المشهد اليمني الأول/
خمس سنوات على حرب اليمن؛ الحرب التي شنتها السعودية على جارتها اليمن لم تؤتِ ثمارها وفقا للتطلعات السعودية، اذ كانت تريد الرياض أن تصنع يمناً جديدا وفقا لرؤيتها الخاصة دون أن تأخذ بعين الاعتبار ما يريده اليمنيون وما يبحثون عنه، وبالتالي كانت تريد ان تفرض عليهم ما لايريدونه، ومن هنا بدأت تتعثر السعودية في اليمن، وتغرق أكثر في وحل الحرب التي شنتها دون أهداف واضحة لتخسر جراء هذه الحرب الفاشلة مليارات الدولارات والاهم خسارتها لسمعتها في العالم أجمع، واليوم تبحث هذه الدولة الخليجية عن مخرج لها من مستنقع اليمن يكون عبر الحل السياسي بعد أن عجزت عن حسم المعركة لمصلحتها عبر عسكرة اليمن.
وأشار قبل يومين وزير خارجية السعودية الامير فيصل بن فرحان، إلى الحل السياسي وقال، إن السعودية تفضل الحل السياسي في اليمن عبر الحوار برعاية أممية، مؤكدا أن سياسة السعودية دائما هي تغليب الحوار والدفع بالحلول السياسية، لينعم الجميع بالأمن والاستقرار والنماء والإعمار.
لا نعلم ان كان بإمكان السعودية تغليب الحل السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة وانها اليوم الحلقة الاضعف في اليمن، بعد ان تمكنت الامارات من بناء قواعد خاصة بها في الجنوب وأنشأت مليشيات خاصة بها، بما فيها “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي سيطر على جميع مفاصل المراكز الادارية في جنوب اليمن، ليتم عقد اتفاق بعد ذلك يتم بموجبه اعادة سيطرة هذه المراكز الى حلفاء السعودية ونقصد هنا “الشرعية”، وعلى الرغم من توقيع هذا الاتفاق إلا ان الرابح الاكبر كانت الامارات، التي تمكنت من تبييض صفحتها امام السعودية والعالم، الا انها في الحقيقة لا تزال المسيطر الفعلي في الجنوب وبإمكانها الانقلاب في اي لحظة على حلفاء السعودية الا انها غير مضطرة في الوقت الراهن لكونها تسيطر على كل ما تريد عن بعد، لذلك تدعي بين الفينة والاخرى انها اعادت تموضع جنودها او اعادة جنودها الى الامارات ولكن كل هذا الكلام غير دقيق وانما يأتي في سبيل الدعاية السياسية للامارات خوفا من عواقب تدخلها العسكري في اليمن على المستوى الدولي وعلى مستوى مهاجمة اليمنيين لها واستهداف مدنها.
مؤخرا ادركت السعودية ما يجري هناك، لذلك نجدها اليوم تتجه نحو الحل السياسي، هذا الحل الذي طالب فيه اليمنيون منذ اليوم الاول، ولن تتمكن السعودية من اعادة المياه الى مجاريها، لعدة اسباب ابرزها، اطماع الامارات في اليمن والتي لن تتخلى عنها بما فيها السيطرة على الموانئ وعلى المضائق المهمة في اليمن، والامر الثاني أن السعودية دمرت الحياة في اليمن وتسببت في كارثة لم يشهدها التاريخ لهذا البلد الفقير وجوعت شعبه وشردته ودمرت بنيته التحتية، ومع ذلك تبحث اليوم عن مخرج، ولذلك نعتقد ان الحل السياسي لن يتحقق الا اذا قدمت السعودية الكثير من التنازلات وقد تنجح وقد لاتنجح.
أسباب فشل الحسم العسكري في اليمن؟
أولاً: طبيعة الجغرافيا الصعبة في اليمن، وتنامي قدرات “انصار الله” حالت دون تمكن قوات التحالف من انهاء المعارك في اليمن لمصلحتهم.
ثانياً: السعودية لم تعد قادرة على تحمل المزيد من النفقات العسكرية على حرب اليمن، خاصة وانها لم تتمكن من تحقيق اي هدف يذكر.
ثالثاً: أمريكا تدفع نحو استمرار الحرب في اليمن، لأن استمراريتها تعني شراء المزيد من الاسلحة، وبالتالي انتعاش الاقتصاد الامريكي، لذلك ستحاول واشنطن عدم انهاء الحرب تحت اي ظرف، خاصة وانها لا تشارك جنودها في هذه الحرب بشكل مباشر.
رابعاً: تحولت الحرب في اليمن الى حرب استنزاف بعد ان نجح انصار الله في توجيه ضربات للسعودية بطيارات مسيرة لمطارات وأماكن حيوية، وشن حرب عصابات على الحدود في مناطق عسير ونجران وجازان، في ظل عدم قدرة سعودية على خلق معادلة ردع للآن، كما ان معارك الحسم العسكري التي تعلن منذ أشهر، سواء في السيطرة على الحديدة أم اقتحام صنعاء أم صعدة، في ضوء ما يحدث، لا تكاد تكون صعبة، بل مستبعدة الآن، ولا أحد يتصورها، وكذلك فإن الموافقة السعودية الأخيرة على القبول بوجود قوات أمريكية ببلادها، لا تعبر عن دعم أمريكي حقيقي، خاصة أن الحديث عن 500 جندي، وليس تشكيلات قتالية.
في الختام.. الحل العسكري لن ينجح والسعودية الآن أكثر قناعة للتوصل إلى حل سياسي، وأصبحت تقبل بالخروج المشرف، ويبحثون الآن عن مخرج مشرف، ولكن حتى كلمة “مشرف” ستكون صعبة في ظل ما وصلت اليه الامور في اليمن، فالحرب تأتي على كل شيء، ومكلفة، والاقتصادات لن تتحمل في ظل إقبال سعودي وإماراتي على مشاريع عملاقة، ويخشى الطرفان الرئيسان من مستنقع الاستنزاف يومياً.