المشهد اليمني الأول/
لا زالت عمليةُ “البنيان المرصوص” الكبرى التي نفّذتها قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة في الجبهة الشرقية تتصدر المشهد العسكريّ كأكبر عملية ميدانية منذ بدء العدوان، بل وكظاهرة عسكريّة استثنائية لم يُعرف لها مثيلٌ منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب اللواء عَبدالخالق بدر الدين الحوثي -قائد المنطقة المركزية-. ولأَنَّها كذلك، فَإِنَّ تناوُلَ تفاصيلها التي امتدت على رقعة جغرافية تجاوزت 2500 كيلو متر مربع، ضمن ثلاث محافظات، كان أكبر من أن يستوعبه مؤتمر صحفي أَو ملحق إخباري واحد، فمنذ الإعلان عنها، لم ينته الإعلام الحربي من عرض المشاهد المصورة التي وثقت جوانبَ من المواجهات، فما دار في كُـلّ جهة رئيسية من أرض المعركة، كان بمثابة عملية كبرى مستقلة، تستحق تغطية منفردة، على أن بقية التفاصيل والاستراتيجيات المستخدمة في المعركة لا زالت “أسراراً عسكريّة” بحسب ناطق القوات المسلحة، ما يعني أن كُـلّ ما يقال ويُشرح ويُعرض عن هذه العملية سيظل أقلَّ من أن يكون القصةَ الكاملة لهذه الملحمة التأريخية.
في جزء جديد من التفاصيل، عرض الإعلام الحربي، مساءَ أمس الجمعة، مشاهدَ مصورةً إضافيةً للهجمات العسكريّة النوعية التي نفّذتها قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة ضمن عملية “البنيان المرصوص” والخَاصَّة بتحرير جبل “صلب” الاستراتيجي” المتاخم لمدينة مأرب، وبعض المواقع العسكريّة غربي المدينة، مع عرض إطلالة هي الأولى من نوعها على المدينة، تؤكّـد أن الجيش واللجان الشعبيّة باتوا على مرمى حجر منها.
مشاهدُ جاءت على نفس المستوى الملحمي لسابقاتها، لتكمل الكثيرَ من أجزاء الصورة، ولتكشف أن تسميةَ العملية بـ”البنيان المرصوص” لم تكن مُجَرّد عنوانٍ عادي، بل تعبيرٌ حقيقيٌّ عما شهدته المعركة من بسالة قتالية عالية توزعت بشكلٍ متساوٍ ومنتظم على جميع خطوط التماس، الأمرُ الذي جعل العدوّ أمام جدار ناري صلبٍ ومتماسكٍ في كُـلّ أجزائه.
السيطرةُ على جبل “صلب” الاستراتيجي وما جاوره:
في جبل صلب الاستراتيجي، والذي يعد من أَهَــمّ مفاصل الجبهة الشرقية؛ كَونه يمتلكُ حاكميةً ناريةً على مساحات هامة وشاسعة باتّجاه محافظة مأرب، سجلت عدسات الإعلام الحربي مشاهدَ بطوليةً رفيعةَ المستوى لمجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة الذين انقضّوا على مواقع المرتزِقة بتكتيك عسكريّ محكم، تم على ضوئه قطعُ خطوط إمداد العدوّ واكتساح مواقعه بشكل متزامن مع توجيه ضربات نارية مكثّـفة ومتنوعة على أوكاره وأفراده، ما أَدَّى إلى تكبيده خسائرَ كبيرةً وفي نفس الوقت شل حركته ومضاعفة حالة الانهيار في صفوفه.
مَن حاول المواجهة من المرتزِقة، لم يستطيعوا الصمود طويلاً، فسرعانَ ما رأوا مقاتلي الجيش واللجان يقتربون من متارسهم سيراً على الأقدام الثابتة، وبشجاعة منقطعة النظير، إذ وثّقت عدسةُ الإعلام الحربي بعضَ المجاهدين يلقون القنابلَ اليدوية على عناصر العدوّ داخل متارسهم، وسرعانَ ما لحق أولئك المرتزِقة برفاقهم الصرعى.
أما بالنسبة لأولئك المرتزِقة الذين تلقوا الهزيمةَ بمُجَرّد رؤية طلائع الجيش واللجان، وسماع أزيز رصاصاتهم، فقد وثقت كاميرات الإعلام الحربي الكثير من مشاهد الفرار لهم، حَيْــثُ فروا من المتارس وفروا داخل الآليات، وفروا من فوقها.. فروا وصيحات المجاهدين تلاحقهم، حتى كأنها ستدوي في آذانهم إلى الأبد.
تكرّرت مشاهدُ الاقتحامات والفرار عشراتِ المرات في السلسلة الجبلية المجاورة لجبل “صلب” الاستراتيجي، وُصُولاً إلى معسكر “صلب” ومعسكر “بوابة صلب” وعدد من التباب والمرتفعات غربي مدينة مأرب.. مساحة واسعة كان سقوطُها أسرعَ بعد تحرير جبل “صلب”، إذ تسارع الانهيار في صفوف قوات العدوّ أكثرَ، بالتوازي مع عمليات تسلّل نوعية نفّذها المجاهدون، وخاضوا خلالها اشتباكاتٍ مباشرةً على مسافة صفر من العدو.
عرضت المشاهدُ الجديدة عدةَ عمليات استهداف نوعية لعشرات من الآليات العسكريّة المتنوعة (دبابات، مدرعات، وأطقم)، بعضُها تم استهدافها بمن عليها من المرتزِقة، وبعضها فر جميع المرتزِقة الذين كانوا على متنها بمُجَرّد أن تعرضت لأولى طلقات قناصة الجيش واللجان، وبعضُها تم السماحُ لها بالفرار، لكن مصيرَها كان قد حُسم مسبقاً، لدرجة أنها انقلبت على طريق الهرب.
داخل تلك المواقع والجبال والمعسكرات، كانت قوات المرتزِقة قد شيّدت حصوناً كبيرة وأوكارا عميقة، لكنها لم تنفعها، كما لم ينفعها كُـلُّ ذلك العتاد العسكريّ الضخم، الذي وثّقته كاميرات الإعلام الحربي، والذي شمل أسلحة ثقيلة متنوعة بينها مدافع طويلة المدى، وقذائف ومدرعات وأطقم وذخائر، تحولت كلها إلى غنائمَ لأبطال الجيش واللجان، وبات على قيادة العدوان أن تحسب -إلى جانب حساب خساراتها الجغرافية الواسعة- حسابَ تلك الأسلحة التي يمكنها أن تسُدَّ حاجةَ الجبهة الشرقية لفترة طويلة، وبالتالي فَإِنَّ العدوّ لم يخسرْ فقط تلك المواقع، بل أسهم في مضاعفة فرص خسارة ما تبقى له من مناطق.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته الغاراتُ الجوية التي حاول طيران العدوان أن يتتبع بها بعض الآليات والدبابات التي تركها المرتزِقة خلفهم بعد الهزيمة، وقد وثقت مشاهدُ الإعلام الحربي عدداً من تلك الغارات التي لم تكن سوى صورة أُخرى من صور سقوط الترسانة العسكريّة للعدو أمام بأس المجاهدين.
وكالعادة، سجلت كاميرا الإعلام الحربي في طريقها، العشرات من جثث المرتزِقة الذين سقطوا قتلى بنيران الجيش واللجان الشعبيّة، كما وثّقت أَسْرَ عدد منهم.
إطلالةٌ فريدةٌ على مدينة مأرب:
المشاهدُ الجديدةُ التي عرضها الإعلام الحربي احتوت على إطلالة فريدة على مدينة مأرب من بوابتها الغربية بعد تحريرِ جبل صلب والمواقع والجبال المجاورة له، وهي أولُ إطلالة للجيش واللجان على المدينة من تلك الجهة.
“هذه هي مدينة مأرب” علّق مصورُ الإعلام الحربي، على تلك الإطلالة التي جاءت في لقطات قصيرة ضمن المشاهد لكنها كانت مفاجأةً ثقيلةَ العيار، وكانت بمثابة مصادقة حيّة على الانتصار البطولي للجيش واللجان الشعبيّة.
من تلك الإطلالة بدت مدينة مأرب قريبةً للغاية، يمكنُ رؤيةُ أحيائها وعماراتها بوضوح، ولا يفصلُها عن المجاهدين سوى طريقٍ مستوٍ، لن يكونَ اجتيازُه أصعبَ من اجتياز مديرية نهم بأكملها، إذَا ما قرّرت القيادةُ التوغلَ شرقاً.
وضوحُ تلك الإطلالة عكس وضوحَ رسالتها الموجَّهة مباشرةً إلى تحالف العدوان ومرتزِقته، الرسالة التي صاغها أبطالُ الجيش واللجان بالدم والنار خلال ستة أَيَّـام حاسمة اجتاحوا فيها أكثرَ من 2500 كيلو متر جعلت مدينة مأرب تبدو كملجأ صغير للمرتزِقة، بعد أن كانت أشبهَ بـ”عاصمة” عسكريّة وسياسية واقتصادية لهم.
تتكلم تلك الإطلالةُ المصورة بلغة فصيحة وتقول إن الموازين تغيّرت كلياً، وإن التهديد باقتحام صنعاءَ، ارتد عكسياً على تحالف العدوان ومرتزِقته، وإن أية حماقات من قبلهم ستكونُ بمثابة إيذان بالضربة القاضية.
سرعانَ ما تم تداوُلُ صور مدينة مأرب التي نشرها الإعلام الحربي بشكل واسع، في مواقع التواصل الاجتماعي، ليسقُطَ جميعُ ما تبقى من محاولات العدوان للتغطية الإعلامية على هزيمته الكبرى، ولتتضاعف الفضيحةُ أكثرَ، حَيْــثُ مثلت الصورة ردا قاسيا على ناشطي العدوان الذين حاولوا على مدى الأيّام الماضية التضليل والحديث عن “التفافات” و”استعادات” وهمية.
في الأثناء، ما زالت تصريحاتُ ناطق القوات المسلحة حول مناطق التماس الجديدة مع العدوّ بعد نجاح عملية “البنيان المرصوص” (مثل مديرية الحزم) تحبس أنفاسَ الجميع بانتظار نتائجَ ومفاجآتٍ عسكريّة نوعية، لكن حتى ذلك الوقت، لا زال أمامنا الكثيرُ من تفاصيل الأيّام الستة التي لم يفرج عنها الإعلام الحربي بعد، كما لا زال هناك الكثيرُ لنقرأَه من المشاهد التي تم عرضُها والأرقام التي تم إعلانُها حتى الآن.