المشهد اليمني الأول/
يسود تقدير في صنعاء بأن السفن الثلاث التي احتُجزت يوم السبت الماضي قبالة الحديدة كانت في مهمّة استكشاف للنفط اليمني، بموجب اتفاقية موقّعة بين السعودية وكوريا الجنوبية، وهو ما يجعل الاحتجاز «مشروعاً تماماً» كما تقول «أنصار الله»
صنعاء | لم تكن القطع البحرية الثلاث (إحداها سعودية)، التي احتجزتها قوات خفر السواحل التابعة لوزارة الداخلية في صنعاء، قبالة ميناء الصليف في الحديدة، في نزهة، بل كانت في مهمة استكشاف النفط البحري في المياه الإقليمية لدولة ذات سيادة، وفي منطقة غنية بالنفط والغاز، وفق التقارير الرسمية. إذ تشير تلك التقارير إلى أن شركة «براكلا وديلمان» (من ألمانيا الغربية) سبق أن قامت بتنفيذ بعض الأعمال الاستكشافية في المنطقة المذكورة ما بين خمسينيات القرن الماضي وستينياته.
كما تشير إلى أعمال أخرى مماثلة قامت بها شركات أميركية خلال العقود الماضية في المياه الإقليمية اليمنية، ومنها شركة «جون ميكوم» التي نفذت استكشافاً في الساحل الغربي للبحر الأحمر، وكشفت عن وجود النفط بكميات كبيرة على بعد 10 آلاف كلم مربع من السهل الساحلي اليمني، الذي يمتدّ من أقصى الشمال حتى مدينة المخا جنوباً، وبعرض قدره 60 ميلاً في اليابسة و12ميلاً في المنطقة المائية. نتائج تلك المسوحات تفسّر بعضاً من خلفيات الاهتمام السعودي بثروات اليمن السيادية في البحر الأحمر، والذي وصل أخيراً إلى حدود مستفزة ومخالفة للقوانين المحلية والدولية، مثلما أظهرته حادثة السبت الماضي.
وعلى هذا الأساس، بادرت قوات خفر السواحل اليمني إلى ضبط السفن الثلاث المخالفة، وسحبها مع طواقمها إلى رصيف ميناء الصليف، واتخاذ الخطوات القانونية في شأنها، وذلك بعدما امتنعت طواقمها عن الاستجابة لنداءات القوات اليمنية.
مصادر عسكرية في الحديدة نفت ما ادّعته وسائل الإعلام التابعة لـ«التحالف» من أن السفن الثلاث كانت في طريقها من ميناء جيزان السعودي إلى ميناء بربرة في الصومال، وأكدت أن السفن ضُبطت أثناء قيامها بمهام معادية في المياه الإقليمية اليمنية، فيما سخر مصدر أمني في صنعاء من محاولات العدوان تصوير الأمر على أنه اختطاف أو قرصنة بحرية أو عمل إرهابي، مؤكداً أن عملية الاحتجاز تمّت وفق القوانين المتبعة. وكانت السعودية، منذ اللحظات الأولى للإعلان عن ضبط السفن الثلاث، قد حاولت إبعاد نفسها من المشهد، متهمة «أنصار الله» باحتجاز سفن كورية، بهدف الإيحاء بما يهدد سلامة الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
إلا أن الرد جاء سريعاً من صنعاء، على لسان عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، الذي طمأن إلى أن «قوات خفر السواحل اليمنية تقوم بمهمّتها في التأكد (مما إذا كانت السفن) تتبع دول العدوان أو أنها لدولة كوريا الجنوبية، وإذا كانت لدولة كوريا فسيتم الإفراج عنها بعد استكمال الإجراءات القانونية، كأيّ حالة مشابهة وجدت في المياه الإقليمية اليمنية».
لكن يوم أمس، تحدّث مجلس الوزراء السعودي عن احتجاز القاطرة البحرية السعودية «رابغ 3» فقط، ووصف ما حدث لها بأنه عملية «خطف وسطو مسلح»، من دون أن يذكر السفن الكورية الجنوبية ولا الحفار النفطي البحري الذي كان يقوم بمهمة غير قانونية لمصلحة الرياض، بموجب اتفاقات تم توقيعها بين البلدين خلال زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لكوريا الجنوبية في شهر حزيران/ يونيو الماضي. وعلى الرغم من تورط السفن الكورية في انتهاك القوانين، إلا أن صنعاء أبدت مرونة في التعامل معها، مُعلِنةً أنه سيتم الإفراج عنها وعن طواقمها فور انتهاء التحقيقات.
على الرغم من تورّط السفن الكوريّة، إلا أن صنعاء أبدت مرونة في التعامل معها
الخبير في الجغرافيا السياسية في صنعاء، أنيس الأصبحي، أكد أن السفن الثلاث كانت في مهمة التنقيب عن النفط والغاز في أحد القطاعات البحرية اليمنية الغنية بالثروات والمعادن في مخالفة للقانون الدولي، لافتاً إلى أن من بين القطع التي تم ضبطها على بعد 3 أميال فقط من الساحل اليمني سفينة لكوريا الجنوبية تحمل حفاراً نفطياً، وهي بذلك تخالف القانون العام للبحار والمرور البريء كما عرّفته الفقرة الأولى من المادة 19 من اتفاقية 1982، بأنه المرور الذي لا يضرّ بسلم الدولة الساحلية أو بحسن نظامها أو بأمنها.
وبناءً عليه، أشارت الفقرة الثانية من المادة المذكورة إلى أن مرور السفن الأجنبية يكون ضارّاً إذا قامت السفينة عند مرورها في البحر الإقليمي بأيّ تهديد باستعمال القوة أو استعمالها فعلاً ضد سيادة الدولة الساحلية أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأيّ صورة تشكل انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي الثابتة في ميثاق الأمم المتحدة، وبأيّ أنشطة متعلقة بالبحث أو المسح، وبأيّ نشاط آخر ليس له علاقة مباشرة بالمرور. وتأتي تلك التطورات في وقت يتواصل فيه حديث القلق الإسرائيلي من الأوضاع في اليمن، وخصوصاً في أعقاب رسالة التهديد التي وجّهها زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في آخر كلمة له، إلى الكيان العبري. وهو ما يجعل صنعاء متنبّهة إلى إمكانية ضلوع تل أبيب في أيّ تطور نوعي في مسار الحرب المستمرة منذ ما يزيد على أربع سنوات.
إلى ذلك، ذكرت وسائل إعلام كورية جنوبية، أمس، أن وزير الدفاع، جونغ كيونغ، وصل إلى الرياض للاجتماع بكبار المسؤولين هناك، ومناقشة سبل تطوير التعاون الثنائي في مجال الدفاع. وعلى الرغم من أن البعض ربط الخطوة بعملية احتجاز السفن، إلا أن الزيارة التي ستستمرّ خمسة أيام مخطّط لها مسبقاً، وهي تأتي رداً على زيارة ابن سلمان قبل أشهر. وتعليقاً على الأنباء عن اعتزام كوريا الجنوبية إرسال مدمّرة إلى موقع احتجاز السفينتين التابعتين لها، من المتوقع أن تصل غداً الخميس، قال مصدر عسكري في صنعاء إن «السلطات اليمنية سوف تتعامل مع الموقف فور حدوثه».
(تقرير – رشيد الحداد)