شركات عملاقة “للتكنولوجيا” تتواطأ مع “إسرائيل” على الفلسطينيين

593
المشهد اليمني الأول/

تسيطر سلطات العدو الإسرائيلي منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 على البنى التحتية في الأراضي المحتلة، ومنها بالطبع البنية التكنولوجية للاتصالات وتبادل المعلومات، كجزءٍ لا يتجزأ من سياستها الاستعمارية في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وفي إطار سعيها لخنق الفلسطينيين والتضييق عليهم في كافة نواحي الحياة، تعمل قوات الاحتلال على فرض سيطرتها على كافة شركات التكنولوجيا التي تقدم خدماتها في البلاد، للسماح لها بالاستمرار في العمل.

الشركات التكنولوجية الكبرى تنصاع لرغبات الاحتلال وتشركه في كافة أعمالها، وتتبنى وجهات نظره، الأمر الذي يضر بالفلسطينيين ويسهم في محو هويتهم ووجودهم.

وهنا نبرز أهم التطبيقات التكنولوجية التي تقدّم خدماتها على نطاق عالمي، لكنها في فلسطين المحتلة تنحاز إلى الإسرائيلي وتتبنى وجهة نظره:

“باي بال” Pay Pal

النظام الرقمي الأكثر شهرةً لتحويل النقود بشكل إلكتروني حول العالم، والمنتشر في أكثر من 200 دولةٍ، تَسري في بعضها أوضاع سياسية غير مستقرة، ولكن الشركة تحجب خدماتها عن حوالى 6 ملايين فلسطيني من أصحاب الحسابات البنكية في منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين أنها تتيح للإسرائيليين الذي يقيمون داخل المستوطنات غير القانونية في هذه المناطق، إمكانية الاستفادة من التطبيق.

انعدام المساواة التي ينتهجها “باي بال” في توزيع الخدمات المالية في فلسطين، يقوم على اختلاف جنسيات المتعاملين وقدرتهم على الوصول إلى البنوك الإسرائيلية، لأن الشركة لا تتعامل مع البنوك الفلسطينية.

وفي الوقت الذي كان يمكن للموقع أن يكون وسيلة واضحة لدعم التنمية الاقتصادية والمساواة في المناطق المحتلة، تعمل الشركة على حظر أي مستخدم فلسطيني يقوم باختيار المناطق الفلسطينية كعنوان لسكنه عند تسجيل الدخول. وبالتالي يصعّب هذا الأمر على العديد من الشركات الفلسطينية ورجال الأعمال، الوصول بحرية إلى الخدمات المالية الدولية وخلق فرص عمل جديدة داخل السوق الفلسطينية.

عقب الخطوات التمييزية التي يقوم بها “باي بال” تجاه الفلسطينيين، أطلقت العديد من المنظمات العالمية والمحلية، وبعض المساهمين في الشركة، حملات للمطالبة بإتاحة خدماتها بشكل متساوٍ.

ورداً على هذه التحركات، أكد المدير التنفيذي لـ”باي بال” دان شولمان، أن الخدمات التي يقدمونها في فلسطين وفي مناطق أخرى، لا تنطلق من دوافع سياسية. لتعود الشركة وتقول في عام 2018 إنها “لا تنوي تقديم أي خدمات للفلسطينيين، وستستمر في حظر الانتفاع في الضفة الغربية وغزة”.

“إير بي أن بي” Airbnb

بعد أن وجد التطبيق، المختص بحجز واستئجار الشقق والفنادق عبر الانترنت، نفسه في خضمّ الجدل القائم حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أعلن عزمه حذف المنازل الموجودة في مستوطنات الضفة الغربية من منصته.

لكن الشركة لم تقم بالحذف، بل اعتبرت في موقعها الإلكتروني أن المستوطنات تقع “داخل دولة إسرائيل”، وليس داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما عرضها لانتقادات واسعة.

وقررت الشركة إثر الانتقادات حذف حوالى 200 قائمة لشقق متاحة على منصتها في الضفة الغربية، ولم تأتِ على ذكر قوائمها في القدس الشرقية، ورغم أن القرار كان ناقصاً، إلا أن البعض اعتبره انتصاراً للفلسطينيين.

تبين أن “Airbnb” تقوم بمراوغة، حيث لم تعلن لاحقاً عن موعد تنفيذ قرارها، ولم تقدم معلوماتٍ حول المدة التي سيستغرقها القيام بذلك.

في كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت منظمة العفو الدولية أن الموقع لا يزال يدرج 100 قائمة في المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية.

“بوكينغ دوت كوم” Booking.com

لا يختلف الموقع المشهور بخدمات حجز غرف الفنادق أو مساكن عبر الإنترنت كثيراً عن “إير بي إن بي” في سياسته تجاه الأراضي المحتلة، حيث يساهم في تنمية المستوطنات الإسرائيلية اقتصادياً، عبر مواصلة الإعلان عن عقارات في المستوطنات الغير قانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

الموقع اعتبر أن مهمته الأساسية تقضي بجعل الممتلكات متاحة للجميع، لافتاً إلى أن إدراجه للمنازل في المستوطنات الإسرائيلية لا يعد دعماً لتواجدها.

يأتي هذا الإعلان بعد أن طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الشركة بالتوقف عن عرض العقارات في المستوطنات، عقب إعلان منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/يناير 2019، أن “بوكينغ دوت كوم” أدرج 45 فندقًا للاستئجار في مستوطناتٍ بالضفة الغربية والقدس الشرقية.

بعد المطالبات التي وجهتها المنظمة، قامت “بوكينغ دوت كوم” بإضافة تصنيف “مستوطنة إسرائيلية” كعنوان لبعض قوائم أماكن الإقامة، ولكنه لم يلتزم بتعريف الأمم المتحدة للمستوطنات واعتبارها إياها غير شرعية.

إضافةً لذلك، يقدم الموقع “إسرائيل” كعنوان للإقامة في القدس الشرقية المحتلة، على الرغم من أن مجلس الأمن الدولي ينظر إلى ضم “إسرائيل” للقدس الشرقية باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي.

حاولت الشركة التهرب من الالتزامات، بقولها “إن الأمر ليس متروك لنا لتحديد ما إذا كانت المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية أو متنازع عليها أو غير معترف بها”.

“فيسبوك“Facebook

منذ افتتاح “فيسبوك” مقراً لها في “إسرائيل” عام 2016، أبرمت الشركة اتفاقيات مع السلطات الإسرائيلية لمراقبة المحتوى الفلسطيني، ومنع الأفراد أو حذف الصفحات بأكملها. وتعتبر هذه الآلية الآن القاعدة الأساسية لعمل المنصة، حيث أن وجهات النظر الفلسطينية على “فيسبوك” ببساطة “غير مرغوب فيها”، والهوامش المسموح بها تتقلص يوماً بعد آخر.

في آذار/مارس 2017، أشاد وزير العدل الإسرائيلي بالتعاون المثمر مع “فيسبوك” لإزالة المحتوى الفلسطيني بناء على طلب الحكومة الإسرائيلية، حيث كانت الشركة تعمل عن كثب مع الإدارات الإلكترونية في وزارة العدل والشرطة والجيش وجهاز الأمن الإسرائيلي.

وأكد تقرير الشفافية في “فيسبوك” أن الشركة عملت على إزالة 85% من طلبات وحدة الإنترنت الإسرائيلية البالغ عددها 12.351 طلباً.

كما اتفقت “فيسبوك” مع وزارة الداخلية الإسرائيلية على إنشاء فرق من شأنها أن تحدد أفضل السبل لرصد وإزالة المحتوى الفلسطيني، وهذا يعني في جوهره أن أي محتوى متعلق بالقضية الفلسطينية يتم تصفيته الآن، ليس فقط من خلال محرري “فيسبوك”، بل من قبل المسؤولين الإسرائيليين أيضاً.

“تويتر” Twitter

عمل “تويتر” على غرار “فيسبوك” منذ اتفاقه مع الحكومة الإسرائيلية عام 2016، على إزالة الحسابات والمحتوى الفلسطيني بانتظام، حيث يشير تقرير “تويتر” للشفافية إلى أنه امتثل لـ 33% من الطلبات الإسرائيلية، بإزالة 42 حساباً في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى حزيران/يونيو 2018.

ويستهدف “تويتر” المحتوى الفلسطيني الذي يقدم أخباراً ومعلوماتٍ عن انتهاكات الاحتلال لحقوق الفلسطينيين، حيث علّقت في كانون الأول/ديسمبر 2018 الحساب الخاص بالانتفاضة الإلكترونية The Electronic Intifada ، لنشره خبراً عن غارة إسرائيلية على قطاع غزة، بحجة أن هذه التغريدة “تنتهك قواعد الشركة الاجتماعية”، دون توضيح الانتهاك وموضوعه.

من جهتها أشارت شبكة القدس الإخبارية إلى أن محاربة “تويتر” للمحتوى الفلسطيني تكون عبر حذف المنشورات أو تعليق الحسابات التي تقوم بتغطية حية للأحداث على الأرض في الضفة والقطاع.

سبق لتويتر أن فرض معايير الرقابة العسكرية الإسرائيلية على منصته من خلال إجبار المستخدمين على حذف تغريدات محددة، لكن إغلاق الحسابات بأكملها من منصتها يمثل مرحلة جديدة في جهودها لمنع نشر المعلومات من فلسطين وحولها.

وبدلاً من أن تكون المنصة سبّاقة في الدفاع عن حقوق حرية التعبير، يبدو أنها خضعت للضغوط السياسية والترهيب، وأغلقت مجموعة واسعة من الحسابات التي تتحدى السياسة الإسرائيلية، في حين أنها تسمح للاحتلال باستخدام خدماتها بحرية للاحتفال بجرائم الحرب ضد الفلسطينيين.

“واتساب” Whatsapp

منذ فترةٍ وجيزة، وبعد الاعتداء الأخير الذي نفذته قوات الإحتلال على قطاع غزة، منع تطبيق التراسل الفوري “واتساب”، المملوك من “فيسبوك”، المئات من الصحفيين والناشطين الفلسطينيين الذين كانوا يقدمون تحديثات حية خلال الهجوم الإسرائيلي، من استخدام التطبيق عبر إغلاق حساباتهم.

ولفت الناشطون الذين طالتهم ممارسات “واتساب” إلى أن هذا التستّر الذي جاء نتيجةً لجهودهم في الكشف عن الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين والأهداف المدنية الفلسطينية، إنما هو استمرار لنهج الشركة الأم؛ “فيسبوك”.

من جهتها، برّرت “واتساب” هذه الخطوة بالزعم أن نشاطات هؤلاء الأشخاص كانت “مخالفة لشروط الخدمة”، حيث أكدت في رسالة أرسلتها للمحظورين أن الشركة تلقت العديد من الشكاوى التي تتعلق بحسابات “واتساب” الخاصة بهم، ولكن لا يمكن الإفصاح عن طبيعة هذه الشكاوى لحماية خصوصية الطرف الآخر.

“خرائط غوغل” Google Maps

تمتنع “خرائط غوغل”، التي تعد واحدة من أكثر الخدمات انتشاراً على الإنترنت، عن الإشارة إلى فلسطين المحتلة في تطبيقها وتبرّز “إسرائيل”، على الرغم من أن هناك 138 دولة في العالم تعترف بفلسطين كدولة.

وفي الوقت الذي تظهر فيه مدينة رام الله، التي تضم مقر الحكومة الفلسطينية، في خرائط “غوغل” بطريقة بدائية خالية من التوجيهات المفصلة، يستطيع “غوغل” توجيه الزوار بسهولة إلى أقرب بنك في إحدى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

المتحدث باسم “غوغل”، بول سولومون، أشار إلى أن الشركة تعمل على “توفير خريطة أشمل للمستخدم”، ولكن هذه “الشمولية” سمحت للشركة باستثناء معظم القرى البدوية التي لا تعترف بها “إسرائيل”، أو ذكرها باسم العائلات التي عرفت بها من دون ذكرها باسمها الأصلي.

الإضافة إلى ذلك، فإن “خرائط غوغل” لم يتم تصميمها من أجل الفلسطينيين، حيث أن أغلب الطرق التي توفرها لا تناسب الفلسطينيين، فعادة لا تعطي غوغل تنبيهات عن أماكن حواجز التفتيش، ما يمكن أن يعرض الفلسطينيين للتأخير، الاعتقال أو حتى الموت.

كما أن “غوغل” تتعامل مع سكان الضفة على أنهم مستوطنون، حيث يصف التطبيق للفلسطينيين الطرق نفسها التي يصفها للمستوطنين في الضفة الغربية، وغالباً ما يعرضهم ذلك للخطر، خاصة عندما يقودهم إلى مدخل إحدى المستوطنات.

في مناطق الضفة الغربية تعطي “خرائط غوغل” خيارات اختيار الطرقات عبر المستوطنات والبلدات المحتلة، وليس عبر البلدات الفلسطينية، حتى لو استغرقت هذه الطرقات 4 ساعات، بدل نصف ساعة، التي يستغرقها الطريق عبر المناطق الفلسطينية.