المشهد اليمني الأول/
أعلنت وزارة الدفاع التركية، في وقت متأخر من مساء أمس، بدء الهجوم البري في شمال شرق سوريا، ضمن عملية «نبع السلام» التي قالت إنها مُوجّهة ضد التنظيمات الكردية المسلّحة، وعلى رأسها «قسد».
وكان هجوم مدفعي وجوي واسع استهدف مواقع عسكرية لـ«قسد»، التي تواجه العدوان التركي وحيدة، في ظلّ غياب أي تواصل «جدّي» مع الحكومة السورية إلى الآن
بعد يومين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب جنود بلاده من أجزاء من المنطقة الحدودية مع تركيا، بدأت الأخيرة أمس عمليتها العسكرية بقصف جوي ومدفعي، تلاه انطلاق التحركات البرّية في ساعة متأخرة من مساء أمس. اللافت أن القصف التركي طاول مناطق واسعة على امتداد الشريط الحدودي، في ما يبدو أنه رسالة تركية صارمة إلى القوى الكردية بأن امتداد العملية العسكرية سيكون «غير محدود»، وقد يُطاول كامل هذا الشريط. وفي الوقت الذي يتّسع فيه القصف المدفعي والجوي، فإن التحرك البرّي يُتوقّع أن ينحصر، كمرحلة أولى على الأقلّ، في الخطّ الحدودي الشمالي الذي يربط مدينتَي رأس العين وتل أبيض، بطول يصل إلى 110 كم.
في هذا السياق، يكشف مصدر مقرّب من ما يسمى «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، والذي يتصدّر المشاركين في العملية البرّية، لـ«الأخبار»، جزءاً من السيناريو المتوقّع للمعركة، موضحاً أن «المرحلة الأولى ستستهدف المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين»، وستكون «بعمق 15 كم، وقد تصل إلى 32 كم في مرحلة لاحقة».
ويضيف المصدر أن «الهجوم البرّي سيكون على مراحل، ولن ينتهي إلا بالسيطرة على كامل المنطقة الآمنة في الشريط الحدودي». في المقابل، يؤكد مصدر ميداني كردي، لـ«الأخبار»، أن «قرار الدفاع عن مناطقهم محسوم، وسيستمر حتى الانتصار على العدوان». ويُبدي المصدر خيبته «من عدم وفاء واشنطن بوعودها لهم بتحييد سلاح الجو التركي عن سماء المنطقة، ما كان سيجعل من موقفهم الدفاعي أفضل»، مستدركاً بـ«(أننا) نملك إمكانات مُهمّة للدفاع عن أنفسنا ضد الهجمات، ونثق بقدرة قواتنا على تحقيق النصر». كما يؤكد أن «القوات العسكرية ستردّ على الاستهداف، وتنفذ وعدها بتوسيع المعركة على كامل الحدود، واستهداف الجيش التركي داخل أراضيه».
وكانت أنقرة استبقت الهجوم بالإعلان عن دمج الفصائل التابعة لها في «الجيش الوطني» في ريف حلب، مع فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» المنتشرة في إدلب، ضمن جسم عسكري أطلقت عليه اسم «الجيش الوطني»، يتألف من «7 فيالق»، ستشكّل رأس حربة العملية البرّية. وأرادت تركيا الاعتماد بشكل رئيس على الفصائل التي ينحدر عناصرها من الشرق السوري، لمحاولة الإيحاء بأن سكان تلك المناطق يقاتلون إلى جانبها للعودة إلى مناطقهم التي هُجّروا منها، وهو ما كرّرته أنقرة مراراً.
وفي هذا السياق، يفيد المصدر نفسه، المقرّب من «الجيش الوطني»، بأن «الأسبوع الفائت شهد نقل أعداد كبيرة من مسلحي الجيش الوطني باتجاه الشريط الحدودي التركي المقابل لمدينتَي تل أبيض ورأس العين»، مبيّناً أن «النسبة الأكبر من المقاتلين هي من فصائل: الفرقة 20، أحرار الشرقية، والحمزات الذين ينحدرون من المناطق الشرقية في سورية». ويُفهم من هذه المعطيات وغيرها أن أنقرة تستهدف في المرحلة الأولى الوصول إلى طريق حلب – الرقة، ورأس العين – عين العرب، الأمر الذي يعني تقسيم مناطق سيطرة «قسد» إلى قسمين، شرقي وغربي. فالحديث عن عمق 32 كم يعني عملياً الإشراف على طريق حلب الدولي، وبالتالي عزل مناطق صرين وعين العرب ومنبج في ريف حلب الشمالي عن الحسكة والرقة، ما سيسهّل المراحل التالية من العملية.
ومع انطلاق التحرك البرّي مساء أمس، تدور التوقعات حول تركّزه باتجاه المنطقة الواقعة ما بين تل أبيض ورأس العين، والتي سبق أن دمّرت دوريات «التحالف» غالبية تحصينات «قسد» فيها، ما يصعّب عملية الدفاع عنها. كما أن هذه المنطقة لا تُعتبر من مناطق الثقل العسكري لـ«قسد»، على عكس تلك الممتدة من المالكية حتى عامودا، والتي تُعتبر الخزّان البشري لـ«الوحدات» الكردية، وفيها تتركز قواعدها ومقرّاتها ومخازن أسلحتها. أيضاً، تُعتبر عين العرب من أكثر مواقع «قسد» قوة، لذلك يُرجّح أنها ستكون في آخر قائمة الأهداف، إن تقرّر اقتحامها أصلاً، لكونها ذات غالبية كردية أصيلة، وذريعة أنقرة فيها أضعف من بقية المناطق الحدودية، إلى جانب وجود نقاط وقواعد للأميركيين فيها.
وعليه، فإن استمرار الوجود الأميركي في قواعد ونقاط تشكل مراكز ثقل كردي سيجعل من إمكانية أيّ اقتحام بري تركي لها صعباً ومرهوناً بانسحاب الأميركيين منها، فالأميركيون لا يزالون يحتفظون بنقاط وقواعد مُهمة على الشريط الحدودي، في مدن المالكية ورميلان وريف القامشلي (هيمو)، وصولاً إلى عين العرب ومنبج. وبالتالي فإن الاحتفاظ الأميركي بتلك المواقع يعني عملياً رسم حدود للعملية، وحصرها بالـ110 كم بين ريفَي الحسكة والرقة. ويتوقع أن تعمل «قسد» على استغلال الأسلحة المتوسطة التي تمتلكها لفتح جبهات واسعة ضد تركيا، لإرباكها شعبياً، وتشتيت تركيزها العسكري في المعركة، مع الاعتماد على القنّاصين لتعطيل التقدم البرّي.
وكان انعقد، في إطار التحضيرات التركية لبدء التوغّل البري، اجتماع لمجلس العشائر السورية في تركيا، والمناطق الواقعة تحت السيطرة التركية في شماليّ حلب، للحصول على دعم أبنائها للعملية. ويقول المتحدث باسم المجلس، مضر حماد الأسعد، إن الاجتماع كان «ضخماً بمشاركة شخصيات عشائرية من الداخل، وممثلين عن أبناء العشائر المهجّرين في تركيا، وانتهى بتأكيد دعم العشائر للعملية»، ويضيف الأسعد في حديث إلى «الأخبار» أن «العشائر حثّت كل أبنائها على الالتحاق بالجيش الوطني، وتحرير مناطقهم من ميليشيا الـPYD»، متابعاً أن «العشائر في تركيا تواصلت مع وجهاء العشائر في تل أبيض ورأس العين، ودعتهم لتحفيز أبنائهم على ترك السلاح، وعدم الانخراط في أي قوة عسكرية مدعومة من قسد».
قصف مضادّ على المدن التركية
ردّت «قسد» على القصف التركي لمواقعها باستهداف مدينتَي جيلان بينر ونصيبين التركيتين بقذائف «الهاون». وقال رئيس مجلس القامشلي العسكري، التابع لـ«قسد»، بلنك قامشلو، في تصريحات إعلامية، إن «قواتهم استهدفت 7 مواقع لجيش الاحتلال التركي داخل الأراضي التركية»، معتبراً أن «الاستهداف يأتي في إطار الدفاع المشروع عن النفس». بدوره، أكد رئيس مجلس رأس العين العسكري، عماد سري كانيه، أن «قواتهم مستعدة لأي هجوم بري»، كاشفاً عن «تدابير خاصة للتعامل مع الطيران». ومع إعلان بدء التقدم البري التركي مساءً، أعلن مدير المركز الإعلامي لـ«قسد» أن «جيش الاحتلال التركي والفصائل الموالية له بدأوا بالهجوم البري على مدينة تل أبيض، فتصدّت لهم قواتنا وكبّدتهم خسائر فادحة وردّتهم على أعقابهم».