المشهد اليمني الأول/
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعدّه مارك لاندلر، تقول فيه إن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عاد إلى البيت الأبيض، حيث يتوقع أن يكشف الرئيس الأمريكي عن “صفقة القرن” التي يعمل عليها منذ ثلاثة أعوام.
ويشير التقرير، إلى أنه كما هي عادة ترامب في خطواته المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني كلها، فإنه يهدف من الإعلان عن الخطة، وبحضور نتنياهو، لمنحه دفعة انتخابية.
ويلفت لاندلر إلى أن ترامب رحب بعد أقل من شهر على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، بنتنياهو في البيت الأبيض، ووعده وبصراحة بأنه سيقوم بالتوسط في اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي المعضلة الدبلوماسية التي أتعبت نصف الرؤساء الذين سبقوه، وقال في عام 2017: “أعتقد أننا سنحقق صفقة.. قد تكون صفقة أكبر وأفضل مما يتخيّله الناس في هذه الغرفة”.
وتورد الصحيفة نقلاً عن ترامب، قوله: “كأي مفاوضات ناجحة على كل طرف تقديم تنازلات، وأنت تعلم هذا، أليس كذلك؟”، متوجهاً إلى ضيفه نتنياهو الذي ابتسم قائلاً: “كلا الطرفين”.
وينوّه التقرير إلى أن نتنياهو يتعرف في اجتماعه مع ترامب يومي الاثنين والثلاثاء على الخطة، وقال يوم الأحد إنه يأمل “بصناعة التاريخ”، مشيراً إلى أنه بدلاً من كونها خطة جريئة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، فإن الخبراء يتوقعون أن تكون الخطة مجرد دفعة لحملة نتنياهو للبقاء في السلطة.
ويقول الكاتب إن بيني غانتس، منافس نتنياهو، حضر إلى واشنطن للقاء ترامب على حدة، مع أنه رفض الدعوة خشية أن تكون مجرّد مصيدة سياسية يلعب فيها نتنياهو دور رجل الدولة، فيما يبدو غانتس شخصاً تافهاً بالمقارنة، لكن المحللين قالوا إنه لا يستطيع ردّ دعوة الرئيس ترامب الذي يحظى بشعبية في “إسرائيل”.
وتفيد الصحيفة بأن الفلسطينيين، الذين توقفوا عن الحديث مع البيت الأبيض بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية لها، لن يكونوا في واشنطن للاطلاع على تفاصيل الخطة، وتعهّدوا برفضها.
وينقل التقرير عن مارتن إنديك، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في “إسرائيل”، وكان مبعوثاً خاصاً في إدارة باراك أوباما للإسرائيليين والفلسطينيين، قوله: “أن يقوم بعمل هذا وسط الانتخابات الإسرائيلية ودون مشاركة الفلسطينيين، ودون خطة لمتابعتها مع المشاركين، فإن هذا يعني أنها ليست خطة سلام على الإطلاق”، وأضاف أنها “مهزلة من البداية إلى النهاية”.
ويعلق لاندلر قائلاً إن رأي إنديك قاسٍ، لكنه ليس وحيداً في موقفه بين الدبلوماسيين الذين عملوا على الجهود السلمية السابقة، مشيراً إلى أنه مثل البقية من الديمقراطيين والجمهوريين، فإن إنديك راقب الأيام الأولى من إدارة ترامب بنوع من الإثارة والأمل، فاعتقد أن هذا الرئيس غير الدبلوماسي ربما كان قادراً على تحقيق اختراق دبلوماسي حيث فشل الآخرون.
وتشير الصحيفة إلى أن بعض من في المنطقة اشتركوا في الرؤية التي ينتصر فيها الأمل على الخبرة، وصدّق الفلسطينيون والإسرائيليون “صفقة القرن” ووصفوها بـ”الصفقة الأفضل”، لافتة إلى أن الرئيس جلب معه تفاخره بالقدرة على صناعة الصفقات، وحدس متعهّد العقارات لمشكلة تتعلق بالخلاف على التاريخ.
ويلفت التقرير إلى أن علاقته مع نتنياهو زادت من الآمال على قدرته على استخراج تنازلات من إسرائيل، مشيراً إلى أن تكليفه لمستشاره وصهره جارد كوشنر بالملف كان دليلاً على اهتمامه بالأمر.
وينوه الكاتب إلى أن كوشنر قاد فريقاً من محامي منظمة ترامب السابق جيسون غرينبلات، ومحامي الإفلاسات ديفيد فريدمان، الذي عيّنه ترامب سفيراً في “إسرائيل”، وأصبح من أكثر الشخصيات تأثيراً على ترامب في موضوع “إسرائيل”.
وتقول الصحيفة إن كوشنر وغرينبلات تجوّلا لأشهر عدة في الشرق الأوسط، والتقيا قادة السعودية ومصر والأردن وبقية الدول، وقامت استراتيجيتهما على “من الخارج للداخل”، وتهدف للحصول على دعم من تحالف عربي لخطة السلام، مشيرة إلى أن البيت الأبيض كان يأمل من خلال هذا النهج بقيام الدول العربية بالضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية للقبول بما سيعرضه عليها ترامب.
ويفيد التقرير بأن كوشنر كرّس وقتاً كبيراً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أقام معه علاقة وثيقة، مشيراً إلى أن محمد بن سلمان عبر عن رغبته في إقامة علاقات مع “إسرائيل”، وقال إن من حق الإسرائيليين الوجود على أراضيهم.
ويذكر لاندلر أن أنصار ترامب الداعمين لـ”إسرائيل” في أميركا أدوا دوراً، وعبّروا عن قلقهم من ممارسة ترامب الضغط على نتنياهو، الذي أخبره أن التوسّع الاستيطاني لا يساعد على التوصّل إلى اتفاقية السلام، مشيراً إلى أن ترامب قال بعد لقائه مع رئيس السلطة محمود عباس في أيار/ مايو 2017، إنه “تشرّف” بلقائه، وهي تغريدة اختفت لاحقاً من تغريداته.
وتفيد الصحيفة بأن المخاوف لدى أنصاره اختفت كلها عندما أعلن بعد سبعة أشهر أنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، معترفاً بها عاصمة لـ”إسرائيل”، وهو ما أفرح الإنجيليين، وكذلك المتبرّع المؤيد لـ”إسرائيل” شيلدون إديلسون، ملك الكازينو في لاس فيغاس.
ويستدرك التقرير بأن هذه الخطوة أبعدت الفلسطينيين الذين قطعوا العلاقة مع البيت الأبيض، وأفشلت الجهود التي كان البيت الأبيض يأمل بتحقيقها مع الدول العربية وإقناعها بدعم خطة السلام، مشيراً إلى أن الملك سلمان كان من بين الذين شجبوا القرار، وقال إن “القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية”.
ويشير الكاتب إلى أن ترامب رد بعنف على الرفض الفلسطيني، وعاقب الفلسطينيين بوقف ملايين الدولارات من أموال المساعدات عن السلطة الوطنية، وكذلك تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأغلقت وزارة الخارجية مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وخفضت من مستوى القنصلية الأميركية في القدس، رغم كونها القناة الرئيسية للتواصل مع الفلسطينيين، وتمّ دمجها مع السفارة الأميركية تحت سلطة فريدمان، الذي قال لاحقاً إن “إسرائيل” لها حق ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية.
وتلفت الصحيفة إلى أن كوشنر وغرينبلات واصلا العمل على الخطة تحت غطاء من السرية، رغم اتساع الخلاف مع الفلسطينيين، وأعدّا وثيقة مع ملاحق ضمت مقترحات وحلولاً للقضايا الرئيسية كلها، مثل الحدود واللاجئين ووضع القدس.
ويستدرك التقرير بأنه رغم عدم الكشف عن الخطة، إلا أن شكلها أصبح واضحاً، فهي لا تتحدّث عن دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل”، ولا عن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ولا تعترف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم.
وينقل لاندلر عن كوشنر وغرينبلات الذي غادر الإدارة، قولهما إن الفلسطينيين والإسرائيليين سيجدون في الخطة أشياء مقبولة وأخرى غير مقبولة لهم، مستدركاً بأنه كان من الواضح أنها تميل لصالح الجانب الإسرائيلي، أو بعبارة أوضح إلى جانب نتنياهو، الذي بات محاصراً سياسياً.
وتنوّه الصحيفة إلى أن نتنياهو كان في بداية 2019 يواجه اتهامات بالفساد والرشوة، ويقاتل من أجل مستقبله السياسي، ومنحه ترامب في انتخابات نيسان/ أبريل 2019 هدية انتخابية، وهي الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان الذي تحتله “إسرائيل” منذ عام 1967.
ويفيد التقرير بأنه بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي أخّر الإعلان عن خطته، فإن كوشنر وجه اهتمامه للبعد الاقتصادي، ففي حزيران/ يونيو 2019 أعلن عن نية الولايات المتحدة جمع 50 مليار دولار لتحسين حياة الفلسطينيين وجيرانهم العرب، وكان عنوان خطته المكوّنة من 38 صفحة هو “السلام والازدهار”، وهي تشبه “نشرة إعلامية لشركة عقارات”.
ويشير الكاتب إلى أن كوشنر أتبع هذه الخطة بورشة من يومين في المنامة في البحرين، التي قاطعتها السلطة الوطنية، وتجاهلها القادة العرب الذين لم يعد مشروع السلام مهماً لهم، لافتاً إلى أنه حتى بعد قرار الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان، فإن نتنياهو لم يكن قادراً على تأمين الفوز في انتخابات أيلول/ سبتمبر 2019، التي لم يحصل فيها على غالبية مقاعد الكنيست.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنه عند إعلان ترامب عن خطته، فإنها لن تكون “صفقة القرن”، بل دفعة انتخابية لنتنياهو.