاط الطائرة السعودية (تورنيدو) في الجوف، بداية حقيقية لنهاية العدوان السعودي الامريكي، لافتا إلى أن هذه التحولات تعكس نجاح الجيش واللجان الشعبية في بناء نظام دفاع جوي قادر على اسقاط أحدث الطائرات الحربية عالميا.
وقال “سلام” في حوار صحفي خاص لصحيفة “الثورة”: إن عملية “فأحبط أعمالهم” التي القت عبرها وزارة الداخلية اليمنية القبض على عناصر شبكات التجسس والتخريب الداخلي التي أنشأتها ورعتها المخابرات السعودية والإماراتية مباشرة، عززت نجاح هذه التطورات الميدانية بالغة الأهمية، ما يؤكد حقيقة تسارع وتائر تنامي قواتنا الدفاعية وتطوير وتحديث صناعتنا الحربية محليا، وسير معارك مواجهة العدوان والاحتلال ومرتزقته التي تسجل انتصارات ميدانية مذهلة في مختلف الجبهات، وخاصة في مارب والجوف على نحو يكشف ما سوف يحدث قريبا في جبهات أخرى وخاصة جبهة الساحل الغربي من المندب الى الحديدة.
وتطرق الحوار الى ملفات الحاضر المتصلة بمؤشرات تفكك مشهد التحالف العربي الامريكي ومرتزقته وتضارب اجنداته، والرؤى المستقبلية القريبة لنهاية هذه الحرب العبثية.. بالإضافة الى ملفات المشهد العربي وتفككه وسقوط انظمته وتلاشي قضيته المحورية (فلسطين) وصعودها من جديد بعد انتقال الراية من الحاكميات الظالمة الى الشعوب الجديرة بحمل قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين، والدفاع عنها.. إلى تفاصيل الحلقة الأولى من هذا الحوار:
حوار / محمد إبراهيم
لنبدأ أستاذ عبد الله من أحدث مجريات ملف الحرب والحصار على اليمن ومشهد الصمود التاريخي على مشارف العام السادس على التوالي أمام أحدث ترسانة حربية في العالم، وأوسع تحالف دولي.. فما هي قراءتكم لهذه المجريات.. ؟
حقيقة.. ومن خلال متابعتنا لمجريات العام الخامس من العدوان والحصار على اليمن، يمكن القول أن المشهد يتراءى لنا ونحن نجتاز خمس سنوات من الصمود الأسطوري الذي صنعته تضحيات شعبنا وجيشنا وامننا، أننا أمام مرحلة مفصلية تشكل بداية حقيقية لنهاية العدوان والحصار أن شاء الله، فهناك ثلاثة تطورات ميدانية عسكرية وأمنية نوعية بالغة الأهمية شهدها العام الخامس تتمثل في عملية “نصر من الله” وعملية “البنيان المرصوص” والعملية الأمنية “فأحبط أعمالهم” التي بنجاحها أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على عناصر شبكات التجسس والتخريب الداخلي التي أنشأتها ورعتها المخابرات السعودية والاماراتية مباشرة.. وما زاد من أهمية نجاح هذه العلميات الثلاث، هو إسقاط أحدث الطائرات الحربية في العالم(تورنيدو) في الجوف بصاروخ أرض جو متطور، يشير الى نجاح جهود الجيش واللجان الشعبية الدؤوبة خلال خمس سنوات، في بناء نظام دفاع جوي قادر على اسقاط الطائرة الأحدث عالميا، وتطوير وتحديث صناعتنا الحربية محليا.. وهذا التتابع من الانتصارات الميدانية المذهلة في معارك مواجهة العدوان والاحتلال ومرتزقته وعلى مختلف الجبهات، وخاصة في مارب والجوف يُعدّ تحولاً محوريا يكشف بلا شك ما سوف يحدث قريبا في جبهات اخرى وخاصة جبهة الساحل الغربي من المندب الى الحديدة قياسا على ما حدث في مارب والجوف وربما اشد تنكيلا..
من الناحية المقابلة (مشهد التحالف) كيف تنظرون لمشهد المعركة.. ؟
وماذا يعني تدفق القوات الأمريكية الى قواعدها في الخليج وبالأخص السعودية ..؟
ما نراه هو أن الوجه الآخر للصورة في مقلب تحالف العدوان ومرتزقته، إنه يشهد تفككا وانقساما وتضاربا في الأجندات والمصالح وتراجعا وانكسارات بل وهزائم ونكسات في ميادين المعركة وليس أدلّ على ما نذهب اليه من تواصل تدفق القوات الاميركية وتمركزها في قواعد عسكرية منتشرة في الأراضي السعودية، إضافة الى قوات دول أخرى لتخفيف حدة المخاوف والقلق المتصاعد داخل النظام السعودي من انعكاس تنامي القدرات العسكرية، نوعاً وكماً، للجيش واللجان الشعبية والأمن اليمني، وتقدمهم المتسارع في كافة جبهات المواجهة وخاصة في جبهات ما وراء الحدود، التي تشكل أهمية بالغة في المرحلة القادمة في الحسم نصرا للمنتصر وهزيمة لمن انهزم.
أمام مجريات وشراسة هذه الحرب العبثية، برأيكم ماذا خسر الشعب اليمني، وماذا كسب ؟
تبدو الأمور من الناحية المادية والظاهرية، لواقعنا المأساوي، أننا كيمنيين قد خسرنا كل شيء فقد دمرت بلادنا ومقومات اقتصادنا وبنانا التحتية كاملة حتى معالمنا الأثرية ضُربت ومقابر موتانا اُستهدفت، وخسرنا في هذه الحرب العبثية عشرات الآلاف إن لم نقل مئات الآلاف من الشهداء والجرحى، وحوصر شعبنا برا وجوا وبحرا ووضع داخل سجن كبير ممنوع عليه السفر أو العودة إلاّ بركوب الخطر والمغامرات القاتلة أحياناً، وقد قضى الآلاف من ذوي الأمراض المزمنة موتا تحت هذا الحصار لانعدام الأدوية وعدم السماح لهم بالسفر للعلاج بالخارج.. وهو عقاب جماعي لشعب بأكمله، في سابقة لا مثيل لها في التاريخ، فيما المجتمع الدولي شاهد وصامت ومُبَارِك! هذه الإبادة التي فرضت علينا الافقار والتجويع المنظم والمميت، بإيقاف مرتبات موظفي الدولة والقطاع العام والمتقاعدين، بعد استيلائهم على البنك المركزي وبسط أيديهم على ثرواتنا البترولية والغازية، ليدفعوا شبابنا تحت طائلة موت اسرهم جوعا الى الالتحاق بآلة حربهم وعدوانهم ضد شعبهم مقابل حفنة من مال لا يساوي شيئا لكنه في وقت المجاعة ثمين!
وهكذا ساقوا شبابنا سوقا كدروع بشرية وفي الصفوف الأمامية ليس ضد الجيش والأمن واللجان الشعبية بل للدفاع عن ترساناتهم الحديثة وحماية الأراضي السعودية من نقمة شعبنا المظلوم الذي تعرض لمعاناة وعذابات وآلام عظيمة قاسية عصرته عصرا على مدى خمسة اعوام متواصلة دون انقطاع، بغية إخضاعه لكن دون جدوى.
وبهذا المشهد يمكن القول إننا خسرنا كل شيء لكننا كسبنا تجربة وطنية تاريخية جديدة في مواجهة قوى العدوان السعودي الاماراتي المسنود إسنادا كليا من امريكا وحلفائها الغربيين والكيان الصهيوني والمسلح منهم ومن روسيا والصين.. لقد كسبنا وطناً نفديه بالأرواح والدماء وان غلت، كسبنا حريتنا وكرامتنا وسيادتنا على أرضنا لنعيش أُمراء فوق ترابها أو شهداء تحت ثراها.. ولو انا كسبنا ما ذكرناه من خسائر آنفا كله، وخسرنا الوطن والكرامة والسيادة لضاع منا المغرم والمكسب معا، ولقد ربح شعبنا وجيشنا وأمننا وقيادتنا الرشيدة الثورية البيع.
لو أردنا التوقف عند قراءة أهداف التحالف المعلنة ليلة 26 مارس 2015م.. فما الذي يمكن أن تقوله عن تلك الأهداف حينها واليوم ونحن على مشارف العام السادس على التوالي من العدوان والحصار.. ؟
قبل قراءة الأهداف بعد وقبل العدوان، لا بد من الإشارة الى حقيقة لم تعد محل جدال وهي أن هذا العدوان من حيث فكرته وهدفه والتخطيط والإعداد له تم من قبل الدوائر الامريكية وحلفائها الغربيين مع الأنظمة الوظيفية العميلة لهم في السعودية والامارات وباقي المشاركين فيما سمي تاليا لتلك الليلة بـ(التحالف العربي بقيادة السعودية)، ولم يكن وليد لحظته، في ٢٦مارس٢٠١٥، وما تلاها من اعلانه في مؤتمر صحفي عقده السفير السعودي آنذاك في امريكا عادل الجبير! بل كان هذا العدوان معداً ومخططاً له منذ سنوات..
إنّ ادراك هذه الحقيقة سيجعل الهدف الرئيسي للعدوان أكثر وضوحاً فقد بدا بسيطا حسب تقديرات أدوات الاستعمار الوظيفية في المنطقة (السعودية والإمارات)، يتمثل في سرعة القضاء على قوة ثورية شابة صاعدة برزت سريعا في اليمن تغرد خارج سرب الامبريالية والصهيونية والرجعية المحلية، قبل أن تستعصي على الكسر إن تمكنت من بسط نفوذها على اليمن، حيث تشكل تهديدا للخطط والبرامج التي تديرها القوى الامبريالية وادواتها، لكن تلك القوة الثورية بدت عصية على الاحتواء والتطويع والتدجين، رغم كل ما كرسته قوى العدوان والغزو من أموالها وجهودها لخلق الظروف المقدمات اللازمة لتسهيل مهمة أدواته الاستعمارية الجديدة، حيث حاولت منذ ما سمي بثورات الربيع العربي استثمار حالة الفوضى والاضطرابات التي سادت بلدان المنطقة العربية، وتنفيذ مشروع “الشرق الاوسط الكبير” او “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الهادف الى تمكين (اسرائيل) من التمدد والتوسع المنطقة بالذات في البحر الأحمر وباب المندب، من ناحية، ومن ناحية أخرى سعت على الأرض لتفكيك جغرافيا بنيان الدولة الوطنية اليمنية ومؤسستها العسكرية والأمنية المتماسكة، وتصفيتها تمهيدا لإقامة كانتونات أو أقاليم أو دويلات، بأي تسمية يتم الاتفاق عليها شكليا وظاهرياً، لكنها ضمنيا تعني بلا شك تمزيق سيادة الدولة الوطنية على تراب وطنها لصالح دويلات قزمية يعمل على إقامتها مجردة من السلاح إلا من أفراد شرطة يعاد بناؤها وتسليحها في الحدود التي يمكنها قمع تحركات شعوبها!
ووفقا للمنظور آنف الذكر فإن هدف العدوان على اليمن تفرع الى شعبتين: الأولى احتلال أرضه وإحكام السيطرة الامبريالية الصهيونية عليه باسم السعودية وتابعتها الامارات او قل بالأدق (الاحتلال العربي) كتلطيف للعبارة التي توخى الغزاة والمستعمرون القدامى ان يكون الاستعمار الجديد مرتكزا على احتلال دولة عربية لدول عربية اخرى بالوكالة، على سبيل تذرع الاستعمار الامبريالي الجديد بالمنهج القومي لتمرير مؤامراته الجديدة.
قبل التطرق للشعبة الثانية من أهداف التحالف.. وعند نقطة «الاحتلال العربي لليمن».. هناك حادثة مهمة مغايرة لهذا التوجه الذرائعي، وهي احتلال صدام حسين للكويت سنة 1991م.. حيث قادت الدول الاستعمارية تحالفا واسعا لتحرير الكويت.. فكيف تنظرون لهذه النقطة مقارنة بما يجري من تمكين القوات السعودية الإماراتية من احتلال أراضي يمنية.. ؟!
ما جرى في ملف احتلال صدام حسين للكويت وهما بلدان عربيان، على العكس تماما مما يجري الآن في اليمن، من توجه ذرائعي جديد للمستعمر القديم، حيث تذرع يومها الاستعمار الامبريالي نفسه بالمنهج الوطني لتحريم احتلال دولة عربية لدولة عربية اخرى! ولا غرابة في هذه المفارقة فلا بأس من وجهة نظر المستعمرين أن يستخدموا كافه المناهج لتبرير مشاريعهم ضد امتنا مثل حماية السنة أو وقف اضطهاد الشيعة او حماية المسلمين أو الدفاع عن المسيحيين أو نصرة الحريات وحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو محاربة الإرهاب، وهم صانعوه ومحركوه، أو محاربة الفساد كل ما يخطر على البال تذرعوا به لتمرير اجنداتهم ومشاريعهم الخبيثة!
وبالنسبة للشعبة الثانية هدف العدوان الرئيسي، هو تقسيم اليمن الى(ست) دويلات قزمية تحت مسمى أقاليم أو فيدرالية.. وحين نقرأ بعين فاحصة شيئا من مخرجات الحوار الوطني ذات الصلة بهذا الموضوع وترجمتها في مسودة مشروع الدستور الجديد- الذي لم يحز على قاعدة التوافق الوطني المعمول به آنذاك- نجد أنفسنا أمام مشروع تفكيكي تجزيئي تفتيتي للوطن يفضي خلال خمس سنوات – كما قالوا- إلى منح الحق لكل اقليم بتقرير مصيره السياسي!.. إضافة إلى السلطات والصلاحيات التي أرادوا منحها لكل اقليم – بل لكل محافظة داخل كل اقليم- ليحق للإقليم أو المحافظة عقد اتفاقيات ومعاهدات خارجية دون بيروقراطية العودة للدولة المركزية التي حولوها الى تمثال تذكاري ليس اكثر!..
إذن قبل العدوان سعت القوى الاستعمارية وأدواتها التي تقود العدوان إلى تدمير الجيش والأمن بعمليات اغتيالات رهيبة لقيادتهما وكوادرهما، ضمن جرائم منظمة كانت تجري في وضح النهار وفي العاصمة وكل المدن وسط الزحام ولم تضبط حتى عملية واحدة من مئات عمليات الاغتيال وتحت شعار إعادة الهيكلة تم تفكيك الجيش والأمن وسُلّم كامل ملف جيشنا وامننا للسفير الامريكي يديره ويتحكم به كيف شاءت له مخططاته! والملف المالي والاقتصادي سُلَّم للصندوق والبنك الدولي وملف الحوار الوطني ومشروع الدستور لفرنسا والمانيا وبريطانيا جعلوها مايسترو يحرك الكل الى امر قد قدر!!
من منظومة هذه الأهداف الظاهرة والخفية والمحبوكة بعناية كما تفضلتم.. ماذا حقق التحالف وماذا خسر في هذه الحرب العبثية..؟
تحالف العدوان لم يحقق أي هدف من منظومة اهدافه الرئيسة المذكورة آنفا.. كما لم تحقق القوة الامبريالية العظمى امريكا هدفها الخفي وأجندتها الرئيسة الساعية الى السيطرة على منابع ومصادر الطاقة في المنطقة والتحكم بممرات وطرق تجارتها العالمية لممارسة الضغوط على القوى الدولية المنافسة كالصين وروسيا واليابان بل وحتى حليفتها اوروبا لتفرض عليها التسليم لأمريكا بالهيمنة الاحادية على مصائر ومصالح العالم اجمع.. فلا تمت السيطرة على اليمن وإخضاعه للنفوذ الأجنبي، ولا سلاح ومقومات وقدرات الشعب اليمني الدفاعية الفطرية نزعت أو ضعفت، ولا تم مشروع تقسيم اليمن الى دويلات رغم الزخرفة التي خدعت الكثير من أبناء اليمن والعالم، بل باتت الأقلمة ضمن أحاديث الذكريات السيئة ودفن المشروع الى الابد، ولا القوة الفتية الصاعدة (أنصار الله) كُسرت شوكتها، بل اصبحت دولة من خلال صمودها المشروع في مقاومة العدوان والاحتلال على مدى خمس سنوات مقدمة تضحيات جسيمة تمثلت في الآلاف من الشهداء والجرحى ولم تعد كما كانت عليه بالأمس جماعة مسلحة تسليحا شخصيا في الغالب، بل باتت تملك جيوشا وتصنع اسلحة متطورة كالصواريخ والطائرات المسيرة إضافة الى مصانع التسليح المختلفة لقد تحولت من تحت نيران وقصف ودمار تحالف العدوان والاحتلال الشرير الى قوة اقليمية لها حضورها.
حاليا برأيكم كيف هو حال التحالف بعد خمس سنوات من العدوان ؟
لا أبالغ في القول: ان السعودية والامارات ومن في ذيليهما باتوا يجوبون العالم، غربه، وشرقه، بحثا عن الحماية والأمان من مخاوف جادة تحيط بهم ومخاطر تشكلها على بلدانهم القوة الثورية الفتية (انصار الله) وقياداتها -التي أخلد المعتدون لحظة اطلاقهم عاصفة الحزم في الليلة الأولى لعدوانهم إلى كراسيهم الوثيرة ليشاهدوا شاشات التلفاز ويتابعوا وسائل الاعلام- متى تأتيهم بخبر تسليم رؤوسها لسيوفهم المرتعشة، غير أن ذلك لم يحدث، فتطاول عليهم الأمد شهورا وسنوات خمس، فلا يسمعون الا اخبار انتكاسات تحالفهم وجيوشهم الجرارة، مقابل تقدم الجيش واللجان الشعبية بخطى ثابتة يوما بعد يوم، وستصل إلى عقر ديارهم، ان هم أصموا آذانهم وعموا أعينهم ولم يوقفوا عدوانهم سريعا ويرحلوا من أرض الطهارات التي زارت سيوفها الدنيا على مر العصور!..