المشهد اليمني الأول/
في وقت تفيد فيه المعلومات عن حماسة سعودية للاستفادة من اتفاق جدة للتصعيد الميداني بوجه صنعاء، يبدو أن الاتفاق لا يزال متعثراً. إذ ثمة أزمة ثقة بين حكومة عبد ربه منصور هادي و«الانتقالي»، وصلت إلى حدّ الاستنفار العسكري على الأرض، ما ينذر بتجدّد الاشتباكات بين وكلاء السعودية والإمارات في أيّ لحظة
بالتوازي مع تأجيل التوقيع، أول من أمس، وللمرة الثالثة، على اتفاق جدة بين «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي للإمارات، وحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، تمضي الأوضاع على الأرض في محافظات أبين وشبوة وسقطرى نحو التصعيد العسكري.
وبينما تواصل الرياض إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى مدينة عدن التي أصبحت تديرها أمنياً وعسكرياً منذ أسابيع، يواصل «الانتقالي» وحكومة هادي حشد المزيد من القوات إلى أبين وشبوة استعداداً لمعركة فاصلة، وليس لسلام دائم بينهما برعاية السعودية. وعلى مدى الأيام الماضية، ارتفعت حالة التوتر بين الطرفين في كلّ من محافظتَي أبين وسقطرى إلى مستويات تنذر بتفجر الأوضاع عسكرياً على نطاق واسع، قبل اتفاق جدة المؤجل أو بعده، في ظلّ أزمة الثقة الكبرى التي يعيشها الطرفان على الأرض.
فكلّما اقترب الإعلان عن موعد الاتفاق، تصاعدت الأوضاع عسكرياً في المحافظات الجنوبية. وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، تم رصد تحركات عسكرية كبيرة في شبوة، بتوجيه من وزير داخلية حكومة هادي، أحمد الميسري، الذي عاد برفقة وزير النقل في الحكومة نفسها صالح الجبواني، السبت الماضي.
وقد عبّر الوزيران عن رفضهما الصريح لاتفاق جدة الذي رعته المملكة. وأكد الميسري أن أيّ اتفاق يمنح «الانتقالي» وميليشياته التي أنفقت عليها الإمارات خلال السنوات الماضية 48 مليار ريال سعودي المشاركة في الحكم، ويضع الجنوب تحت تصرّف السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، مرفوض ولا يعبّر عن تطلعات الشعب اليمني.
ودعا من شبوة، الأحد الماضي، إلى التصعيد العسكري واستعادة عدن من ميليشيات «الانتقالي» بالقوة. يضاف إلى ذلك، بدء قيادات عسكرية موالية لهادي، فرّت من عدن مطلع آب/ أغسطس الماضي، بتجميع قواتها استعداداً للعودة إلى المدينة، وهي الخطوة التي وصفها محسوبون على «الانتقالي» بالانقلاب المسبق على الاتفاق، ومؤشراً إلى عدم امتلاك حكومة هادي قرارها.
محاولات التوقيع على الاتفاق في الرياض تصطدم بين فترة وأخرى بشروط جديدة، بعضها تعجيزي تضعه حكومة هادي، وهو ما يضاعف الشكوك لدى «الانتقالي» الذي بدا كأنه يبحث عن راع جديد عوضاً عن الإمارات التي لا تزال تقف إلى جانبه في المفاوضات. إلا أن بدء الرياض بدمج قواته ضمن قوات حكومة هادي في عدن أثار مخاوفه من تفكيك ميليشياته وإضعافه عسكرياً على الأرض.
ووفقاً لمصادر محلية في عدن، فإن لجنة عسكرية سعودية تجري لقاءات متواصلة مع قيادات عسكرية موالية للإمارات وأخرى موالية لهادي لدمج قوات «الانتقالي» بشكل كلي ضمن قوات هادي. ومع ذلك، ثمة توجس لدى «الانتقالي» من أيّ خطوات تنفيذية للهيكلة التي تقوم بها الرياض، بالإضافة إلى أن حكومة هادي وضعت شروطاً جديدة أمام «الانتقالي» تقضي بسرعة إخراج «الأحزمة الأمنية» التي تسلّمت الرياض قيادتها في عدن من أبو ظبي أخيراً.
محاولات «التحالف» وقف تداعيات الاشتباكات بين حلفائه تُعدّ مجرّد مهدّئات
التنافر بين الطرفين بدا واضحاً في أبين وسقطرى في الآونة الأخيرة. فبينما يتجه «الانتقالي» إلى التصعيد في سقطرى تنفيذاً لتوجيهات إماراتية، هاجمت قوات موالية لهادي أول من أمس نقاطاً عسكرية تابعة لـ«الانتقالي» عند مشارف مدينة أحور، إحدى مدن أبين الرئيسية، وخاضت مواجهات عنيفة مع «الانتقالي» وسيطرت على المدينة بالقوة. تلك المواجهات التي تُعدّ الأوسع منذ إعلان تحالف العدوان أواخر آب/ أغسطس الماضي عن هدنة بين الطرفين وتوجيه قواتهما بعدم التصعيد، عدّها مراقبون نتيجة لرفض تيار الجنرال علي محسن الأحمر، نائب هادي، مُمثّلاً بالوزيرين الميسري والجبواني، لاتفاق جدة.
التصعيد العسكري الذي شهدته مدينة أحور في محافظة أبين، والتي سقطت عسكرياً الخميس تحت سيطرة قوات موالية لهادي، أثار مخاوف «الانتقالي» من هجوم محتمل على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين شرقي مدينة عدن، ومدينة جعار في المحافظة ذاتها.
ووفقاً لمصادر محلية تحدثت إلى «الأخبار»، فإن «الانتقالي» في أبين وجّه قوات «الحزام الأمني» التابعة له و«اللواء الثامن صاعقة» الموالي للإمارات والموجود في محيط المدينة برفع حالة الاستعداد القتالي الكامل لمواجهة أيّ هجوم محتمل من قِبَل قوات موالية لهادي تساندها ميليشيات «الإصلاح». وفي أول ردّ فعل، توعّد نائب رئيس «الانتقالي»، هاني بن بريك، برد قاس على محاولة استغلال الهدنة لتحقيق مكاسب على الأرض. وعلى الرغم من إعلان الإمارات، الثلاثاء، الانسحاب من مدينة عدن، فإنها هدّدت بقصف قوات هادي المسنودة بمسلحي «الإصلاح» عقب سيطرتها على مديرية أحور إذا لم تنسحب بشكل فوري.
ووفقاً لمصادر عسكرية مقربة من حكومة هادي، فإن الإمارات هدّدت بقصف قوات هادي وأمهلتها 24 ساعة للانسحاب من مدينة أحور. وتحت ضغوط من قِبَل قيادة عمليات «التحالف» في الرياض، انسحبت أمس الجمعة قوات هادي إلى مشارف المدينة وحلّت محلها قوات أمنية محلية.
محاولات الرياض وقف تداعيات الاشتباكات المسلحة بين «الانتقالي» وحكومة هادي على الأرض في أبين، ووقف التصعيد في سقطرى، يراها مراقبون مجرد مهدّئات لن تصمد طويلاً، في ظلّ الاستعداد القتالي لطرفَي القتال في أبين بشكل خاص، والتعزيزات الكبيرة والمتواصلة التي يدفع بها الجنرال الأحمر، الرافض لأيّ اتفاق مع مَن يصفهم بـ«الانفصاليين».
خطة سعودية للتصعيد
تخطط الرياض التي تسلّمت قيادة «التحالف» في عدن والساحل الغربي لفتح جبهات غير مشتركة، على رغم اعتزامها، وفق اتفاق جدة، هيكلة قوات «الانتقالي» ودمجها في إطار قوات حكومة هادي. ووفقاً لمصدر عسكري في المخا، فإن السعودية أعدّت، خلال الأشهر الماضية، بعد توحيد قيادة الساحل الغربي بمشاركة قيادات إماراتية، خطة تصعيد عسكرية جديدة، وفتحت غرفة عمليات توجد فيها 10 قيادات أجنبية (لم تكشف المصادر جنسيتهم).
وبحسب المصادر، فإن الرياض تتّجه إلى نقل مختلف القوات الموالية للإمارات، وتحديداً ألوية الدعم والإسناد، إلى جبهات الضالع للتصعيد ضد «أنصار الله»، بالإضافة إلى سحب ألوية عسكرية من «العمالقة» الجنوبية التي تم نقلها من الساحل الغربي الشهر الماضي إلى محافظة أبين لمواجهة قوات هادي. وسيتم نقل تلك الألوية إلى لحج، وتكليفها بفتح جبهات جديدة من المسيمير باتجاه مديرية ماوية غربي تعز.
يضاف إلى ذلك نقل ألوية أخرى في عدن إلى الضالع وفتح جبهة الأزارق والتصعيد فيها باتجاه تعز، توازياً مع تصعيد مماثل من قِبَل ألوية تابعة لطارق صالح وألوية سلفية في جبهة الحجرية بهدف حسم معركة تعز. الخطة السعودية تتضمن أيضاً تفريق القوات الموجودة في أبين والتابعة لطرفَي الصراع، وتوجيهها للتصعيد عسكرياً في جبهتَي ثرة ومكيراس، وفتح جبهات من اتجاه مديرية المصنيعة في محافظة البيضاء.
(رشيد الحداد – الأخبار)