المشهد اليمني الأول/
يبدو الوضع اليمني وكأنه ينتظر شيئا قدريا لانهاء العدوان واعادة الاستقرار والبناء والاعمار، ويبدو ان هذا الانتظار هو من طرف واحد وهو طرف العدوان، بينما حسمت المقاومة خيارها وهو عدم التنازل عن الثوابت والسيادة والاستقلال الوطني.
وعندما نتحدث عن طرف العدوان، فإننا نعني معسكره، الذي يشمل امريكا والعدو الاسرائيلي ومن يتصدرون الواجهة باسم التحالف وهم السعودية والامارات ومن سار في ركابهم من مرتزقة الانظمة ومرتزقة الميدان.
وعندما نتحدث عما ينتظره هذا المعسكر، فإن الشواهد التي تدعمها تقارير، كما تدعمها توصيات مراكز بحثية امريكية تفيد بأن العدوان لا يريد لليمن الخروج منتصرا، وهذا الانتصار يتمثل في خروج المقاومة تحديدا منتصرة ولها سيطرة على الاوضاع، كما يبدو التفاوض بالقطعة على الملف اليمني غير كاف، فالعدوان يريد سلة تفاوضية على الوضع الاقليمي، حيث يرى العدوان ان المقاومة اليمنية تابعة لايران وبالتالي، فإن التفاوض مؤجل حتى تتوفر فرص التفاوض مع ايران، وبالتالي تتم مقايضة الملفات وتتم موازنة التسويات في جبهات مختلفة في العراق ولبنان وسوريا.
وهنا ينبغي ان نقول لمعسكر العدوان، ان حساباته خاطئة، لسببين هامين:
الاول: ان المقاومة ليست تابعة، حتى لو كان هناك وحدة في الاهداف ودعم معنوي، وحتى لو وصل الدعم لأن يكون عسكريا، فستظل مستقلة وقرارها بيدها.
الثاني: ان التفاوض لا يكون على المبادئ والقيم والثوابت، وبالتالي فحتى لو كانت المفاوضات مع اليمن مرتبطة بالتفاوض مع ايران، فلن يخرج معسكر العدوان بتنازلات من المقاومة تتعلق بالثوابت وعلى رأسها الاستقلال الوطني وعدم التفريط في القضية الفلسطينية، وعدم الاعتراف بالعدو الصهيوني، وعدم الخضوع لترتيبات استراتيجية تجعل من اليمن بموقعها الاستراتيجي خادما للأمن الاسرائيلي وخنجرا في خاصرة الامن القومي العربي بمعناه الحقيقي، لا بمعناه الزائف الذي يردده معسكر العدوان ومن سار في ركابهم.
كما يبدو وان معسكر العدوان يراهن على تغير الاوضاع على الارض، وخلق امر واقع بتقسيم اليمن، وبالتالي اخضاع التفاوض لملفات مركبة، منها ما هو تفاوض خارجي ومنها ما هو تفاوض داخلي، ومحاولة حشر المقاومة بين سندان الداخل والخارج.
وهنا نقول للشعب اليمني ولمعسكر العدوان امرين:
الاول: ان كرة الوحدة الداخلية في ملعب الشعب اليمني لتفويت الفرصة على التقسيم، الذي سيخلق وضعا كارثيا يحول دون استعادة اليمن لعافيته، لأنه سيقسم ارادة الشعب وليس جغرافية اليمن وثرواتها فقط، كما سيقسم المشروع اليمني الساعي للحرية والاستقلال والنهضة، الى مشاريع متنافسة ومتحاربة.
الثاني: ان المقاومة متمسكة بخياراتها، ولن تسمح بأن يتم اخذ ما رفضته بالحرب عن طريق التفاوض.
الأهم من ذلك كله، ان المفاوضات والتسوية اصبحت من مصلحة معسكر العدوان بعد تطوير المقاومة ادواتها لايلام العدو، ولا زالت مفاجآتها الاستراتيجية في الادراج، وفرص خروج العدوان ببقايا ماء للوجه، الان، افضل من فرص خروجه مهزوما مكللا بالعار دون قطرة واحدة من هذا الماء.
على العدوان ومخططيه ومنظريه ان يفطنوا لهذه الحقائق، وان يستعيدوا من ذاكرتهم الاستراتيجية القريبة ذكرى فيتنام التي انسحبت منها امريكا مذمومة مدحورة وشكلت حربها عقدة نفسية عرفت بـ “متلازمة فيتنام”، وان يتذكروا ان فيتنام توحدت شمالها وجنوبها بعد هزيمة امريكا بعامين فقط، فإن كانت النوايا الاستعمارية هي ذات نوايا الاستعمار وسياسة الاحتواء، فإن المقاومة اليمنية دوافعها اعلى واقوى من دوافع فيتنام ذاتها!
(إيهاب شوقي – كاتب من مصر)