المشهد اليمني الأول/
في ظلِّ العدوان على بلادنا وَاتّقاد حرب الموانئ والممرات الدولية وهي الحرب التي لا تنفصلُ بطبيعة الحال عن المساعي العامة لقوى العدوان الغاشم؛ باعتبار أن تلك القوى هي في الحقيقة مجرد أدوات للتهيئة للتواجد الأمريكي لتحقيق المطامع الأمريكية في المناطق الهامة والتي تحتوي على إمْكَانيات وموارد هائلة.
حَيْــثُ لوحظ بهذا الخصوص تواصلُ العملِ على إيلاء القوة البحرية مزيداً من الاهتمام والدعم وذلك بعد مرور ما يقارب العام على تجديد ما تم وصفه آنذاك باتّفاق يمنح الأمريكان إمْكَانيةَ استخدام الموانئ والجزر والسواحل اليمنية والذي تم توقيعُه من قبل أركان جيش الفار هادي السابق المدعو إبراهيم العقيلي.
وحينها عاد الحديُث عن تدريب قوات بحرية يمنية إلى الواجهة بعد أن توقفَ ذلك الدعم لفترة، وفي الحقيقة كان الأمريكيون حينها قد بدأوا فعلياً بدعم البنية التحتية واللوجستية لخفر السواحل التابع للحكومة العميلة، كما تزايد ذلك الدعم بعد تعيين قائد البحرية السابق عبدالله النخعي رئيساً لأركان جيش الدنبوع.
حَيْــثُ تم إقصاءُ العقيلي الذي ينتمي لمحافظة عمران وهو رغم عَمالته إلا أنه لم يكن يتمتعُ بالمؤهلات اللازمة لتحقيق التوجّـهات الأمريكية وأهمها القبول في بعض المناطق الجنوبية المحتلة لامتلاك القدرة على التحَرّك والتعاطي مع مراكز القوى المختلفة وَالمجتمعات المحلية.
وكانت سواحل حضرموت قد شهدت إجراءَ عدة تدريبات بحرية في الفترة الماضية، أحدها كان بمشاركة القوات البحرية الكورية الجنوبية، وربما للاستفادة من محصلة الخبرة الكورية الناتجة عن التواجد ضمن منطقة التجاذبات العالمية في بحر الصين الجنوبي، وتمت تلك التدريباتُ في المياه الإقليمية قُبالة ميناء نشطون (باتّجاه عُمان ومينائَي الدقم وصحار الاستراتيجيين ونافذة الصين المستقبلية الكبرى ميناء غوادر الباكستاني).
وهذا كله يعني توسيعَ مجالات استخدام الأدوات المحلية من خلال الانتقال إلى مرحلة أكثر خطورةً ضمن مشاريع الهيمنة الاستعمارية بموازاة استمرار المحاولات الفاشلة لبسط السيطرة على كامل الموانئ المطلة على البحر الأحمر في ظل التنافس الدولي المحموم على نقاط السيطرة المتاخمة للمحيط الهندي.
وهذا يقودُ بالضرورة إلى امتداد المطامع الأمريكية إلى جزيرة سقطرى بعد استخدام القفازات الإماراتية والسعودية على حَدٍّ سواء للتمهيد لذلك التواجد الذي ظهر جلياً خلال الأيّام الماضية، ولا يمكن فصلُ ذلك عن سياق الصراع الجيوسياسيّ على الممرات والمضائق الهامة وخُصُوصاً بعد الأحداث الأخيرة في هرمز.
وكانت حضرموت قد شهدت عدة زيارات لسفراء وضباط وإشارات وتلميحات سابقة في مقابلات عديدة نستعرض، فيما يلي أهمّ تلك الإشارات والتحَرّكات العدوانية التي استهدفت حضرموت وسقطرى أَيْـضاً خلال الأشهر والسنوات الماضية، ومنها وصول ماثيو تولر في 2 ديسمبر 2018م إلى المكلا حضرموت عبر مطار الريان الذي تسيطر عليه الإمارات.
حَيْــثُ التقى بالسفير السعودي وتجوّل برفقته وحضرَ مناورة بحرية مصغرة تم خلالها تسليم قوات خفر السواحل معدات وزوارق جديدة وصرح تولر يومها قائلاً: “إنه لشرف لي أن أكون هنا في المكلا.. كما تعلم فالمكلا وحضرموت هي أهمّ منطقة في اليمن بما تملكه من سيرة طويلة في التجارة.
كما أن لديها تاريخاً طويلاً مع الجماعات المتطرفة بعد “سقوط” صنعاء وتدمير مؤسّساتها رأينا أن القاعدة خرجت إلى الوادي (وادي حضرموت) وسيطرت على المكلا لقرابة تسعة أشهر واستحوذت على المدينة وعلى مدخرات البنك المركزي.
لذلك رأينا مجموعاتٍ “إرهابيةً” تنزح إلى اليمن وإلى المكلا من جميع المناطق، ولكن بعد اتّحاد التحالف والجيش اليمني تمت طرد القاعدة والآن نرى هذا التحالف مع حرس الحدود في اليمن (يقصد كلاً من حرس الحدود البرية وخفر السواحل) الذي أصبح قادراً على حماية مناطقه، نحن نعملُ مع الدولة اليمنية لاستعادة مؤسّسات الدولة وحمايتها”.
وفي السياق بالعودة قليلاً إلى الوراء وتحديداً إلى تاريخ اقتحام تنظيم ما يسمى بأنصار الشريعة للمكلا في 2 أبريل 2015م (أي بعدَ بدءِ العدوان بأسبوع واحد)، يقول الدكتور عادل باحميد محافظ حضرموت في العام 2015م متحدثاً تلك الفترة في مقابلة لقناة حضرموت: أين تكمُنُ مصلحةُ حضرموت؟!!
حضرموت كانت تريدُ من يخلِّصُها من العناصر الإجرامية، وكانت تريد من يوفر لها الحدَّ الأدنى من الخدمات، وكانت تريدُ من يرفع صوتها عالياً لدى المتحكمين بالصراع، وتريد أَيْـضاً تشكيل قوة حضرمية لحماية حضرموت، معتبراً أن ما تم في المكلا هي عملية استلام وتسليم للقاعدة.
حَيْــثُ كان في المكلا واحد من أقْوى ألوية الجيش اليمني وهو اللواء 27ميكا، فضلاً عن ألوية ما كان يسمى بالحرس الجمهوري، وبحسب محافظ حضرموت آنذاك، فالمحافظة سقطت دون أن تطلق رصاصة واحدة، فيما كان عدد عناصر ذلك التنظيم الذين سيطروا على المكلا لا يتجاوز بضعَ مئات.
وهذا بخلاف التداعيات المخطّط لها بعناية والمتمثلة بتدهور حاد في الجانب الخدمي كانقطاع الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية وغيرها (بحيث صارت حضرموت تتسول الديزل والمازوت وبقية المشتقات وهي المحافظة التي تنتج عشرات آلاف براميل النفط).
ويتضح من كُـلّ هذه المقدمات حجمُ المساعي الأمريكية للتمهيد للتواجد في عُمق وادي حضرموت، حَيْــثُ الموارد وفي سواحلها، حَيْــثُ الموانئ والإطلالة البحرية الهامة عبر تفخيخ الاستقرار وإرغام الناس على قبول التواجد العسكريّ مستقبلاً، على اعتبار أنه يمكن بعد ذلك أن يقبل الناس بالبدائل التي يوفرها تواجُدُ قوى الاحتلال الإقليمية وقوى الهيمنة، أملاً في تحسن الوضع وتوفر الخدمات.
ويلحظ أن حضرموت قد تشبعت تَمَاماً بهذا التفخيخ الأمريكي للاستقرار وإثارة الفوضى الأمنية والاغتيالات والمفخخات وغيره كما هو حال صنعاء إبَّانَ التواجد العسكريّ الأمريكي والذي بلغ الذروةَ في العامين 2013 – 2014م، وهذا بحد ذاته يشير إلى مستوى التواجد العسكريّ الأمريكي والذي يفضّل الأمريكان أن يظل خافتاً.
حَيْــثُ يذكر أن جيرالد فالدستاين السفير الأمريكي الأسبق قال ذات مرة في إجابته على سؤال استنكاري طرحه أحد الصحفيين اليمنيين في منتصف العام 2013 خلال مقابلة أجراها مع قناة معين وكان السؤال متعلقاً بتزايد أعداد قوات المارينز في اليمن، يقول: “إن ما ترونه في وسائل الإعلام ليس صحيحاً، وهو من نتاج تخيلات البعض وهناك فقط وجود لبعض الخبراء الأمريكيين المعنيين بالتدريب لتحسين مستوى أداء الجيش اليمني حتى يقفَ على قدميه في مواجهة المجموعات “الإرهابية” سواءٌ أكانت القاعدة أَو المجموعات المتطرفة الأُخرى.
وقد رد عليه الصحفي حينها بأن رده على هذا السؤال كان بتعبير مهذبٍ في إشارة منه إلى أن فالدستاين كان قد سبق أن رد على مثل هذا السؤال بـ”أن من يقولون بذلك عليهم تغييرُ نوع القات”!
قال في مقابلة في 2013م: إن “مهمتنا هنا داخل اليمن هي أن نساعد الحكومة اليمنية في بناء اقتصاد محلي، وهناك إمْكَانيات هائلة جِـدًّا لم يتم لمسها إلى الآن ما هي الإمْكَانيات التي ينطبق عليها هذا التعبير؟!
هي بالتأكيد موارد كامنة في باطن الأرض وكل ما سواها من المجالات المختلفة كالمرافئ والاصطياد والسياحة وغير ذلك من المجالات فهو في طور التشغيل حتى وإن كان ذلك بنسب ضئيلة أَو شبه معدومة، إلا أنها في متناول الحكومة ويتم تشغيلها واستغلالها بأشكال متفاوتة، ولو قصدها السفير الأمريكي لقال “لم يتم استغلالها أَو الاستفادة منها”.
لكنه تحدث عن إمْكَانيات هائلة جِـدًّا لم يتم لمسُها وفي ذلك إشارة إلى احتياطيات النفط والغاز والذهب والمعادن الأُخرى والتي تم تحديدها بواسطة المسوحات الجيولوجية والدراسات الاستكشافية لكن لم تبلغها جهودُ التنقيب والتعدين والشركات العابرة للقارات، وعادةً ما تسهمُ ضخامةُ العوائد المحتملة في جريان لُعاب رُعاة البقر المهووسين بالنهب والسرقات الكبرى وَالاستيلاء على ثروات وممتلكات الآخرين على خُطَى قطاع الطرق المؤسّسين الذين تولوا إبادة ملايين الهنود الحمر من السكان الأصليين في كُـلّ أرجاء القارة الشاسعة التي كان لديها آنذاك “إمْكَانيات هائلة جِـدًّا لم يتم لمسها”.
وفي 9 مايو 2018م أصدرت هيذر نوت -المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية- بياناً بشأن الوضع في سقطرى قالت فيه: “تتابعُ الولايات المتحدة عن كثب الوضعَ في جزيرة سقطرى اليمنية وتشاركُ مع جميع الأطراف؛ بغرض تعزيز سيادة اليمن وسلامة أراضيه، وكذلك للتشديد على الحاجة إلى تخفيف التصعيد وإجراء الحوار.
ونشير إلى أن هذا البيان أعلن عن المشاركة الأمريكية في سقطرى بعد يوم واحد على إلغاء الاتّفاق النووي مع إيران!!
الحوار السياسيّ ضروري لحكومة الجمهورية اليمنية؛ لضمان سلامة سكانها وأمنهم في سقطرى وفي سائر أنحاء البلاد من المطامع الأمريكية.