المشهد اليمني الأول/
بعدما شرعن «اتفاق الرياض»، المُبرَم بين «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، وجودها العسكري في المحافظات الجنوبية والشرقية، تسعى السعودية إلى استكمال السيطرة على تلك المحافظات، عبر محاولتها بسط يدها على الموارد والمواقع الحيوية هناك، تحت لافتة إعادة الإعمار والاستثمار.
وفي هذا الإطار، وُقّعت في العاصمة السعودية الرياض، في 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، اتفاقية بين السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، ووزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة هادي نجيب العوج، أكدت مجدداً طبيعة الأجندة التي تعمل المملكة عليها في هذا البلد، مستغلّة عنواناً «إنسانياً» متمثلاً في عمل «البرنامج السعودي للتنمية وإعمار اليمن»، والذي تريد الرياض من خلاله التحكّم في الملف الاقتصادي اليمني، وتكبيل البلد المعتدى عليه بوصاية متجددة تمتدّ لسنوات.
الاتفاقية المكوّنة من 14 مادة، والتي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، فصّلتها السعودية على مقاسها وبما يلبّي مطامعها، بعدما عملت خلال العقود الماضية على إفشال خطط التنمية في اليمن، وتحديداً في مجال الاستثمار النفطي، حيث لم يستثمر اليمنيون سوى 20% من ثرواتهم، إذ تمنح الاتفاقية الرياض الحق في الاستثمار في أيّ مجال، سواءً في النفط أم المعادن أم الجزر أم الموانئ، فيما تسقط حق الجانب اليمني في تنفيذ أيّ مشروع تنموي على أراضيه من دون موافقة السعودية، وأيضاً في التعاقد مع أيّ شركة دولية استثمارية، مانحة الحق الأخير حصراً لـ«البرنامج السعودي» الذي سيكون له إبرام الاتفاقيات مع تلك الشركات من دون التنسيق مع حكومة هادي، وبما يراعي بالطبع أولويات الاحتلال الجديد لا أولويات اليمن وإعادة إعماره.
كذلك، تسعى الاتفاقية إلى شرعنة الخطط السعودية لإنشاء أنبوب نفطي وميناء للتصدير في محافظة المهرة، من خلال بند خاص يخوّل المملكة الحصول على الأراضي والعقارات اللازمة لتنفيذ تلك الخطط، في حين يجب على الجانب اليمني إعفاء الشركات السعودية والتجار السعوديين من الضرائب والجمارك وأيّ رسوم حكومية أخرى.
أيضاً، يُمنح «البرنامج السعودي»، بما يشمل مكتبه الرئيس وفروعه ومشاريعه والموظفين السعوديين المبتعثين للعمل فيه وعائلاتهم وممتلكاتهم الامتيازات والحصانات المقرّرة للمبعوثين الدبلوماسيين في الجمهورية اليمنية. كما يُمنح الأجانب الذين يؤدّون الخدمات نيابة عن «البرنامج» الحصانات والامتيازات اللازمة لممارسة مهامّهم بفاعلية، ما يعني إعفاء أيّ مسؤول من هؤلاء من المحاسبة. في المقابل، تُسلَب من حكومة هادي أيّ صلاحية في تعيين مشرفين على مشاريع البرنامج.
وحتى تضمن السعودية الاستمرار في منع اليمن من التنقيب عن النفط، كما سبق لها أن منعت الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي من إنتاج النفط من قطاع حرض في محافظة حجة في سبعينيات القرن الماضي، ومنعت حكومة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح من استخراج النفط والغاز من محافظة الجوف مطلع الثمانينيات، منحت نفسها بموجب الاتفاقية حق الحصول على براءة الاختراع والملكية لأيّ اكتشاف نفطي أو غازي.
الاتفاقية التي حملت عنوان إعادة الإعمار، من دون أن تعلن عن أيّ مشاريع للإعمار أو تحدّد أيّ مبالغ أو مدد زمنية له، تعمّدت السعودية إبقاءها مفتوحة إلى ما لا نهاية وفق ما تقتضيه مصالحها، وتقييد أيّ طلب من قِبَل الجانب اليمني بتعليق العمل بها بتصفية المشاريع مالياً وتقديم التعويضات اللازمة للجانب السعودي عن ذلك.
(تقرير – رشيد الحداد)