المشهد اليمني الأول/
بقلم/ أنس القاضي
الإنسان اليمني الذي اعتاد قبر الغزاة في أرضه لم يقف عند حدود الوطن، بل تجاوزهُ ليواجه الغزاة والمحتلين في واقعه العربي، وفتح صدره رحباً لكل الثوريين في العالم.
منسجماً مع هذا التاريخ النضالي اليمني المُشرِّف عبر قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي باستعداد اليمنيين وأنصار الله للقتال بجانب الشعبين الفلسطيني واللبناني، في أي مواجهة قادمة مع كيان العدو الصهيوني، اصطفافهم مع محور المقاومة.
وهذهِ هي سمات الإنسان اليمني المستعد للتضحية بدمه في سبيل حرية وطنه، وحرية الإنسان المستضعف في أي مكان، وقد سجل تاريخ حركة التحرر الوطنية العربية الدور الفاعل للشعب اليمني.
قاتل المتطوعون اليمنيون إلى جانب الجيش السوري والمصري في حرب تشرين سبعينيات القرن الماضي، وبجانب المقاومة الفلسطينية اللبنانية في الدفاع عن بيروت إبان الاجتياح الإسرائيلي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ومثلت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً، معقلاً ثورياً بارزاً، استقطبت إليها الثوريين العرب والمناضلين الأمميين من مختلف قارات العالم.
يمني يقصف تل أبيب
وكان لليمن شرف أن يقوم أحد أبنائها بقصف قلب دولة الاحتلال الصهيوني..
الطيار اليمني الملازم أول طيار عمر غيلان الشرجبي تطوع خلال حرب أكتوبر 1973م في سلاح الجو السوري، وخلّد السوريون اسمه ببناء نصب تذكاري له في أحد أكبر شوارع دمشق.
وقد قام الطيار اليمني في حرب تشرين بالانقضاض على إحدى طائرات الفانتوم الصهيونية وتحطيمها وقصف مواقع التموين الإسرائيلي وتدميرها بالكامل في منطقة طبريا جنوب جبل الشيخ، واستشهد على إثرها في أكتوبر 1973م.
وحينها أصدر رئيس الجمهو رية العربية السورية والقائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية آنذاك حافظ الأسد قراراً بمنحه وسام الشجاعة من الدرجة الأولى.
اليمن في قلب المواجهة
في أواخر سبعينيات القرن الماضي تشكلت جبهة الصمود والتصدي في مواجهة تنازلات السادات والرجعية العربية، وقد ضمت كلاً من :العراق، وسوريا، وليبيا، والجزائر، واليمن الديمقراطية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد لعبت اليمن الديمقراطية دوراً مهماً فيها، ونجحت جبهة الصمود والتصدي في إصدار قرار من الجامعة العربية ينص على: “طرد مصر السادات من الجامعة العربية، ورفض اتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية”.
كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً الدولة العربية الوحيدة التي تمكّنت فيها القوى القائدة للثورة من الوصول إلى السُلطة، فاستمرت في إخلاصها للقضايا الثورية، وبسبب الانقسام العالمي آنذاك إلى معسكرين شرقي وغربي، وفر انضمام اليمن الديمقراطية للمعسكر الشرقي الداعم للثورة فرصاً أكبر لقيامها بذلك الدور الثوري، وكان الثوريون العرب من التيارات القومية والماركسية يعتبرونها عاصمتهم الروحية.
فالعلاقات التي نسجها المناضلون اليمنيون والفلسطينيون داخل حركة القوميين العرب في ستينات القرن الماضي استمرت إلى ما بعد حل حركة القوميين العرب عام 1970م، وكان جورج حبش رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونايف حواتمة رئيس الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين من مسؤولي حركة القوميين العرب التي قادت ثورة 14 أكتوبر عبر فرعها في اليمن الجبهة القومية التي أعلنت استقلالها التنظيمي عن القيادة المركزية في بيروت.
في الشمال اليمني رغم أن النظام السائد كان مع التوجه الغربي، فإن الإنسان اليمني ذا الطبيعة الكفاحية والتحررية ظل مُخلصاً لقضية الثورة والتحرر الوطني العربي ،فانخرطت قوى شعبية واسعة من الشمال اليمني في الصراع التحرري في مواجهة الكيان الصهيوني ومشاريع الإمبريالية الأمريكية، ويُعتبر المناضل الفقيد محمد يحيى الغولي أبرز الوجوه الثورية اليمنية التي قاتلت جنباً إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية في لبنان.
اليمن تحتضن المقاومة الفلسطينية
مثلت القضية الفلسطينية أحد الثوابت العقائدية للدولة الجنوبية سابقاً والحزب الاشتراكي اليمني الذي كان حاكماً آنذاك، ونستذكر هنا كلمة للرئيس اليمني عبد الفتاح التي ألقاها أثناء تكريمه من جامعة موسكو 1979م حيث قال:
“ثورتنا ستواصل موقفها المؤيد والمساند للحركة الوطنية والتقدمية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في هذه الظروف الصعبة، من أجل إحباط المؤامرات البشعة للامبرياليين والرجعيين التي لا تستهدف الحركة الوطنية والتقدمية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في لبنان وحسب، بل تستهدف كذلك حركة التحرر العربي بأسرها”.
لم يقتصر الدور اليمني على المشاركة في الحروب التحررية، فقد احتضنت المقاومين والثوريين من مختلف اصقاع العالم.
وفي فترة من الفترات أصبحت عدن مركزاً للمناضليين الأمميين، ومنها مجموعة المناضل الفلسطيني وديع حداد الذي اشتهر بخطف الطائرات الإسرائيلية، وقد بدأ وديع حداد القيادي السابق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – نشاطاته في عدن بداية عام 1970، حيث خصص له النظام الجنوبي آنذاك “فيللا” في حي خور مكسر، ومعسكراً للتدريب في جعار، وفي هذا المعسكر تدرب كثير من المناضلين الأمميين منهم الفينزويلي إيليش راميريز سانشيز الملقب بكارلوس، وفوساكو شيجنونو رئيس الجيش الأحمر الياباني، وهاغوب هاغوبيان مؤسس منظمة الجيش السري الأرمني، وعدد من الألمان التابعين لفصيل الجيش الأحمر، وحركة 2 حزيران، وعدد من الخلايا الثورية؛ ناهيك عن المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، والأرتريين وبعض الإيطاليين والإيرانيين والأتراك والباسكيين والهولنديين والنيكارغويين والسلفادوريين.