المشهد اليمني الأول/
نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” مقالا مشتركا لثلاثة خبراء هم ساندر غيربر وألاي هيستين ويوئيل غوزانسكي، ناقشوا فيه الطرق للتقدم في العلاقات السعودية- “الإسرائيلية”، حيث قالوا إن البلدين يواجهان نفس التهديدات والمعضلات الإستراتيجية غير التعاون لمواجهة إيران والجماعات الإسلامية وأشاروا إلى أن السعودية و”إسرائيل” شريكان غير متوقعين بدون مشترك بينهما.
فمن ناحية لا توجد علاقات دبلوماسية أو اعتراف. كما أن هناك تناقضا بين “إسرائيل” التي يقول الكتاب إنها ديمقراطية تفتقر للمصادر وتعتمد على الرأسمال البشري لبناء قوتها الاقتصادية والتكنولوجية، مقارنة مع السعودية التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم وتواجه زيادة مطردة في عدد السكان تؤثر على الاقتصاد. إلا أن الأمن القومي متداخل بينهما.
ومن الأسرار التي يتم الحديث عنها هو التعاون السري بين “إسرائيل” والسعودية لمواجهة العدو المشترك (المزعوم) وهي إيران، ولا تنبع العداوة من الخلافات الحدودية أو المصالح الجيوسياسية بل لأن إيران دعت لتدمير البلدين واتخذت خطوات لكي تنفذ تهديداته، على حد زعم الكتاب.
كما استهدفت إيران السعودية و”إسرائيل” لأنهما حليفان لـ”الشيطان الأكبر”، أمريكا، وتعتبران من الناحية المجازية حاملتي طائرات لواشنطن في الشرق الأوسط، ولأن إيران تتبنى الراديكالية الشيعية.
وتهديد “إسرائيل” والسعودية ليس أمرا عرضيا بل هو جزء من مشروع إيران الرامي لتفكيك البناء الأمني الأمريكي وإضعاف التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط. وتريد إيران وضع هؤلاء الحلفاء -إسرائيل والسعودية- كرهينتين وتأخذ من أسلوب كوريا الشمالية وتهدد بقطع رؤوس حلفاء أمريكا للحد من قدرة واشنطن بطريقة يمكن فيها لطهران التصرف بدون خوف.
وفي ضوء الزحف الإيراني البطيء نحو امتلاك السلاح النووي تبدو هذه الإستراتيجية خطيرة. وفي اتجاه آخر تطمح إيران لفصل واشنطن عن شركائها من خلال استهدافهم، وترسل رسالة أنها لن تتوقف عن جهودها إلا في حالة توقفهم عن دعم سياسات الولايات المتحدة وعملياتها بالمنطقة.
ورغم المحاولات التي قام بها الجيش “الإسرائيلي” والنجاحات التي حققها في مواجهة جماعات إيران في سوريا والعراق أكثر من نجاح السعودية في مواجهة الحوثيين، إلا أن أيا منهما لم يوجه ضربة قاصمة للقوى التي تدعمها إيران بالمنطقة، والسبب هو أن أمريكا وحلفاءها يقاتلون في حروب غير تقليدية بأسلحة مصنعة لخوض حروب تقليدية.
ومن هنا يمكن لكل من “إسرائيل” والسعودية التعاون وتبادل الخبراء في مواجهة أعدائهما وتطوير إستراتيجية مواجهة حروب إيران غير التقليدية والجماعات غير الدول التي تدعمها. فالمعضلة التي تواجه السعوديين في اليمن هي منع الكارثة الإنسانية ومواجهة الخطر الحوثي وهي نفس المعضلة التي تواجه إسرائيل في غزة. فتجنب المراكز المدنية يتم عبر التعاون الثنائي والحوار.
نجاح التعاون بين “إسرائيل” والسعودية سيساعد على إسكات الأصوات الناقدة للمملكة. وعلى “إسرائيل” الترحيب بالتعاون الذي قد يفتح المجال نحو تعاون إستراتيجي وأمني
وكما عرض رئيس هيئة الأركان المشتركة في عام 2017، يمكن للسعودية
“وإسرائيل” تبادل المعلومات حول الأسلحة المصنعة في إيران والتي تم توزيعها على الجماعات الوكيلة، وكذا التشارك في البيانات حول القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك التعاون للحد من القدرات الصاروخية المتوسطة وطويلة المدى، وفهم ما تقدمه إيران من قدرات عسكرية للجماعات الموالية لها وماذا تعلمت “إسرائيل” والسعودية من خبرات في مواجهة هذه الجماعات.
وفي مجال تبادل الخبرات الأمنية والعقيدة العسكرية يجب على البلدين تطوير حلول تكنولوجية عملياتية مشتركة برعاية أمريكية، وكذا بناء دفاعات صاروخية فعالة بهدف إحباط الدقة الصاروخية الإيرانية.
وكانت هجمات أبقيق في أيلول/سبتمبر، بمثابة صرخة تحذير لكل من السعودية وإيران، ولأن المملكة تعتمد على تحلية 50% من مياه الشرب فضربة لمحطات التحلية ستكون كارثية، وربما فكرت السعودية لاحقا بشراء نظام القبة الحديدية، وعلى “إسرائيل” التزام الحذر في مدخلها للاندماج في المنطقة التي دخلت معها حروبا وحاولت عزلها.
ويعاني السعوديون من مشكلة صورة في الولايات المتحدة، السياسة والرأي العام، حتى لو عاد القطاع الخاص للتعامل معها وكأن شيئا لم يحدث بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
ولا يمكن لـ”إسرائيل” التي تواجه مشاكل مع دوائر غربية تحمل مشكلة علاقات لدول أخرى، لكن نجاح التعاون بين البلدين سيساعد على إسكات الأصوات الناقدة للمملكة.
وعلى “إسرائيل” الترحيب بالتعاون الذي قد يفتح المجال نحو تعاون إستراتيجي وأمني وتكنولوجي أعمق ولمواجهة جماعات إيران، وتساعد في الوقت نفسه على تخفيف المشاكل التي جرتها على نفسها من خلال القرارات المتهورة.