المشهد اليمني الأول/
يسود الهدوء جبهات ما وراء الحدود بين السعودية واليمن، توازياً مع تراجع الغارات على عدد من المحافظات اليمنية وعلى رأسها العاصمة صنعاء خلال الفترة الماضية، بل وتوقفها بشكل كلّي منذ أربعة أيام. هذه التهدئة الميدانية، التي عدّها المبعوث الأممي مارتن جريفيث خلال لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض قبل أيام مدخلاً ملائماً لإحلال السلام الشامل في البلاد، انعكست خفوتاً في حدّة التهديدات المتبادلة، وولّدت نوعاً من التهدئة الإعلامية.
حتى خطاب زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، أواخر الأسبوع الفائت، عُدّ خطاب تهدئة، على رغم أنه حذّر من أن «استمرار العدوان يعني أن نستمرّ في تطوير قدراتنا العسكرية، وتوجيه أقسى الضربات كحق مشروع».
وفي وقت تستمرّ فيه المفاوضات السرية بين قيادات عسكرية يمنية وأخرى سعودية عبر دائرة تلفزيونية مغلقة منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يخوض وفد صنعاء التفاوضي المتواجد في سلطنة عمان مشاورات مكثّفة مماثلة قد تفضي إلى عقد جولة جديدة من المباحثات بين الأطراف اليمنية خلال الفترة المقبلة.
ووفقاً لمصادر سياسية في صنعاء، فإن السعودية تبدو هذه المرة أكثر جدية مما كانت عليه في أيّ وقت مضى، وذلك بعد تعرّضها لضربة موجعة مطلع أيلول/ سبتمبر الفائت طاولت مصفاتَي بقيق وخريص التابعتين لشركة «أرامكو»، وتكبّد قواتها خسائر فادحة على يد الجيش اليمني واللجان الشعبية في جبهات الحدّ الجنوبي، وتحديداً جبهتَي نجران وجيزان. وتلفت المصادر إلى أن العمليات العسكرية الأخيرة دفعت الرياض إلى إعادة حساباتها، وتكليف نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، الذي تسلّم أخيراً إدارة ملف اليمن في الديوان الملكي، البحث عن مخرج يُجنّب المملكة المزيد من الضربات.
من جهته، يتحدث مصدر سياسي في عدن عن «جهود حثيثة تبذلها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والرباعية الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) لوقف الحرب في اليمن بشكل كامل، والبدء بالترتيب لتسوية سياسية من خلال مفاوضات تنعقد نهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل». ويعتبر المصدر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن بدء حديث المسؤولين السعوديين والإماراتيين عن «مكافحة الإرهاب» كأولوية تتقدم على ما عداها إنما يعكس رغبة الولايات المتحدة.
في خضمّ ذلك، بدت لافتة زيارة خالد بن سلمان، ومعه السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، إلى سلطنة عُمان، التي عُرفت بموقفها المحايد من الصراع في اليمن، ودعوتها إلى إحلال السلام وإنهاء الحرب والحصار.
الزيارة التي استمرّت يومين، بدءاً من الإثنين الماضي، تخلّلها لقاء مع السلطان قابوس بن سعيد، وأعقبها بيان للخارجية العمانية رحّب بـ«جهود السعودية في التوصل إلى اتفاق الرياض بين بعض الأطراف اليمنية»، آملاً أن «يمهد ذلك للوصول إلى تسوية سياسية شاملة، تُنهي الأزمة الحالية في اليمن».
ويدرج مراقبون زيارة ابن سلمان إلى مسقط في إطار البحث عن دور عماني فاعل يساعد المملكة على الخروج من المستنقع اليمني بماء وجهها، خصوصاً وأن خالد كان له دور محوري في «اتفاق الرياض» الموقّع بين حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي و«المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات، والذي تتحدث التسريبات عن ميل السعودية إلى تحقيق ما يشابهه بين طرفي الصراع على مستوى اليمن ككلّ.
حكومة هادي، التي تبدو ممتعضة من المشاورات الدائرة حالياً وإمكانية إسفارها عن تطورات إيجابية في ما يتصل بهدف إنهاء الحرب، ردّت على الهدوء الذي ساد جبهات الحدود اليمنية – السعودية بتصعيد الأوضاع عسكرياً في جبهة المتون في محافظة الجوف خلال الأيام الماضية.
وهو ردٌّ ترافق مع مواقف سياسية في الاتجاه نفسه، مثلما جاء في حديث الرئيس المنتهية ولايته خلال لقائه سفراء مجموعة العشرين المعتمدين في اليمن الأحد الماضي، حيث اعتبر «اتفاق الرياض» فرصة للتصعيد العسكري بوجه صنعاء. مع ذلك، خضعت حكومة هادي لضغوط سعودية في شأن حلّ أزمة السفن المحتجزة، بمنحها أول من أمس عدداً من السفن تصاريح دخول إلى ميناء الحديدة.
وعلى رغم نفي «أنصار الله» وجود أيّ مشاورات مباشرة حتى الآن مع الجانب السعودي، إلا أن النشطاء المقربين من فريق «الشرعية» يتوجّسون من احتمال التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، معتبرين ظهور الدبلوماسية اليمنية المناهضة لـ«التحالف»، أمة العليم السوسوة، أخيراً، مؤشراً إلى تلك الاحتمالات.
(رشيد الحداد – الأخبار)