المشهد اليمني الأول/
من بغداد إلى بيروت إلى طهران مشروع تدميري واحد يستغل أوجاع الناس وهمومهم واحتياجاتهم، إنها جائحة العدوان الجديد الذي تشنه دول الاستكبار العالمي على الدول والأنظمة التي عجزت عن كسرها وإخضاعها، لخلخلتها وتدميرها من الداخل دون أن تحرك جيشاً أو أسطولاً عسكرياً، ليس مستبعداً أن هذا المشروع التدميري جاء تعويضاً لواشنطن وأدواتها الخليجية عن هزيمتهم الكبيرة في اليمن.
تدرك واشنطن جيداً أنها أعجز من أن تسقط هذه الدول، ولكنها تنظر إلى أقل ما يمكن تحقيقه بالاستفادة من حالة الفوضى والإنهاك تحت عناوين الحرية والديمقراطية، ومواصلة ما بدأته في العام 2011 بما سمي حينها الربيع العربي، وبالتزامن مع ما يتعرض له محور المقاومة والممانعة تركض واشنطن وأبواقها العربية وماكينتها الإعلامية الكبيرة لجر الشارع اليمني إلى المشروع نفسه، بغية تحقيق بعض مما فشلت «عاصفة الحزم» في تحقيقه بالحديد والنار.
هذا المشروع يمضي على استراتيجيات أمريكية ومراكز دراسات اشتغلت كثيراً على هذا الملف، ومنها ما كتبه الباحث الأمريكي «جين شارب» الذي يقول في كتابه «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية»: إن الثورات العنيفة غالبا ما تواجه بممارسات قمع وحشية تقتل ما تبقى من أمل لدى الناس، والقول الشائع لا تأتي الحرية مجانا، هو قول صحيح، حيث إنه لا توجد قوة خارجية تمنح الشعوب المضطهدة الحرية التي تطمح إليها، وعلى الناس أن يتعلموا كيف يحصلون على تلك الحرية بأنفسهم، وهذا لن يكون سهلاً».
أما البروفيسور ماكس مانوارينج، خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية، فقال في إحدى المحاضرات التي قدمها أمام ضباط كبار في حلف الناتو: «ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم، أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو الإنهاك والتآكل البطيء، ولكن بثبات، والهدف هو إرغام العدو على الرضوخ لإرادتك».
ويضيف ماكس حرفياً: «الهدف زعزعة الاستقرار، وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة (العدو) لخلق الدولة الفاشلة، ما يهدد فكرة سيادة الدولة (العدو) هو التحكم بإقليم خارج سيطرة الدولة تتحكم به مجموعات غير خاضعة للدولة، محاربة وعنيفة وشريرة، وهنا نستطيع التحكم، وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء، وباستخدام مواطني دولة العدو، فسوف يستيقظ عدوك ميتاً».
لن تكون اليمن بعيدة عن هذه الحرب، فالمتابع لوسائل إعلام العدوان ووسائل التواصل الاجتماعي يرى بوضوح أن حملات منظمة ومكثفة تحمل وسم «صنعاء تنتفض»، تهدف إلى جر الشعب اليمني الصامد إلى مربع الفوضى، في محاولة يائسة سبق أن جربتها دول العدوان على بلادنا في أكثر من محطة، كان قادتها ورموزها الطابور الخامس في صنعاء الذين قادوا أكثر من محاولة فاشلة، وآخر تلك المحاولات ما قام به أزلام فتنة ديسمبر التي انتهت بتهشيم رؤوس المنتفضين وزعيمهم الذي دعا التحالف للدخول إلى صنعاء بعد أن كان قد قطع طرق الإمداد للجبهات، فهل هذه المحطات كافية لأخذ العبرة، ومعرفة أن من واجه الحرب الصلبة وكسر بصموده الطيران والبوارج والقنابل، سيواجه كل أشكال الحرب الجديدة والقادمة بالوعي والمعرفة.
بقلم/ عبد الحافظ معجب