كتب/ إبراهيم محمد الهمداني: تحولات المشهد السياسي اليمني !
من سلم نفسك يا سعودي إلى صاروخ بركان 1 وصولاً إلى إنجازات الوفد الوطني
تأتي هذه المرحلة خاتمة لمدار التحول الأول في المشهد السياسي اليمني والذي سيليه بالطبع التحول الثاني بمراحله المفصلة قدر الإمكان بمعنى أن التحول الأول تضمن ثلاث مراحل كانت نتاج تخطيط وإدارة أمريكا وتنفيذ وتمويل تحالف العدوان ومرتزقته غير أن التعاطي الإيجابي ونفاذ البصيرة والحنكة السياسية لدى القوى السياسية الوطنية في الداخل قد غيرت نتائج تلك المخططات بشكل عكسي تماما وقلبت موازين القوى واستطاعت صياغة معادلة الصراع بما يخدم الوطن ومصالح الشعب العليا.
حاولت السعودية ومن خلفها أمريكا وحلفاؤهما الزج بأنصار الله في مغبة الفراغ السياسي بعد الإيعاز إلى هادي وحكومته المرتزقة بالاستقالة وهو فراغ دستوري وسياسي لم يشهد له العالم مثيلاً أقل ما يقال عنه إنه شلل كامل أصاب مؤسسات الدولة ولأن ذلك الفراغ المفتعل لم يحدث الأثر المطلوب ألحقوا به سحب السفارات من صنعاء لإدخال الوطن في حالة من العزلة التامة والقطيعة الكاملة بهدف الضغط على أنصار الله -كونهم المتصدرون للمشهد السياسي آنذاك – الرضوخ والموافقة على تنفيذ مخططات التقسيم والهيكلة وتفتيت النسيج الاجتماعي استجابة لرغبة القوى الاستعمارية في بسط نفوذها وهيمنتها ووصايتها على اليمن.
لم تؤثر استقالات هادي وزمرته على سير الحياة اليومية داخلياً كما أن انسحاب السفارات بدون مبرر قانوني أو مسوغ في العرف الدبلوماسي, يقتضي استحالة عودتها إلابعد موافقة سياسية وبروتوكولات دبلوماسية جديدة وهذه هي الصفعة التي لم تكن تتوقعها تلك القوى التسلطية وكانت هذه الخطوة إيذاناً بنهاية عهد تسلط السفارات الخليجية والغربية خاصة.
ويمكن تسمية هذه المرحلة – إلى بداية العدوان – بمرحلة الصبر الاستراتيجي كما أطلق عليها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
جاءت المرحلة الثانية – لتلافي فشل الأولى – ممثلة بالعدوان العسكري والحرب الظالمة المتوحشة ضد الشعب اليمني ظناً من قوى تحالف العدوان العربية والدولية إن ما لم يتم تحقيقه بالضغوط الدبلوماسية، سيتم تحقيقه بالقوة والحرب وقد انتهج ذلك العدوان –كما أسلفنا- سياسة النفس الطويل وراهن على وفرة أمواله وعتاده ودعم القوى الإمبريالية له سياسيا وعسكريا ولوجستيا، الأمر الذي جعله يستسلم لطيشه وطغيانه وتكبره، ويقود أبشع عدوان وأقذر حرب وأكثرها توحشا ودموية وانتهاكاً لحقوق الإنسان والمواثيق والأعراف الدولية مضيفاً إلى عدوانه حصاراً برياً وبحريا وجوياً مطبقاً بحق الشعب بأكمله مراهناً على فقر الشعب وانهيار اقتصاده بما يجعله في القريب العاجل يستسلم ويعود إلى حظيرة الطاعة ليقدم فروض الولاء من جديد ولكن ما حدث هو العكس فبعد انتهاء فترة الصبر الاستراتيجي دخلت مرحلة الدفاع عن النفس والوطن وبدأت الجبهات تتشكل بمختلف مسمياتها ودخلت حيز التفعيل والدفاع على كافة المستويات وبدأ الشعب اليمني -بإمكاناته البسيطة وعزته وصموده – يسطر أروع التضحيات والبطولات في مواجهة عدوان عالمي متوحش، حشد كل إمكاناته وعتاده وأمواله ومرتزقته وشذاذ الأفاق والقتلة المأجورين، ليحول اليمن إلى أنهار من الدماء انتقاما من الشرفاء والأحرار الذين أهانوه برفضهم لوصايته وكسروا هيبة وجبروته بصمودهم وبطولاتهم الخارقة.
وتتسم هذه المرحلة بغلبة طابع الدفاع وتعرية العدوان وحلفائه وكشف حقيقة مخططاتهم ونقل صورة التوحش والإجرام بحق الأطفال والمدنيين إلى الشعوب والتأكيد على إفلاس هذا العدو أخلاقياً وإنسانياً وعسكرياً.
بعد اختراق التابو والهيلمان الذي طالما تغلفت به السعودية وأمريكا وحلفاؤهما، من قبل المناضلين والمجاهدين من أبناء الوطن على كافة المستويات والجبهات جاءت المرحلة الثالثة في هذا التحول السياسي الأول، ممثلة بإستراتيجية الهجوم والردع الذي تجلى على مختلف الجبهات حيث برز الدور الفعال والمؤثر للجبهة الثقافية إلى جانب الجبهة الإعلامية في إقامة الندوات والمؤتمرات والفعاليات وغيرها كما برز دور الشعراء – وهو حاضر منذ البداية – ولكنه تجلى أكثر حين اتخذ صفة العمل المنظم والمثمر من خلال التعاون بين مؤسسة دمون للثقافة والإبداع والمؤسسات الإعلامية المختلفة وخاصة الإذاعات المحلية كإذاعة سام إف أم وصوت الشعب وإذاعة صنعاء وغيرها.
اتسمت هذه المرحلة بمزيد من التنظيم والترتيب والرد الموجع والهجوم الموفق على كافة الجبهات، وإن كان الدور الأكثر حضوراً وتأثيراً في العدو، هو دور الجبهة العسكرية ممثلة بالجيش واللجان الشعبية الذين انتقلوا إلى إستراتيجية الهجوم والسيطرة خاصة في جبهات عسير ونجران وجيزان ولا يخفى على أحد ما لهذه الأماكن من أهمية لدى النظام السعودي الذي طالما سعى لأخذهما عنوة ولكن ها هي الأقدام الحافية لرجال الرجال تقتحم وتسيطر رغم تحليق الطيران الحربي والأباتشي وأجهزة الرصد الحديثة المنتشرة على طول الحدود وفي سمائها صارخة في وجه جنود آل سعود بالقول (سلم نفسك يا سعودي).
لا يمكن المرور على هذه الصرخة مرور الركام لأنها ليست مقولة عابرة أو تقليعة مؤقتة أو ردة فعل محدودة بل هي نقطة انطلاقه لتحول جديد في مسار الأحداث ومستقبل أكثر إشراقاً بالانتصارات والفتوحات الربانية خاصة إذا قرأنا هذه الصرخة في بعديها الرسمي والشعبي.
1- ففي البعد الرسمي :لا يمكن إغفال أن هذا الجندي السعودي – بطبيعة عمله ومكان تواجده – يمثل نظام آل سعود الحاكم يصدر عنه وينتمي إليه، لذلك فالصيحة تقع عليه وتصل إلى سيده مباشرة مصورة حالة من الانهزام والتخبط السياسي والعسكري ومؤكدة انتقال الحصار من التموضع الفردي سواء كان الجندي السعودي المخاطب أو المكان المستهدف قلة القناصين في الشرفة بنجران إلى التموضع الجمعي الذي يشمل عمومية المكان والإنسان وصولاً إلى الملك والأسرة الحاكمة والنظام السعودي الذي أصبح محاصراً ومحصوراً في قبضة الجيش واللجان الشعبية.
2- وفي البعد الشعبي: يمكن القول إن تلك الصرخة “سلم نفسك يا سعودي انت محاصر ” عبرت ذلك الجندي المخاطب بقوة لتصل إلى قلوب وأفئدة عامة الشعب السعودي لتوقظهم من سباتهم، وتفتح أعينهم على هول الواقع الذي يعيشونه وتقودهم الى التحرر من حصار الفكر الوهابي المتشدد وقيود العبودية والتبعية المطلقة والمهينة للأسرة الحاكمة، ومن ثمَّ تُقدم إليهم المسيرة القرآنية بوصفها فكرا ونهجا بديلا يحترم الإنسانية ويعلي من قيمة الانسان.
وفي سياق الانتصارات العسكرية المتوالية والملاحم البطولية لا ننسى دور القوة الصاروخية المشرِّف واستراتيجيتها القائمة على التصعيد في استهداف العمق الاستراتيجي للعدو والتدرج التصاعدي في ضرب القواعد العسكرية الخاصة بالعدو، ابتداء من الهدف الأقرب ثم الذي يليه ثم الأبعد وصولا – وليس نهاية المطاف – الى قاعدة الملك فهد بالطائف ولا يخفى على ذوي الاختصاص أهمية وخطورة تلك الضربة الماحقة التي حققها صاروخ بركان واحد البالستي المطور محليا حيث يشكل المكان والمسافة والدقة والقوة التدميرية والخبرة المحلية في التطوير، معطيات هامة جدا في صياغة معادلة الردع المستقبلية التي لم تكن هذه الضربة الا بدايتها وهذا الصاروخ الا فاتحتها ورسالة تحذيرية عالية اللهجة لآل سعود وحلفائهم بضرورة ايقاف المجازر والخراب والتدمير الممنهج، والإمعان في قتل الأبرياء من أبناء هذا الشعب الصابر الصامد.
وبالتوازي مع هذه الانجازات الميدانية العسكرية يحقق الوفد الوطني انجازات مذهلة على المستوى السياسي والدبلوماسي حيث استطاع ان يخترق حاجز الحصار والتعتيم الاعلامي المفروض على اليمن من قبل القوى الامبريالية وما تبثه ماكينتها الاعلامية الضخمة من تضليل للرأي العام وتزييف للحقائق وتمكن الوفد الوطني المفاوض أيضا – مستغلا تواجده خارج الوطن – من إيصال الصورة الحقيقية ونقل تفاصيل ما يجري من مذابح وحفلات قتل جماعي بصواريخ العدوان إلى مختلف شعوب العالم كما أنه استطاع أن يرغم المتابعين والمطلعين على وقائع المفاوضات على احترامه ومساندته والإشادة بمواقفه المشرفة حين استجاب للحوار وقدم التنازلات تلو التنازلات وكشف زيف دعاوى الطرف الاخر وارتهانه وعدم امتلاكه لأدنى مقومات القرار، وتلاعب السعودية بمجريات الحوار وفرص الحل الممكنة يضاف الى ذلك تمكن الوفد الوطني المفاوض من كسر حاجز الحصار السياسي، الذي طالما باركته الأمم المتحدة وقيامه بجولات دبلوماسية وتحركات سياسية الى معظم دول المنطقة مؤكدا استمداده قوته واستمراره وشرعيته ظن الشعب الذي أيَّد وبارك تشكيل المجلس السياسي الاعلى ومنحه الثقة والشرعية الدولية.
قام المجلس السياسي الأعلى بعد تشكيله ومنحه الثقة باستدعاء الوفد الوطني المفاوض لمنحه تفويضا للحوار وتمثيل اليمن من السلطة الجديدة ولكن التعنت والصلف السعودي حال دون عودة الوفد، نظرا لما تنطوي عليه تلك العودة من نتائج سياسية تخدم الشعب والوطن وتقطع اخر وهم من أوهام شرعية هادي وبما أن المفاوضات هي الجزرة التي طالما لوحت بها السعودية ومعها اﻷمم المتحدة عبر مبعوثها إسماعيل ولد الشيخ، وطالما اتخذتها ذريعة لكسب الوقت وإلقاء اللوم على القوى الوطنية إن هي رفضت هذا الحوار العقيم وبدورها لم ترفض القوى الوطنية هذا الحوار رغم معرفتها المسبقة عدم جدواه مستغلة موضعها في بلد المفاوضات ﻹيصال رسالتها من ناحية، ورغبة في قطع أعذار العدوان أمام المجتمع والدولي ومبرراته الوهمية ﻹبادة الشعب اليمني لذلك وغيره كانت المفاوضات ضرورية جدا للطرفين حيث كشفت زيف الأول المرتزقة ومن معهم، وحققت انتصارات سياسية ومواقف دولية مؤيدة للطرف الثاني الوطني، بوصفها الخط الموازي لحوار البنادق في الجبهات ولا يمكن ﻷي طرف رفضها أو التخلي عنها، وبما أن الشعب قد أيد وبارك تشكيل المجلس السياسي الأعلى ومنحه الثقة وحمَّله مسئولية شؤون البلاد، معلنا فاتحة عهد جديد، فقد قام ذلك المجلس بإعفاء أعضاء الوفد المفاوض من مهامهم وطلب منهم العودة للتشاور بهدف منحهم مشروعية جديدة من المجلس السياسي الأعلى والشعب، وهذا هو السبب الذي جعل نظام آل سعود يحول دون عودتهم وحين تكرر منهم رفض مقابلة المبعوث اﻷممي، لجَّ هذا اﻷخير في إلحاحه وأحراج الوساطة العمانية بضرورة لقائهم ليعرض عليهم مبادرة جون كيري، وليست المبادرة هذه ذات أهمية أو شأن بقدر ما يقصد من ذلك اللقاء نفي المسمى الشرعي والقانوني عن الوفد الوطني، الذي أصبح مسلوب الصلاحيات وغير قادر على العودة ليمنح صلاحيات ومشؤوعية جديدة وما كان من المجلس السياسي الأعلى إزاء هذا التطور اﻷخير إلا أن عقد جلستة الإستثنائية ومنح الوفد المفاوض الثقة والصلاحيات الكاملة في تمثيل اليمن في المفاوضات وغيرها، بعد ذلك سمح الوفد الوطني للمبعوث اﻷممي بلقائه في الفندق مقر إقامة الوفد، ليتلقى المبعوث اﻷممي وأممه المتحدة وراعيته الرسمية السعودية صفعة مدوية لم تكن في الحسبان، ليعترفوا – رغما عنهم – بشرعية الوفد الوطني وشرعية من يمثله وينوب عنه، ومهما كابروا او جحدوا كعادتهم فلن يكون هناك مسمى قانوني ورسمي وشرعية للوفد الوطني غير تلك النابعة من المجلس السياسي، المتكئ على المرجعية الشعبية.
لا يمكن أن تقدم الأيام القادمة لمملكة العدوان شيئا غير الإنهيارات المتتالية والسقوط المستمر، خصوصا بعد مؤتمر غروزني وتورطها الفاضح في سوريا والعراق وليبيا ومختلف البلدان العربية، ودعمها للجماعات المتطرفة اﻹرهابية وتخبطها في سياستها الخارجية واستنزاف خزينتها العامة بشكل مهول و…….إلخ وكل ذلك يرشحها إلى للسقوط المتسارع ويجعل من حلفها الاستراتيجي أمريكا محصورا في زاوية حرجة ضيقة إذ لم يعد باستطاعة أمريكا التغطية على جرائم السعودية وخاصة تورطها في دعم اﻹرهاب العالمي فكرا وتمويلا إضافة إلى بلوغ المملكة مرحلة الشيخوخة وتحولها إلى بيدق محترق لم يعد بإمكانه لعب الدور مرة أخرى.
إزاء ذلك الوضع وخصوصا مع انتهاء فترة أوباما وصعود ترامب – حسب ترجيحي – ﻻ أعتقد أن السعودية ستلعب دورا سياسيا مستقبليا وستقف أمريكا إزائها موقف المتفرج، وهي تنهار باستمرار بجرائمها في مختلف بلدان العالم وبسواعد الرجال من الجيش واللجان الشعبية اليمنية وبذلك سيطوى التاريخ صفحة من تاريخ الخزي والعار ﻵل مردخاي الذين لم يتورعوا عن سفك دماء المسلمين وإهانة المقدسات الدينية وتحريف الدين الإسلامي وطمس المعالم الدينية وتبديلها.
بالنسبة ﻷمريكا فلن يكون حظها أحسن حالا من صاحبتها الهالكة، وستقف أحد موقفين:
اﻷول : الدخول في صفقات سياسية مع القوى الكبرى في المنطقة وحالة من التسويات وتبادل المصالح وهذا سيحفظ لها ماء وجهها ويمكنها من قضاء ما تبقى من عمرها بسلام إلى حد ما.
الثاني: قد يقودها التهور والكبر إلى اقتراف خطأ صاحبتها السعودية فتبرز إلى ميدان المواجهة لقتال الشعب اليمني أما بذريعة محاربة تنظيم القاعدة الذي زرعته وحشدت له العتاد والرجال، وجعلت من محافظة البيضاء – قلب اليمن – مركزا له أو بحجة الدفاع عن مصالحها في المملكة السعودية وفي كلا الحالتين ستكون حربا أشد وحشية وفتكا وتدميرا ولكنها ستكون الطريق الممهد للوصول إلى فلسطين واهتزاز عرش الكيان الصهيوني الغاصب.