المشهد اليمني الأول/
بعد أن فرغ جورج دبليو بوش من نشر الديموقراطية حول العالم بأبهى حُللها عبر طائرات B52، وتَدحرُج مكانة الولايات المتحدة أخلاقياً واقتصادياً واستراتيجياً، اختار الأميركيون الذين حاصرتهم الأزمات من الداخل والخارج باراك أوباما وبدا لهم أنهم لن يستطيعوا مواجهة تداعيات أزماتهم فجاءهم بشعار “نعم، نستطيع”.
ساهمت الحروب التي شنّها المحافظون الجُدد في أفغانستان والعراق في إضعاف الولايات المتحدة وتدهور صورتها أمام بقية العالم. إلى جانب إدارتهم السيّئة للملفات الداخلية وخصوصاً تلك الاقتصادية منها. وشهدت الفترة بين عامي 2007 و2008 انفجار أزمة الرهن العقاري التي أفضت إلى أزمة مالية عالمية هي الأكبر على الإطلاق. وهدّدت تداعياتها بُنية الاقتصاد الدولي واقتصادات الدول في أوروبا وأميركا وآسيا حتى لاحت في الأفق بوادر انهيارات كُبرى في هذه الاقتصادات.
ولم تستطع إدارة بوش مواجهة الأزمة التي راحت تتدحرج ككرة ثلجٍ تحصد في طريقها عشرات المصارف والمجموعات التجارية التي كانت تعلن إفلاسها بصورةٍ متتالية.
وأدّى عدم تسديد المدينين لتسليفات الرهن العقاري إلى إفلاس المؤسسات المصرفية الدائنة، وتالياً تدهورت أسواق البورصة وانخفضت بشكلٍ دراماتيكيٍ أسعار أسهم هذه المؤسسات التي كانت لوقتٍ طويل من أبرز الأسماء في مجال نشاطها، كـ”ليمان براذرز”، و”نورثرن روك” الذي أممته الحكومة البريطانية و”أتش أس بي سي” و”بير ستيرنز” وغيرها.
سارع البنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الاتحادي) إلى خفض معدلات الفائدة ووضعت وزارة الخزانة مجموعات مالية عملاقة تحت وصايتها، وراحت مصارف مركزية عديدة وأخرى خاصة حول العالم تتّحد لتوفير السيولة التي تحتاجها بصورةٍ عاجلة إلا أن ذلك لم يوقف تراجع البورصات العالمية.
حتى اضطرت الحكومة الأميركية إلى اتخاذ خطوة شبيهة بنظيرتها البريطانية فأمّمت أكبر مجموعة تأمين في العالم “أي آي جي” التي كانت مُهدّدة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 9.79% من رأسمالها. ولكن البورصات العالمية تابعت مسار تدهورها على الرغم من خطة الإنقاذ التي وضعتها إدارة بوش.
وبصرف النظر عن تفاصيل هذه الأزمة والأسباب التي أوصلت الولايات المتحدة إلى ذلك الواقع فإن صورة هذه الأخيرة كانت في أسوأ حالٍ لها، وكَثُر الحديث الجدّي عن تراجعها الاستراتيجي وأفول إمبراطوريتها وبدء صعود قوى أخرى في الاقتصاد والسياسة الدوليين. ولكن وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض في انتخابات 2008 شكّل بارقة أمل وكان رجاء الأميركيين أـن يَصدق في شعاره الانتخابي.
نعم، نستطيع
رفع أوباما في حملته الانتخابية شعاراً خلاّقاً يُحاكي هواجس تلك السنوات “نعم، نستطيع” كان شعاراً بالغ التأثير في الناخبين حيث أعاد الأمل إلى صفوفهم بعدما سئموا من تهّور المحافظين الجُدد ودرّة قادتهم جورج دبليو بوش.
وباراك أوباما المولود في الرابع من آب-أغسطس من العام 1961 هو الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأميركية. حصد في مساره نحو البيت الأبيض لأول مرة انتصارات على منافسته هيلاري كلينتون داخل الحزب الديمقراطي وعلى جون ماكين من الحزب الجمهوري، حيث سجل بعض هذه الانتصارات في ولايات تُعتبر عقر دار الجمهوريين مثل فيرجينيا وأوهايو. وفي ولايته الثانية انتصر على الجمهوري ميت رومني.
خريّج جامعتي كولومبيا وهارفرد كان الرئيس الأول من أصول أفريقية. وشغل عدة مرات منصب عضو في مجلس شيوخ ولاية إلينوي قبل أن يصبح عضواً في مجلس شيوخ الولايات المتحدة في العام 2004.
ولا شك في أن الصِفات الشخصية لأوباما ساهمت إلى حدٍ بعيدٍ في تبني الحزب الديمقراطي لترشيحه وتالياً في وصوله إلى البيت الأبيض، ثم لاحقاً في نجاحه في إنقاذ البلاد من تراجعها الاستراتيجي والتخفيف من حِدّته، تمهيداً للتعامل مع العالم الجديد الذي سيولد بعد الأزمة المالية وتأثيراتها المباشرة.
فقد كان الرجل وآلته الإعلامية حريصين على إيصال صورة مليئة بالنشاط والحيويّة إلى الجماهير. وهو وإن يكن لا يستطيع منافسة نظيره الروسي في مجال الرياضات التي تحتاج إلى القوة فإن لعبه لكرة السلّة والغولف والبايسبول أسهم في تقريبه من الشباب الأميركي وأسلوب عيشهم، إضافةً إلى تسليط الضوء على دخوله مطاعم الوجبات السريعة الشعبية وبمحصلة ذلك فإن الرئيس بدا واحداً منهم.
أما في الخطابة والسياسة فإن ذكاء باراك الحاد هو ورقته الرابحة دوماً. نبرته التي تسير مطابقةً لمعنى الكلام تؤدّي دورها الحاسم في تمام الإقناع. فهو عندما يتحدّث عن مسألة تُعنى بالدفاع وبالإرهاب يلبس قناع الجدية حتى آخرها، ويُبدي الحزم والشدّة في الصوت والأداء خصوصاً إذا أتى الخطاب بعد حدث مرتبط بالإرهاب. وعندما يتحدّث عن السلام يذهب بالمستمع إلى طبقة صوتية فيها شيء من الرّقة حتى تكاد تنسى أن دولته هي الوحيدة التي قتلت بالقنابل الذريّة ما يربو على 180 ألف إنسان خلال ساعات قليلة وبطريقة “select all”.
ومن ناحية المضمون فإنه يكثر من استخدام المفارقات التي تعزّز منطقه وتدعم الحجج التي يدفع بها في مواجهة خصومه مع بعض المزاح والمداعبات التي يستسيغها الذوق الأميركي. ومجدداً باختصار فأوباما يبدو ناجحاً بأن يبدو ظريفاً جداً ولكن، هل تكفي هذه الصفات للنجاح في حكم أقوى دول العالم؟
سنة أولى رئاسة: نوبل للسلام
كان مفاجئاً جداً أن يحصل أوباما على جائزة نوبل للسلام بعد أقل من عامٍ واحد من انتخابه رئيساً، وذلك نظراً “لجهوده في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب”. وقد أثار ذلك موجة واسعة من الجدال حول أحقيته بهذه الجائزة، خصوصاً أنه لم يكن قد قاد دبلوماسيةً بعد، كما لم يكن قد تعاون مع أية شعوب.
حتى أن الصحف الأميركية اعتبرت نيله لنوبل غريباً. فقد رأت مجلة “تايم” أن قرار لجنة نوبل كان مُبكراً واعتبرته “وول ستريت جورنال” غريباً للغاية، بل إن أوباما نفسه قال إنه تفاجأ بذلك فهل من صدفة؟
لقد كان تعليق أمين عام الأمم المتّحدة بان كي مون مُعبّراً عن سبب منح الجائزة للرئيس الأميركي. إذ قال بان: إن “أوباما يجسد الروح الجديدة للحوار والارتباط بين الشعوب”، إذن كانت جائزة تحفيز.
هناك في أميركا من أراد تغيير الصورة التي تركها بوش الإبن وتلميع صورة الامبراطورية، وتنظيف العلم الأميركي من دماء الأفغان والعراقيين وقبلهم شعوب من كافة جهات الأرض. ولأن الحكم في أميركا هو للمؤسّسات وليس للأشخاص فإن الرئيس تم وضعه في قالب السلام والتصالح مع العالم منذ عامه الأول في البيت الأبيض.
وربما يعود ذلك إلى عدم قدرة الامبراطورية على تحمّل أعباء إدارة العالم منفردةً بحروبها الصلبة والناعمة، إلى جانب تخبّطها في مشكلاتها الداخلية، وتغير معايير قياس القوة، بحيث دخلت إلى المنافسة على النفوذ قوى جديدة لا تمتلك حاملات الطائرات الضخمة أو القاذفات المُدمّرة، بل تمتلك التكنولوجيا والمعلومة والقدرة على التفكير والتصنيع وشبك العلاقات.
حديث أوباما المختلف مع العالم: السلام عليكم
بالتحية الإسلامية بدأ أوباما خطابه في جامعة القاهرة بداية صيف 2009. وهناك عرّج على سبعة محاور رئيسة هي العنف والتطرّف والسلام بين إسرائيل من جهة والعرب وخصوصاً الفلسطينيين من جهة ثانية، والديموقراطية والحرية الدينية وحقوق المرأة والفرص الاقتصادية والمسؤولية المشتركة حيال السلاح النووي.
كان خطاباً موجّهاً إلى المسلمين وقد أراده الرئيس من عاصمة إسلامية بحسب ما روّجت له وسائل الإعلام الأميركية قبيل الزيارة. وفيه أكّد أنه جاء إلى القاهرة “سعياً لبدايةٍ جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي قائمة على الاحترام المتبادل، منوهاً بدور الأزهر الشريف الذي “يمثل تناغماً بين التقاليد والتقدم”.
ولكنه استدرك بالإشارة إلى علمه بأن خطابه لن يُحدث فرقاً أو يحلّ المشكلات بين الغرب والعالم الإسلامي بين ليلةٍ وضحاها، وأشار إلى ضرورة إنهاء دوامة التشكيك والخلافات بينهما وفتح صفحة جديدة متعهداً بمحاربة الصوَر النمطية عن الإسلام في أي مكان من العالم، في مقابل تعامل العالم الإسلامي بالمعاملة بالمثل ومحاربة الصورة النمطية عن الولايات المتحدة. وهنا بيت القصيد صورة الولايات المتحدة.
استعاد أوباما من القاهرة جذوره المسلمة وكيف أن أسرته وأسلافه مسلمون، وتحدث عن نشأته في إندونيسيا التي جعلته يفهم المسلمين ويعرف كيف يتعامل معهم. وهناك أيضاً أعلن عن نيته سحب قواته من أفغانستان والعراق وأكد أن استخدام القوة في هذه المناطق لن يحلّ المشكلة، بل بناء البنى التحتية ومؤسسات الدولة لا سيما التعليمية منها.
ببساطة حمامة سلام سوداء هي التي تحدّثت في القاهرة وبكلامٍ مؤثرٍ عن القِيَم الإسلامية ومُشابهة القِيَم الأميركية لها. وبخفة الدم المصرية المعهودة اختصر الفنان عادل إمام المشهد مُعلّقاً على الخطاب بقوله: “حسيت إنه حيصلي فينا ركعتين”.
إقفال المعارك المنتهية الصلاحية
منذ الولاية الأولى حاول الرئيس الرابع والأربعين لأميركا أن يحقّق الإنجاز الذي عجز عنه أسلافه. فأطلق جهوداً مُكثفة في مراتٍ متكرّرة للوصول إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كون مسارات التطبيع بين عدد متزايد من الدول العربية وإسرائيل مفتوحة، واللقاءات التي تتضمنها تظهر وتستتر بين الفينة والأخرى ومعظمها تسرّبها إسرائيل.
غير أن جهد الرئيس الأميركي اصطدم بسرعة بتعنّت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. في البداية حاول أوباما التعامل بمرونة الرؤساء السابقين مع إسرائيل. ومثلهم حاول تحميل مسؤولية فشل جهوده وزيارات كلينتون وبعدها كيري إلى المنطقة للسلطة الفلسطينيية.
إلا أن ذلك لم يَدم طويلاً، بعد أن أصبح أداء نتنياهو أكثر تطرفاً وعدائية ضد أوباما نفسه. حتى أن المتحدّث باسمه ران براتس استخدم الاتهامات الجاهزة لبروباغاندا مُعاداة الساميّة ضدّ أوباما شخصياً ووصف وزير خارجيته جون كيري بالمهرّج.
باختصار لقد منع نتنياهو أوباما من تحقيق نجاحٍ تاريخي مُكتمل في الملفات الخارجية.
وقد زاد من التهاب العلاقة بين الطرفين سعي أوباما إلى تحقيق إنجاز في الملف النووي الإيراني والوصول إلى اتفاق حوله.
وكانت زيارة نتنياهو إلى الكونغرس وإلقائه كلمة من دون رضى أوباما نقطةً بارزة الأهمية على طريق الخلافات، وبالرغم من أن الزيارة جاءت بدعوةٍ من رئيس مجلس النواب جون بينر وعدد من النواب الجمهوريين، فإن ذلك لم يمنع زيادة حدّة الخلاف بين الرجلين. وصدقت مستشارة أوباما سوزان رايس حين صرّحت بأن قرار نتنياهو هذا سيكون “مُدمّراً” للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل فالعلاقات بينهما تأثّرت كثيراً بعد تلك الزيارة.
وبما يخص الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية، فإنه شكّل انتصاراً ديبلوماسياً أنهى سنوات من العقوبات التي فرضت على إيران، وفتح أمامها فرصاً جديدة للانفتاح على العالم، بينما أعطى بالمقابل الدول الغربية مجالاً للاستثمار في السوق الإيرانية.
ولكن آثاره السياسية زادت عن آثاره الاقتصادية. فالاتفاق النووي مثّل بشكلٍ مباشر اعترافاً دولياً بحق طهران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. ومثّل أيضاً بصورةٍ غير مباشرة اعترافاً غربياً بالدور الإيراني في الشرق الأوسط، خصوصاً أن الديبلوماسيين الغربيين سارعوا إلى حجز مقاعدهم على الرحلات المتوجهة إلى إيران بعد رفع العقوبات عنها، سعياً وراء علاقات اقتصادية وسياسية. أفق جديد مختلف تماماً هو الذي خلقه الاتفاق النووي بين الغرب وإيران.
بشكلٍ عام لقد نَفّذ أوباما وعوده بالانسحاب من العراق وأفغانستان ولكن نفوذ بلاده في البلدين استمر بقوة. بالرغم من عدم تمكّنها من التأسيس لدولة معافاة بل إن واقع البلدين تراجع عقوداً إلى الوراء.
في سياقٍ آخر لم يكن أحد ليتوقّع رؤية أوباما في كوبا لكنه فعلها. عشرات السنوات انتهت وبدا هو المُبادر إلى مدّ اليد نحو جارته اللدودة المشاكسة، حتى في الشكل حاول أوباما أن يظهر انتصاره الدبلوماسي هذا خلال زيارته إلى هافانا، ولكن راوول كاسترو تنبّه لحركة أوباما الحاذقة. دبلوماسيته فعلت فعلها بأن أقفلت ملف العداء بين البلدين وقد عاد إلى بلاده ببعض لفائف السيجار الفاخر.
وأصعب من الملف الكوبي احتاج الرئيس الأميركي وفريقه شهوراً طويلة، وتوسل كل المهارات التفاوضية والدبلوماسية حتى تمكنوا من إنجاز الاتفاق حول الملف النووي الإيراني.
وفي ملف كوريا الشمالية حاول أوباما إحداث خرق وتسويق انتصار دبلوماسي آخر، ولكن الثمرة هناك لم تنضج بعد. فأولويات التوجّه الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأقصى مرتبطة بالحد من صعود الصين. لذلك فإن تصعيد الموقف مع بيونغ يانغ لا يزال مفيداً لواشنطن إذ أنه قد يسمح لها بإرسال أساطيل إضافية إلى الجوار الصيني لتعليم الكوريين أسس الديمقراطية كما تعلّمتها شعوب الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من تعرّض الرئيس لحربٍ ضروس من قِبَل معارضيه في الداخل على خلفية ما يصفونه بـ”النهج الانسحابي” الذي يعتمده، إلا أن الأميركيين يحسبون له تنفيذ تعهده بملاحقة أسامة بن لادن حتى آخر الأرض وقتله، وهو العدو الأول الذي جَهِد الإعلام الغربي في تبيين إرهابه والتحذير من خطورته على الأمن العالمي. فجاء خبر مقتله ليزيد من رصيد الرئيس.
وفي الداخل أيضاً زاد أوباما من تدخّل الدولة في تدعيم الأوضاع الاقتصادية للمواطنين. فبعد تدخّلها لنجدة المؤسسات المُتعثرة بفعل أزمة 2008، شكّل برنامج “أوباما كير” لإصلاح نظام الرعاية الصحية محطة أخرى تُعبّر عن أسلوب أوباما ومشروعه لتوفير التأمين الصحي الإلزامي للأميركيين بتكلفة منخفضة، ومنع شركات التأمين الصحي من رفض تغطية أفراد يعانون من مشكلات طبية حالية أو سابقة.
وعلى الرغم من توجيه الجمهوريين الضربات تلو الأخرى لهذا المشروع فإن ذلك لم يمنع تحوّل أوباما إلى منقذٍ عند ملايين الأميركيين الذين كانوا يحلمون بتقاعدٍ آمن.
وبعيداً من السياسة كان الاتفاق الذي وصل إليه مؤتمر في باريس حول الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري تاريخياً. وقد شكّلت الموافقتان الأميركية والصينية على الاتفاق أهمية قصوى، كون الدولتين هما اللتان عارضتا لسنوات الصِيَغ المطروحة لخفض الانبعاث تحت ذريعة الحاجة إلى النمو، وحجم الاقتصاد الوطني لكل منهما وحجج أخرى. وبحسب الاتفاق ستتّخذ إجراءات لتقليص انبعاثات الدول من الغازات الدفيئة في أفق 2025-2030.
والتوصّل إلى “ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن” و”القيام بعمليات خفض سريع إثر ذلك (..) بهدف التوصّل إلى توازن بين الانبعاثات”، التي سببها أنشطة بشرية والانبعاثات “التي تمتصّها آبار الكربون خلال النصف الثاني من القرن”، في إشارة مُحتملة إلى الغابات وأيضا إلى تقنية الالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث في الفضاء.
محاولة احتواء لعودة روسيا
تواجه أميركا ارتدادات ضعف قبضتها على النظام الدولي. دول جديدة صعدت وتآلفت ضمن صيغ مختلفة من اتفاقات المصالح. مجموعات دولية تتحرّك، والطموح بات مشروعاً للجميع خصوصاً النجاحات الاقتصادية التي حققّتها النمور الآسيوية في التسعينات والمعجزة الاقتصادية التي أحدثتها الصين.
ولكن معظم هذه الدول الطامحة لا تخيف أميركا على المدى الاستراتيجي، فتطّور كل واحدة منها يتم ضمن البيئة التي تقودها الولايات المتحدة وضمن الآليات التي رسمت مسالكها. من يُخيف حقاً هو القوى الكبرى التي تجاوزت التوقّعات بنجاحاتها الاقتصادية والصين هي النموذج الأوضح.
إلى جانب القوى القادرة على المنافسة عسكرياً وتكنولوجياً وروسيا هي النموذج الأكثر جدّية في هذا المضمار. يواجه أوباما على المقلب الآخر رئيس كاريزماتي أيضاً هو فلاديمير بوتين. وهو يُتقن أيضاً أسلوب الدعاية لإنجازاته وقد امتدت شعبيته إلى قلب العالم الغربي. ولكن المسألة ليست شخصية فروسيا والولايات المتحدة تتنافسان على النفوذ في مناطق الصراع المُلتهبة، وخصوصاً في الشرق الأوسط، منذ بدء ما سُمّي بـ”الربيع العربي”.
لقد أثبتت إدارة أوباما خلال هذه السنوات مرونةً فائقة وواقعيةً سياسية قلّ نظيرها. فهو استطاع التعامل مع تبدّل النظام في مصر مرتين. وتغيير الحلفاء على الأرض في سوريا مرات عديدة.
من دعمه بدايةً لما سُمّي بـ”الجيش الحر”، وصوله إلى استيعابه تكشف القناع الليبرالي عن مقاتليه الذين تحولوا إلى “جيش الإسلام”، و”أحرار الشام”، و”جبهة النصرة” الذراع السورية لتنظيم القاعدة. وبصرف النظر عن الموقف الأخلاقي من دعم هذه الجماعات (باستثناء الأخيرة التي سلّمت واشنطن بإصرار روسيا على تصنيفها إرهابية)، فإن الواقعية والمرونة الأميركيتين تحسبان لأوباما وإدارته.
واليوم يظهر الرئيس جديةً نسبية في محاربة تنظيم “داعش”، والتوصّل إلى حلٍ سلمي للصراع في سوريا، بعد تصاعد خطر الإرهاب ووصول ضربات الإرهابيين إلى قلب أوروبا، بل إلى “سان برناندينيو” في قلب أميركا نفسها. هذه الجدّية جعلت بوتين يقول إن ما تمّ التوصل إليه من اتفاق على الهدنة في سوريا تم بفضل أوباما.
إن المفاجآت التي شهدتها الأعوام الخمسة الماضية، وخروج الولايات المتحدة منها من دون خسارات استراتيجية كبرى، بل بمكاسب جديدة، تكشف عن عبقرية أوباما السياسية. ولكن هذه العبقرية لم تكن لحماية شعوب المنطقة بل إنها اكتشفت أساليب أكثر إبداعاً في قتلهم وظلمهم. واجه أوباما تقدّم روسيا في الشرق الأوسط، وأشعل في جوارها أزمةً في أوكرانيا، توأم روسيا التاريخية.
والدولة التي لا تستطيع موسكو أن تأمن شر وجود الغرب فيها، لأسباب جيوبوليتيكية وتاريخية. ومع أن بوتين يواجه بقوة ودهاء فإن أوباما تمكّن حتى الآن من خلق كل ما يمكنه أن يُعيق تقدّم روسيا واستعادتها لعافيتها على المستوى الدولي. وما الأزمة السورية إلا دليل على كمية القلق التي شكلتها السياسة الأميركية هناك بالنسبة إلى الكرملين، وذلك من دون الاستعانة بنتنياهو الذي أبدى رعونةً ومسّ بهيبة الرئاسة الأميركية.
البحث عن شركاء أكثر فائدة: استمرار عصر الحرب الناعمة
ولكن التنافر بين أوباما ونتنياهو لا يمكن حصره في إطار غياب الكيمياء الشخصية بين الرجلين. بل يبدو أن قيمة إسرائيل الاستراتيجية وفقاً لرؤية أوباما وفريقه قد تراجعت، وتقدمت في مقابلها دول أخرى أثبتت أن نفوذها في المنطقة سيدوم إلى زمن أطول. إيران أهم تلك الدول وهي بامتلاكها مخزونات ضخمة من الغاز الطبيعي مرشّحة لأن تحوز رأس قائمة اهتمامات الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.
ومع أن النظام الحاكم في طهران غير مُريح على الإطلاق للولايات المتحدة، وهو مُتعب حتى بعد الاتفاق النووي، فإن واشنطن وجدت أن مواجهة إيران والسعي إلى السيطرة على قدراتها والوصول إلى استيعابها وإحداث تغييرات فيها، لن يتم من خلال الهجمات العسكرية بل من خلال هجمات محبة واختراق المجتمع، ضمن أجواء من الود والتفاهم، ونشر الديمقراطية على الطريقة الأميركية، عن طريق الدعاية لأسلوب الحياة الأميركي، وإغراء الإيرانيين -لا سيما فئة الشباب منهم- بآخر ما توصلت إليه فنون الدعاية الأميركية.
وبالتأكيد فإن أوباما قد أظهر مقداراً أكبر من التصالح مع قِيَم بلاده المُعلنة من سلفه جورج بوش الإبن، كون الرئيس الحالي انتقد حلفاءه في مناسباتٍ عديدة، ودعاهم إلى الاهتمام بأوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادهم قبل التطلّع لإرساء الديمقراطية في بلدان أخرى ومهاجمة جيرانهم، وذلك كما فعل مع السعودية حين حثّها على الانتباه لحاجات مواطنيها وخصوصاً الشباب منهم، وهو ما لم يفعله أي من الرؤساء السابقين.
على الرغم من استمرار سياسات بلاده المُتعدّدة المعايير في ملفاتٍ أخرى. وقد يؤشر نهج أوباما إلى أن الإمبراطورية الأميركية ما زالت بحاجة إلى القوة الناعمة. وعليه فإنه لمرة أولى منذ عشرات السنين قد يكسر عرف تبادل كرسي البيت الأبيض بين الحزبين كل دورتين رئاسيتين، ما يعطي بيني ساندرز وهيلاري كلينتون فرصاً أكبر بالوصول إلى المكتب البيضاوي.
هذه هي الحقيقة
وبالعودة إلى خطابه تجاه المسلمين فخلال زيارته إلى مسجد بالتيمور وهي أول زيارة له إلى مسجد في الولايات المتحدة، قال أوباما الحقيقة كاملةً عن الإسلام، وتمكن من أن يتقمّص روح المسلم عميق الإيمان.
وبإنصاف فإنه يصعُب على المسلمين الدفاع عن دينهم بوجه مشوّهي صورته اليوم، كما فعل الرئيس الأميركي في خطبته هذه. وبعض ما قاله كان حرفياً التالي: “مجتمعكم بأكمله (مجتمع المسلمين الأميركيين)، في كثير من الأحيان يتم استهدافه أو لومه نسبةً للعنف الذي ترتكبه القلة القليلة.
الناس يخلطون بين الأفعال الإرهابية المُريعة، ومعتقدات دين بكامله. لأكثر من ألف عام، جُذب الناس إلى رسالة السلام في الإسلام. التحية الرسمية في الإسلام هي: السلام عليكم، وقد علّمنا النبي محمّد أن كل من يريد دخول الجنة فليحب لأخيه ما يحب لنفسه.
المسلمون الأميركيون يثرون حياتنا اليوم في كل النواحي. هم الجيران، المعلمون الذين يلهمون أطفالنا، الأطباء الذين نأتمنهم على صحتنا، العلماء الذين فازوا بجوائز نوبل، المبدعون الشباب الذين يأتون بتقنيات جديدة نستخدمها طوال الوقت، هو أبطال الرياضة الذين نحتفي بهم مثل محمّد علي (كلاي) وكريم عبد الجبّار.
وبالمناسبة فإنه عندما يتقدم فريق الولايات المتحدة للأولمبيات القادمة، واحدة من الأميركيين اللواتي ستلوحن بعلمنا سوف تكون بطلة المبارزة ابتهاج محمّد وهي مرتدية لحجابها، وهي حاضرة بيننا هنا: فلتقف (حضورها يبدو دعائياً). المسلمون الأميركيون يبقوننا آمنين، هم في شرطتنا ومكافحة الحرائق. هم في أمننا القومي، وفي مجتمعنا الاستخباراتي.
الأغلبية الساحقة من مسلمي العالم يعتنقون الإسلام على أنه منبع للسلام. ما لا يمكن نكرانه هو أن شريحة صغيرة من المسلمين تروّج لترجمة منحرفة عن الإسلام. هم ليسوا أول المتطرّفين إساءة لاستخدام إسم الربّ في التاريخ. لقد رأينا هذا من قبل عبر الأديان، هذه هي الحقيقة…
الإسلام يُحرّم القتل والإرهاب كما ذكر في القرآن *من قتل نفساً واحدة كمن قتل الناس جميعاً*. يجب أن نفهم أن الهجوم على معتقد واحد هو هجوم على معتقداتنا جميعاً. أول كلمة أوحي بها في القرآن: إقرأ (قالها بالعربية)، إقرأ سعياً للمعرفة، وتحققاً من الفرضيات. إذا كنا نتوقّع من الآخرين احترام كرامتنا، فلا بد أن نحترم كرامة الآخرين بنفس القدر…”
سوبر أوباما
لقد أطلق معجبون لعبةً “سوبر أوباما وورلد” الإلكترونية يلعب فيها أوباما دور البطل المُنقذ، كمحاكاةٍ للعبة “سوبر ماريو وورلد” الشهيرة. وقد عرّفوا عن شخصيات هذه اللعبة على الانترنت بأن أوباما هو البطل فيها، بينما الأعداء هم “اللوبيات” المعارضة له، وسارة بالين، وهي السياسية الأميركية الجمهورية التي كانت مرشّحة لمنصب نائب الرئيس في حملة جون ماكين عام 2008.
بالمعطيات والوقائع، وتبعاً للمهام الكبرى التي تصدّى لها، والواقع الاستراتيجي العام للولايات المتحدة قبل تسلمه الرئاسة، ومن وجهة نظرٍ أميركية فإن أوباما أفضل الرؤساء الأميركيين منذ جون كينيدي، وهو أخطرهم على الإطلاق بالنسبة إلى بقية الشعوب.
وأكثر من استطاع إيذاء مناهضي الإمبريالية الأميركية وكما هي عادة الأفلام الهوليودية، حين تكثر المصاعب، لا بد أن يأتي البطل الأميركي “السوبر” الذي يُنقذ البلاد. وقد كان لأميركا بعد مرحلة التوحّش الرأسمالي وتهّور صقور المحافظين الجُدد “سوبر” أوباما، الذي ينقذهم ويورّطنا.