المشهد اليمني الأول| متابعات المشهد
كتب السفير الأمريكي السابق، زلماي خليل زاد، مقالا نشرته مجلة “Politico” تحدث فيه عن زيارة قام بها مؤخرا إلى السعودية، متناولا تفاصيل اجتماعات عقدها مع الملك سلمان وعدد من كبار المسؤولين السعوديين ورؤيته تجاه برنامج الإصلاح الاقتصادي السعودي “رؤية 2030”. إليكم نص المقال:
في رحلتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، تم استقبالي باعتراف مذهل. في الماضي، عندما أثرنا مع السعوديين قضية تمويل المتطرفين، كل ما وصلنا هو النفي. هذه المرة أثناء الاجتماعات مع الملك سلمان وولي العهد الأمير نايف، وولي ولى العهد محمد بن سلمان وعدد من الوزراء، اعترف أحد كبار المسؤولين السعوديين لي، “نحن ضللناكم”.
وأوضح المسؤول السعودي لي أن الدعم السعودي للتطرف الإسلامي بدأ في أوائل الستينات لمواجهة الناصرية – الأيديولوجية السياسية الاشتراكية التي قادها الرئيس المصري جمال عبد الناصر والتي هددت السعودية وأدت إلى حرب بين البلدين على طول الحدود اليمنية.
واستكمالا للنهج الصريح الجديد والغير مسبوق، ذكر المسؤولون السعوديون لي أن دعمهم للتطرف الإسلامي كان أيضا وسيلة لمقاومة الاتحاد السوفيتي، في كثير من الأحيان بالتعاون مع الولايات المتحدة في أماكن مثل أفغانستان في الثمانينات. وفي وقت لاحق تم نشرها ضد الحركات الشيعية المدعومة من إيران في المنافسة الجيوسياسية بين البلدين.
لكن مع مرور الوقت، كما اعترف السعوديون، أن دعمهم لهذه الجماعات المتطرفة أنقلب عليهم وتحولوا الآن إلى تهديد خطير للمملكة وللغرب. هم خلقوا وحشا قد بدأ التهامهم، وقال المسؤول السعودي “كنا في حالة إنكار”.
لكن لماذا هذه الصراحة الجديدة؟ أولا، من العدل أن نسأل إلى أي مدى تذهب هذه السياسة الجديدة حقا. من الواضح أن هناك بعض التساؤلات حول عما إذا كانت بعض الجماعات السنية المتطرفة، مثل حركة النصرة في سوريا، لا تزال تحصل على المال السعودي.
ولكن كما أوضح السعوديون لي، هذا النهج الجديد الذي يتصارع مع ماضيهم هو جزء من جهود القيادة لصنع مستقبل جديد لبلدهم، بما في ذلك برنامج الإصلاح الاقتصادي “رؤية 2030”.
في تفكيرهم الحالي، السعوديون يرون التطرف الإسلامي باعتباره واحدا من تهديدين رئيسين اللذان يواجهان المملكة – التهديد الآخر هو إيران. بشأن إيران، هناك استمرارية. أتذكر عندما وصف الملك عبد الله إيران بأنها “رأس الثعبان” وطلب مني أن أنقل إلى الرئيس جورج دبليو بوش عام 2006 إنه هناك حاجة لقطع تلك الرأس بمهاجمة إيران وإسقاط النظام. القيادة السعودية الجديدة، مثل أسلافها، تلوم إيران على عدم الاستقرار في المنطقة والعديد من الصراعات المستمرة.
القيادة الحالية لديها خطط مستقبلية لتحويل البلاد بفكر الملك سلمان – برنامج الإصلاح الاقتصادي “رؤية 2030” – بدءا من فرض قيود على الشرطة الدينية في البلاد وصولا لخطط التحول الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط وتقليص البيروقراطية الهائلة في البلاد.
هل هذا يمكن أن ينجح في حين لم يتغير سوى القليل جدا سياسيا في بلد لا تزال تدار بشكل استبدادي من قبل آل سعود؟ وعما إذا القيادة السعودية متحدة وراء البرنامج الجديد وعما إذا كان أولئك الذين استفادوا من النظام القديم سيحاولون إفشال أجندة الإصلاح، وبالتالي زعزعة استقرار البلاد.
كانت هناك العديد من برامج الإصلاح التي أعلنتها السعودية لم يتحقق منها شيئا. أيضا التحديث يقوض دعامتي الشرعية السياسية السعودية: تأييد المؤسسة الدينية الوهابية والتقليدية التي تتأسس عليها أي حكومة ملكية.
في حين يخلق التحديث عدم يقين اقتصادي لتلك المستفيدين من الوضع القائم غير الكفء، النتيجة يمكن أن تكون الاضطرابات السياسية. ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان الشعب السعودي جاهزا بما فيه الكفاية على جميع المستويات ذات الصلة من حيث التعليم والمهارات للمنافسة في الاقتصاد العالمي، كما سيحتاجون إلى القيام به في اقتصاد محدث. لأنه إذا لم يكن كذلك، قد تنشأ توترات اجتماعية واضطرابات بين أولئك الذين ليسوا على استعداد للمنافسة.
احد نتائج تركيز السعوديين على داعش وإيران كانت وجهة نظر أكثر استنارة من الرياض تجاه إسرائيل. إسرائيل والسعودية يتشاركان نفس التصور التهديدي فيما يتعلق بإيران وداعش، وأن العداء القديم ليس من الضروري أن يحول دون مزيد من التعاون بين البلدين للمضي قدما.
وقد قال السعوديون لي مباشرة بشكل غير معتاد أنهم لا يعتبرون إسرائيل عدوا وأن المملكة لا تضع أي خطط طوارئ عسكرية موجهة ضد إسرائيل.
تؤكد السعودية على ضرورة تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، ولكن اللهجة حول هذا الموضوع أصبحت بشكل ملحوظ أقل عاطفية مما كانت عليه في الماضي. كانت أولوية واضحة على هزيمة داعش وتحقيق التوازن بين إيران من موقع قوة.
على بعض المستويات، آفاق الإصلاحات المخطط لها أكثر واعدة في السعودية مما هي عليه في معظم أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. المملكة لديها احتياطيات النفط ولا تنشغل في الصراعات
هناك، كما قلت، الكثير من الأسباب ليكون متشككا من النجاح في نهاية المطاف. ومع ذلك، إذا نجحت جهود الإصلاح، ستتمكن السعودية أن تصبح أكثر قوة من ذي قبل، مما يمكنها من لعب دور أكبر في الديناميكيات الإقليمية.
تحقيق تغيير حقيقي في سياسة السعودية بشأن دعم المتطرفين سيكون نقطة تحول في الجهود الرامية إلى إلحاق الهزيمة بهم. المنطقة والعالم لديهم مصلحة في نجاح السعودية في ذلك وينبغي أن نفعل ما في وسعنا لتشجيع ودعم هذا الطريق الجديد.
مجلة بولوتيكو – السفير الأمريكي السابق زلماي خليل زاد