المشهد اليمني الأول/
إلى ما قبل سنوات قليلة، كان الإماراتي يرى في الحديث عن التاريخ مورداً للعار على دولته الطارئة، والتي لا يتعدى عمرها خمسة عقود.
فالتنقيب في ساحل عمان أو ما أسماه الانجليز “ساحل القراصنة” وهي الإمارات حالياً، لم يكشف إلا كميات هائلة من المخزون النفطي، الذي حمل معه مرحلة جديدة من الترف لسكان المنطقة، وجعلهم يتنافسون في شراء الغالي والنفيس، والتطاول في البنيان لإثبات وجودهم على الخارطة السياسية والثقافية العالمية.
وقد خلّد الكاتب المصري الساخر، محمود السعدني، تلك المرحلة الحساسة في تاريخ الإماراتيين، وانتقالهم من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، في روايته الشهيرة “رحلات ابن عطوطة” والتي سرد فيها مغامرات الشيخ “لعبوط” الإماراتي، وسعيه لإثبات هويته بشراء وترويج القصص عن بطولات أجداده الزائفة في أعماق الصحراء، وقد تحولت تلك الرواية الساخرة إلى مسلسل إذاعي، بطلب من الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.
وبقي أبناء الإمارات السبع على حالة الانفصام والتاريخ حتى تاريخ 26 مارس 2015، عشية إعلان عاصفة الحزم من قبل التحالف العربي في اليمن.
حيث بدأ بعدها سكان ساحل القراصنة في الحديث عن حضارتهم الموغلة في القدم، والتي بلغت ملايين السنين، ومن قبل حتى وجود الإنسان على كوكب الأرض.
ورغم أن حديثهم عن التاريخ أثار موجة سخرية غير مسبوقة في العالم العربي، إلا أن “الزعبوطيين” كما يسميهم الإعلام العربي الساخر، استمروا في تكرار تلك الترهات عن ماضيهم التليد، بل وبدأوا في إظهار قطعٍ أثرية زعموا العثور عليها في حفريات متفرقة من الصحراء الإماراتية.
ولولا وجود تقارير أجنبية تفضح حقيقة تلك المزاعم، لاستغرق الحال سنوات طويلة لفضح مجزرة التاريخ والحضارة التي ترتكبها الإمارات بحق الموروث الشعبي في المناطق التي تحتلها بالتعاون مع أدواتها.
حيث كشفت اللجنة الدولية لمقاطعة الإمارات ICBU عن تهريب ممنهج تمارسه أدواتها وأذرعها للآثار اليمنية، ما اعتبرته الحملة نكسة للحضارة البشرية والتاريخ الإنساني.
وبحسب الحملة، فإن الإمارات نجحت في تهريب نحو نصف مليون قطعة أثرية، وأن قيمة القطع قد تراوحت بين 5000 دولار و100.000 دولار تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام.
وقد احتوى متحف “اللوفر – أبوظبي” على القدر الأكبر من تلك القطع، فيما توزع البقية على متاحف أخرى وعائلات ثرية في الإمارات، كما تم بيع الكثير منها في مزادات خاصة في أوروبا وأميركا.
وأشرفت الإمارات – بحسب تلك التقارير – على تهريب الآثار اليمنية بشكل مباشر، كما روجت في وسائل إعلامها عن قيام حكومتي هادي وصنعاء بتهريب الآثار اليمنية، لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي.
وما إن وضعت الإمارات يدها على آثار اليمن، حتى بدأت بالترويج لتاريخ يمتد لآلاف السنين، وهو التاريخ الفعلي للقطع الأثرية المنهوبة من اليمن.
وفجأة وبدون مقدمات بدأ الحديث عن مبادرة “دبي قبل التاريخ” وموقع “الساروق الحديدي” وغيرها من المواقع التي ادعت الإمارات وجودها، أو المبادرات الدعائية لذلك التاريخ.
كما استأجرت الكثير من الأدباء والمثقفين والكتاب حول العالم، للمشاركة في تسويق حملتها التاريخية، واستطاع المال الإماراتي أيضاً أن يُلجم الكثير من الجهات المعنية بالتاريخ، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS)، ومنظمة مدن التراث العالمي” (OWHC)، والمجلس الدولي للمتاحف (ICOM).