المشهد اليمني الأول/
جاء في فنِّ الحربِ أن “الحربَ مجموعةُ عناصرَ أهمُّها: المعنويات، إرادة القتال وإرادة الصمود، ثم هي بعد ذلك تفوّقٌ عملي وميداني في الأرض”..
من هنا يمكن القول: إن عملية نصر من الله هي ثمرةُ إرادة القتال والإِيمان والصمود اليمني في رِكاب سيد الحكمة والبأس القائد عبدِالملك بدر الدين الحوثي قائد معركة التحرّر الوطني وسِر انتصارات اليمنيين في خمس سنوات من المواجهة مع قوى الطاغوت..
العمليةُ تحكي تكريسَ السيد عَبدالملك الحوثي نموذجاً فريداً في فنونِ القيادة وبزخم متصاعد يشهد اليمن والعالم حكمة قائدهم جلية ومعها تدورُ عجلة استراتيجية يمانية فذة..
ترتيباتُ إخراج العملية للإعلام وقبل ذلك التوثيق الميداني الشامل لها أظهر تكتيكاً احترافياً دوّخ بروباغاندا قوى العدوان واستنفد بذكاء ما في جُعبة تشكيكاتهم، وفي ذلك ما سيؤثرُ على الجبهة الداخلية للعدوّ بصدم مشاعرها الجمعية واستدراج سلوكها لمربع الشك على طريق اليأس فالهزيمة..
العملية أَيْـضاً في هذا السياق تثبيتٌ آخر للتركيبة النفسية الصلبة للشعب اليمني المتعلق بالله وَالواثق بنصره وتأييده ثم حكمة السيد القائد عَبدالملك بدر الدين الحوثي..
هل يمكننا أن نعد العملية تلويحاً عملياً باجتياح نجران؟ سؤالٌ برسم قوى العدوان؟
فهي معنيةٌ أكثرَ بالإجابة عن ذلك مع الأخذ بعينِ الاعتبارِ أن هذه العمليةَ مع وصفها بالكبرى لا تكشفُ إلا جزءاً ضئيلاً من قدرات مجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة _من الناحيتين الكميّة والنوعيّة_ الذين نفّذوا العملية من موقع المتفوق استخبارياً وَفي ظل افتقار قوات العدوان للمعلومات الاستخبارية التي كان من شأنها أن تثبِّطَ عمليات قوات المجاهدين وتشتِّتَها كما يرى الخبراء العسكريون..
نجاحُ المجاهدين في إدارة المواجهة في مسرح عمليات أكثر سهولة بالنسبة لقوى العدوان من المسرح الذي جرى نقل المواجهات إليه عقب عملية نصر من الله، سيمنح الجيش واللجان الشعبيّة مدىً واسعاً لقواعد الاشتباك وَاتّباع تكتيكات متنوعة في تنفيذ العمليات، وهذا عاملٌ يسهمُ في إضافةِ مآزقَ جديدةٍ لخرائط العدوان ومرتزِقته..
أضف إلى ما سبق أن التحامَ المجاهدين بشكل مباشر مع تشكيلات العدوّ حقّق تحييدَ جدوائية الطيران الحربي المعادي الذي لجأ في نهاية الأمر إلى استهداف عناصره، وهو ما يعني أن قواتِ العدوان لم تجد نفسَها بتاتاً تقاتِلُ دون غطاء جوي، بل وجدت نفسها طرائدَ لعبقرية مجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة.. وهذه العبقريةُ متصلة بشكل أَو بآخرَ بعبقرية الإنجاز الجماعي المتكامل بقيادة عليا فذة اختارت التوقيتَ وصنعت الانسجامَ في التخطيط والتنفيذ، وصولاً للنتائج وتحقيقاً للأهداف، وهذا هو الكابوسُ المرعِبُ بالنسبة للعدوّ..
أما حين نعرفُ أن عملية محور نجران نُفِّذت قبلَ عمليتَي توازن الردع الأولى وَالثانية فيمكنُنا أن نثيرَ تساؤلاتٍ ولكن من زاوية السياسة..، هل لا تزال الاتصالات السياسية عند النقطة نفسها؟ ما نوع مطالب قوى العدوان راهناً؟ ما هو سقفُ التنازلات الذي ستلتزمُه؟ وأياً تكن الإجاباتُ فإن المؤكّـدَ هو أن الوقت لم يعد لصالح قوى العدوان مجتمعةً وهي في مأزق لن يفككَه إلا إعدادُ جدولِ أعمال تسوية حقيقية وبأسرع ما يمكنُ أن يقلّلَ من حتمية احتراق بقية الأوراق على الطاولة..
(تقرير – عبدُالحميد الغرباني)