المشهد اليمني الأول/
في خطوة أحاديّة الجانب، ولأول مرّة في تاريخ الكيان الإسرائيلي، صدّق وزير الداخلية الإسرائيلي على قرار غير مسبوق يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بزيارة السعودية.
لم تكن الخطوة الإسرائيلية الجديدة و “القفزة التطبيعية” خارج سياق التطبيع القائم مع الكيان الإسرائيلي، فمرسوم الوزير أرييه درعي الذي اتُخذ بقرار مشترك مع المؤسسة الأمنية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والجهات الأخرى ذات الصلة، يأتي بعد أن كانت السلطات السلطات الإسرائيلية تمنع السفر للسعودية بالجواز الإسرائيلي، حيث كانت تصنف السعودية “دولة عدواً”.
إن المرسوم الجديد وإن كان آحادي الجانب، لكنّه يمهّد الطريق لتطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض وبالتالي خروج العلاقات من السر إلى العلن بعد عقود من العلاقات السريّة. هذا المسار الذي تعطّل في العقود السابقة وفق الوثائق الأمريكية والتقارير الإسرائيلية نفسه، سلك نهجاً آخر في حقبة ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: يحاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تقديم نفسه كـ”مخلّص” للسعودية، تماماً كما يرى ترامب نفسه بالنسبة للأمريكيين، وهذه أحد نقاط التلاقي والتقارب بين الرجلين. لذلك يحاول ابن سلمان الذيّ قطّع خاشقجي في قنصلية سفارته في اسطنبول، وشنّ أسوأ حرب في القرن الحالي على اليمن، واعتقل وسجن الآلاف من السعوديين بسبب التعبير عن رأيهم، يحاول فعل أي شيء لتخليص السعوديّة من صورتها الراديكالية، والتي أسّس لها تحالف آل سعود مع الوهابيّة. اليوم، يرى ولي العهد السعودي أن التطيبع مع الكيان وإخراجه للعلن هو السبيل المناسب لإقناع الغرب بذلك، متجاهلاً القيم والمبادئ التي يتّصف بها الشعب السعودي. لذلك، يعمد إلى شنّ حرب إعلاميّة ناعمة كبيرة في الداخل السعودي لتغيير المزاج الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية مستفيدةً من سلطة المال والإعلام، وإن أحد هذه الأساليب هي ربط العلاقات بالاقتصاد وجذب المستثمرين والسياح.
ثانياً: قد يقول قائل أن الخطوة الحالية أحاديّة الجانب، ولا دخل للسعوديّة بذلك، ومن هنا حقّنا أن نسأل لماذا تمّ اختيار السعوديّة؟ ماذا عن عشراء الأخبار التطبيعة التي نطالعها في إعلام “وليّ العهد”. في العام 2015 حصلت ضجّة في المملكة حول السماح لليهود بالعمل في السعودية، قد أوضحت وزارة العمل السعودية حينها أنه، يتم اصدار تصاريح العمل على أساس الجنسية، وليس الدين، وليس هناك حظر رسمي لإصدار تأشيرات العمل لليهود، إلا أن الإسرائيليين محظورون من العمل هنا. أي إن المنع يطول الذين يحملون الجنسيّة الإسرائيلية. اليوم، المملكة مطالبة بتوضيح القرار الإسرائيلي والتأكيد مجدداً أن لا علاقة بين الدين والتطبيع، فأيّ يهودي يحقّ له الدخول لأي دولة في الوطن العربي ما لم يكن إسرائيلياً. بعبارة أخرى، يجب ألّا تتم استخدام شمّاعة “حوار الأديان” للتطبيع، فالفرق شاسع بين الأمرين.
ثالثاً: إن أحد أهم أسباب هذا القرار هو صفقة القرن التي يعمد ترامب إلى تأجيلها بسبب الظروف القائمة. لكن ترامب الذي يواجه اليوم بوادر محاكمة في الداخل، قد يعمد إلى التسريع في عجلة الصفقة وإخراجها بصورتها النهائية في أسرع وقف ممكن، لكن العائق الأكبر اليوم هو الشعوب العربية والإسلاميّة، وتحديداً الشعب الفلسطيني الرافض جملة وتفصيلاً لهذه الصفقة. وبالتالي، الكثير من الأنظمة العربية ترتبط بالكيان الإسرائيلي منذ عقود تحت الطاولة، وجلّ ما فعله ترامب هو إخراج هذا الأمر إلى العلن. إن مثل هذه الخطوة ستعرّي الأنظمة المطبّعة أمام شعوبها، وتجعلها عرضة للإنهيار، لاسيّما أن إخفاء هذا الأنظمة للتطبيع طوال السنوات المارضية يرتبط بشكل رئيس بخشيتها من ردّة فعل الشعب قبل أيّ أمر آخر.
رابعاً: لا تنفصل خطوة وزير الداخليّة في حكومة نتنياهو عن المشهد الداخلي الإسرائيلي، وتحديداً المشهد الانتخابي، وبالتالي يريد نتنياهو من خلال هذه الخطوة آحاديّة الجانب تلميع صورته المهشّمة بسبب قضايا الفساد علّه ينجح في الحصول على أصوات انتخابيّة تؤهله لتشكيل الحكومة وبالتالي الفرار من المحاكمة. لذلك، لا نستبعد أن تتمّ فرض السلطة الإسرائيلية بالكامل على مناطق الضفّة الغربية في اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب، وربّما مناطق آخرى كغور الأردن، لكنّ هذه الخطوة التي يُراد لها أن تكون النقطة المفصلية في نجاح صفقة القرن، قد تكون الشرارة التي تشعل انتفاصة جديدة في الضفّة ترمي بهذه الصفقة في مزابل التاريخ وتسير بنتنياهو إلى السجن بعد خسارته للانتخابات.
خامساً: إن هذا القرار سيولّد أيضاً شرخاً بين المملكتين السعودية والأردنيّة، فبموجب المرسوم سيسمح أيضا لفلسطينيي 48 بالسفر إلى السعودية بالجواز الإسرائيلي من أجل تأدية مناسك الحج والعمرة، وبالتالي إنهاء الوصاية الأردنية على الحجيج من فلسطينيي 48، الذين كانوا يدخلون السعودية بموجب جواز سفر أردني مؤقت. في المقابل، السعوديّة التي كانت ستشرع في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بإلغاء الوصاية الأردنية على الحجاج من فلسطينيي 48، وذلك بموجب الاتفاق المبرم في العام 1978 بين الحكومة الإسرائيلية والملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، تتطلع اليوم إلى اشتراط حمل جواز سفر دائم يشمل رقماً وطنياً لاستقبال الحجاج والمعتمرين، وهو الذي لا يتمّتع به حجّاج الـ1948، فهل هناك تنسيق سعودي إسرائيلي تحت الطاولة حول إخراج هذا الأمر بالصيغة الحاليّة التي أعلنها وزير الداخليّة الإسرائيلي؟ نأمل ألّا يكون الأمر كذلك.