المشهد اليمني الأول/
تشهد الساحات المختلفة للبلدان الحاضنة للمقاومة هجمة جديدة من الثورات الملونة، والتي تستغل الأوضاع الثورية وتستبق الثورات الحقيقية بثورات مخططة ومنظمة من قبل استخبارات غربية، تقود هذه الثورات لبوصلة مصالح الغرب الاستعماري بدقة.
وما عرف بـ”الربيع العربي”، كان نموذجا لهذا التوجيه، حيث رعا الاعلام الغربي والخليجي حركات واسماء بعينها باعتبارها قيادات الثورات، وقدمت المبادرات الدولية والخليجية لتوجيه مآلات هذه الثورات لأركان ضيقة بعينها، حتى تؤول الأمور في النهاية لصالح الغرب الاستعماري وبعيدا عن مرمى حركات المقاومة والتحرر الوطني.
واليوم ليس مصادفة ان نشهد موجة ربيعية جديدة تستغل سوء الاوضاع لأسباب متفاوتة الا انها متفقة في وقوف الغرب ورائها، اما بسبب الحصار على المقاومة، واما بسبب رعاية الغرب للفاسدين وتمكينهم من السلطة، وهو ما يقود في الحالتين لأوضاع ثورية حقيقية، يتم استغلالها استعماريا، باتجاه الفوضى وباتجاه تمكين ذوي الولاء الغربي.
الهدف الرئيسي الاستعماري هو حصار المقاومة وابعادها عن السلطة وفقا لنغمات مختلفة، تارة باسم الارهاب، وتارة باسم الديمقراطية والقضاء على الطائفية، رغم ان الغرب هو من كرس الطائفية واستخدمها سلاحا للتفتيت.
والمتابع للشأن اليمني يرى ان بدايات ثورة 2011 شهدت هذا النوع من التوجيه الملون، وخفتت ضغوط الغرب بعد المبادرة الخليجية التي رسخت لاستلام هادي للحكم، وكأن الحال يقول، ان الغرب اكتفى بذلك، ولكن ولأن احرار اليمن لم يرتضوا بهذه النتيجة التي اهدرت اشواق الثورة واشواق الثوار الحقيقيون، فإن الموجة اللاحقة من الاستهداف الغربي، كشفت خبايا الموجة الاولى، حيث سعت لتكريس حكم هادي بالقوة، وكأن الحال يقول ان الهدف هو حكومة كهذه والا الخراب والفوضى والدمار!
لماذا لم يترك الخيار لليمنيين ليرتبوا اوضاعهم، ولماذا التخل الاستعماري ذو الواجهة السعودية التي تشكل بتحالفها حصان طروادة الاستعماري، ولماذا الدعم لتيارات بعينها والحرب على تيارات بعينها هي بالمصادفة تيارات المقاومة؟
ان الامور جلية وواضحة لكل ذي بصر وليس بالضرورة بصيرة، وان اهداف الاستعمار مكشوفة وواضحة، ولا يضر مع وضوحها ان نسوق تساؤلات مثل: لماذا لا تقوم ثورات جديدة في بلاد تابعة لامريكا وخالية من حركات مقاومة فاعلة؟ لماذا الاحتجاجات قاصرة على العراق ولبنان وايران ولماذا الاستهداف الدموي مستمر في سوريا واليمن؟ ولماذا الاستهداف مستمرا لفنزويلا وبوليفيا واصابع الاستعمار تتحرك في هونج كونج؟
ان ما لا يناله الاستعمار بالثورات الملونة يحاول ان يناله بالاستهداف العسكري والتكفيري وفقا لظروف كل بلد ووفقا لتقدير القوة العسكرية، ثم يعاود الاستعمار الكرة عند فشله عسكريا، ليحاول نيل اغراضه عبر ثورات ملونة جديدة او ترتيبات سياسية معدة بعناية بغرض التقسيم او التمكين لحكومات عميلة.
لقد فوجئ الاستعمار بقوة اليمن وصمودها وبأنها ليست لقمة سائغة، وفوجئ بحنكة المقاومة وصلابتها، واليوم يحاول وضع ترتيبات سياسية بغرض التقسيم او التمكين لحكومات عميلة تحقق ما فشل العدوان العسكري الغاشم في تحقيقه في السنوات الأربعة الماضية.
ان المطروح اليوم على احرار اليمن هو المقاومة السياسية الى جانب المقاومة العسكرية، والوعي الشعبي الى جانب الصمود الوطني.
وهذه الموجة السياسية الجديدة والتي لا تقل دناءة ولا خطورة عن الموجة العسكرية، لن تحقق اغراضها اذا ما التزمت الشعوب بثقافة المقاومة، والتي هي ثقافة شاملة لما هو عسكري وما هو ثقافي وسياسي، وهي ثقافة تشمل كما ثقافة الميدان، ثقافة الوعي والفطنة.
(إيهاب شوقي – كاتب مصري)