المشهد اليمني الأول/
ما إمكانية أن تستجيب مليشيا التحالف الإصلاحية لمبادرة فتح ممرات في تعز بالتوافق؟!
الاحتراب الفصائلي القائم بين إصلاح التحالف من جهة وسلفيي التحالف من جهة مقابلة، قد يكون دافعاً ظاهرياً مسوغاً لانخراط الإصلاح في اتفاق فتح ممرات مع صنعاء، لاسيما في نطاق سيطرة مليشياته الممتد من بير باشا غرباً إلى الجحملية جنوب شرق وكلابة شرقاً.
لكي يثمن موقعه ونطاق سيطرته المفتقر لأية قيمة عسكرية، ويكسب الرأي العام في المدينة المحتلة، قد يتعاطى الإصلاح بجدية مع مبادرة فتح الممرات التي أطلقتها صنعاء مراراً ومجدداً نهاية الأسبوع الفائت، وهذا يكسبه وزناً فارقاً بالقياس لفصائل سلفيي التحالف المحصورين في تربة الحجرية جنوباً. غير أن كل هذه التوقعات حول ردة فعل الإصلاح الإيجابية المفترضة لا تستقيم مع كون أكذوبة “الحصار الحوثي لتعز” كانت منذ البدء ورقة الاشتباك الرئيسة والقميص الذي يرفعه تحالف العدوان وخلطة مرتزقته في المحافل الدولية، ويشنون حروبهم الإعلامية ضد الجيش واللجان عبره بدعاوى “إنسانية”، في تحوير لحقائق الواقع، حيث جرى اختطاف المدينة من الداخل مع بدء العدوان على اليمن عام 2015، في حين كان الجيش واللجان في مرمى الاستهداف العسكري المباشر من جميع نواحي المدينة، وانخراطهم في الاشتباك كان بمثابة ردة فعل طبيعية دفاعاً عن النفس، الأمر الذي أفضى لوقوع المدينة بين نارين ظل يتعهدها تحالف العدوان بالحطب عبر شن مئات الزحوفات تحت ذريعة “تحرير تعز” في البدء، ثم باسم “كسر الحصار” عنها لاحقاً، وفي الأثناء فإن صنعاء والسلطة المحلية في تعز الواقعة ضمن جغرافيا السيطرة الوطنية، لم تكف عن إطلاق مبادرات وقف الاشتباك وتمكين المدنيين من المرور بسلام كسابق عهدهم، وبالأقل وقف الاشتباك في بضعة تماسات وجهات، وحصره في نطاق محدود لا يفضي لخنق منافذ المدينة كاملة ومواطنيها كلياً، وكانت ردود الفعل على الطرف المقابل من الاشتباك هي ذاتها: “الرفض والرفض” على الدوام.
“تواصل معنا الحوثيون لوقف الحرب في تعز ولكننا رفضنا ذلك، ونسعى لتحرير المدينة وإنهاء الانقلاب”، هذا ما أدلى به شيخ المرتزقة الإصلاحي حمود سعيد المخلافي عقب أشهر فقط من اندلاع المواجهات في المدينة؛ من اعتراف في حوار متلفز معه لقناة “الجزيرة” القطرية؛ وأضاف: “أرادوا ـ الحوثيون ـ الخروج بماء الوجه، عبر سعيهم هذا لوقف الحرب”!
ترتيباً على هذا الإقرار الصريح من قبل ما يسمى “شيخ المقاومة” وبالإضافة إلى أن دعوى الحصار المزعوم هي ورقة التحالف الرئيسة، فإن خسارتها لوجه مكاسب أخرى هي مقامرة لا يبدو أن فصائل التحالف ستقدم عليها، زد على ذلك فإن تبعية الخلطة الفصائلية المطلقة للتحالف بقناعيه السعودي والإماراتي، تجعل أمر البت في فتح الممرات حكراً على الرياض وأبوظبي، لا شأناً محلياً في متناول دمى السجال الفصائلي المستلبة للتحالف، ولعل تظهير شوقي هائل في هذا المنعطف كطرف محايد يسعى لدى فرقاء الاشتباك لفتح الممرات باتفاق جامع، لعل هذا التظهير العمدي هو سبيل التحالف الوحيد لمقاربة هذه القضية خارج السجال الفصائلي الإصلاحي السلفي، ولصالح شخصية اجتماعية مقربة منه، عوضاً عن أن تنقشع أكذوبة الحصار لصالح المدافعين عن الأرض، الذين ثبت للرأي العام في تعز براءة ساحتهم من هذه التهمة المفتراة، لاسيما عقب 5 أعوام من أثمان الجنوح لأكاذيب المرتزقة، وسلسلة من التناحر الفصائلي البيني والانفلات الأمني والنهب والجباية الممنهجة، التي جعلت من الحياة في المدينة جحيماً حقيقياً بالقياس للحياة في جغرافيا الوجود الوطني ونطاق الجيش واللجان، حيث السكينة والتعايش ولجم الجريمة وتحكيم القانون في كل المناحي، والتعاطي مع مختلف مكونات المجتمع كيمنيين بمنأى عن الفرز المناطقي والطائفي وسياسة ردات الفعل الثأرية.
الحديث عن دور قطري في تعز المحتلة كعامل لتقارب “إصلاحي ـ أنصاري” مفترض على مستوى فتح الممرات بوصفها القضية الأبرز، يبقى حديثاً عن استقلالية قطرية افتراضية خارج مجمل مخاوف وأطماع المدير التنفيذي الغربي لتحالف العدوان، وهو أمر غير قائم، فقطر لا يمكنها مقاربة أية جزئية في المشهد اليمني بمنأى عن محددات المدير التنفيذي الناظمة لمجمل تلك المخاوف والأطماع وطبيعة الأدوار التي ينبغي أن تنهض بها مروحة أدواته الإقليمية لجهة مراكمة مكاسب (وهذا يبدو مستبعداً بعد 5 أعوام من إخفاقات دول العدوان وتنامي القوة الضاربة لصنعاء)، أو لجهة تلافي انهيار ملعب العدوان بالكامل على ضوء حقائق الاشتباك التي قلبت موازينها عمليات الجيش واللجان بصورة تنذر بتهاوي كبرى ممالك البترودولار، وفي هذا السياق فإن تنغيم خلطة التناقضات والأدوات في ملعب التحالف وتهيئتها لتقديم تنازلات نوعية في مسار الحرب، تلوح بمثابة الضرورة بالنسبة للمدير التنفيذي الغربي إذا ما أراد استنقاذ ما تبقى من نفوذه الإقليمي في منطقة تشهد تحولات موازين فارقة محورها الفاعل “محور المقاومة”، واليمن حجر زاوية في صناعتها كرقم وازن لا مناص من الإقرار بحقه في الكينونة الحرة المستقلة عاجلاً أم آجلاً.
على صعيد موازٍ، فإن محاولة جريفيتث فصل مسارات الاشتباك ومقاربة الملف اليمني كمجموعة جزر معزولة عبر سلسلة من المشاورات والاتفاقات المكبلة للطرف الوطني، قد وضعت تعز خارج الاتفاق الذي شمل الحديدة بوعد أن يجري التشاور حولها كمسار منفصل باتفاق يلبي الحد الأعلى من شروط وغايات التحالف العاثر، وهو الأمر الذي لم يتمكن جريفيتث من المضي فيه بفعل تحولات الاشتباك النوعية ميدانياً في الضالع (تقدم الجيش واللجان) واستراتيجياً ببلوغ صواريخ ومسيَّرات اليمن عمق المصالح الحيوية لدول التحالف، لاسيما السعودية، بالإضافة إلى قاصمة “نصر من الله” التي سيترتب عليها ولاريب أثمان وازنة لصالح أصحاب الحق والأرض والسيادة.
بالعموم تبقى مقاربة ما يسمى “حصار تعز” خارج الحصار الكلي الذي يفرضه تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن ككل؛ أشبه بقياس سرعة شخص يركض على سطح سفينة باتجاه معاكس لإبحارها، كما لو كان يركض على يابسة، لذا فإن انفراج الأزمة القائمة في تعز مرهون بانفراج مجموع أزمات البلد بأسره والتي هي نتاج لمشروع العدوان.. يقارب الطرف الوطني الاشتباك من موقع كلية السيادة على أراضي الجمهورية في مواجهة تحالف احتلال كوني، وفي مختلف حواراته فإنه يحاور باسم مجموع أزمات البلد لا بالإنابة عن حارة أو مدينة بعينها فيه.. هذا الطرف فقط هو القابض على زمام قراره والوحيد الذي تقول الحقائق الموضوعية للصراع إنه القادر على استنقاذ السيادة الناجزة لطيف مكونات الشعب من تعز إلى حوف إلى مران، بوصفه يرهن كل تضحياته وكل مكاسبه في الاشتباك لجهة هذه الوجهة الوطنية الصِّرفة، في مقابل جرذان أزقة ومشاريع فُتات خيوطها موصولة بالمدير التنفيذي لتحالف الاحتلال.
بقلم/ صلاح الدكاك