المشهد اليمني الأول/

تسود الضبابية التحرّكات الإماراتية في اليمن بين الساحل الغربي والجنوب، إلا أن المؤكّد حتى الساعة عدم وجود قرار بالانسحاب الشامل. ما جرى في الساعات الأخيرة هو نقل جزء كبير من «ألوية العمالقة»، المتواجدة في الساحل الغربي إلى عدن. ما خلط الأوراق أكثر أن التحرّك ترافق مع إشاعة أنباء عن انسحابات إماراتية من عدن وقاعدة العند. إذ أعلن المتحدث العسكري لقاعدة العند أن القوات الإماراتية تغادر القاعدة ضمن خطة إعادة انتشار عسكري ترعاها السعودية، تستلم الأخيرة بموجبها محافظات عدن ولحج وأبين والضالع في الأيام المقبلة. وأفاد بأن القوات الإماراتية تنسحب أيضاً من الساحل الغربي، وتُسلّم عمليات معسكر الخوخة لقائد «المقاومة الوطنية» طارق صالح.

هذه المعلومات كانت محطّ تشكيك كبير لدى مختلف الأطراف. وسريعاً، خرج وزير النقل في حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي صالح الجبواني، ليعلّق بالقول إن الإمارات «تعزز قواتها في المناطق الجنوبية وليست لديها نية للانسحاب». وبلهجة تصعيدية تكشف حجم الاحتقان بين حلفاء «التحالف»، أضاف الجبواني: «ستخرج الإمارات، لكن محمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي) لن يخرج إلا بعد أن يُغرِق بلادنا في بحور من الدم بدأها بالانقلاب الغادر في عدن»، واصفاً الإمارات بأنها «دولة معتدية»، ومعتبراً أن إصرارها على «البقاء بالقوة سيحوّلها إلى دولة احتلال».

يعني ما تقدّم أن ما أشيع حول نجاح اتفاق جدة لم يكن دقيقاً. ووفق معلومات «الأخبار»، فإن الإمارات تعمّدت إشاعة هذه الأجواء لتمرير اتفاق جدة على مقاسها. تقدّم الإماراتيون بمقترح استبدال وزيرَي الداخلية والنقل (وهما شديدا العداء للإمارات) في حكومة هادي، بوزيرين من حصة حلفائها في «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وبالتالي تسوية ينضمّ بموجبها «الانتقالي» إلى الحكومة عبر المشاركة بحصة في حكومة هادي. ولذلك، حاول الإماراتيون أن يوحوا بأنهم يجرون انسحابات لتمرير هذه التسوية.

السعوديون، من جهتم، وافقوا على المقترح الإماراتي، في حين كان شرط هادي الانسحاب وإعادة الأوضاع في عدن إلى ما كانت عليه قبل «انقلاب» حلفاء الإمارات وسيطرتهم على «العاصمة المؤقتة». ردّ الجبواني أمس أكد عدم تجاوب فريق «الشرعية» مع المقترح الإماراتي، عبر التشكيك في إعلانات الانسحاب. وفي المعلومات، أن هادي لا يزال متشدّداً حيال التسوية مع الإمارات، ويرفض القبول بها قبل الانسحاب من عدن، وهو ما أبلغه لنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في الساعات الماضية، خلال لقاء غير معلن جمعهما. في الأثناء، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين في حكومة هادي أن مفاوضات جدة تتقدّم، وأن المملكة قدمت لـ«الانتقالي» مقترحاً بضمّه إلى الحكومة على أن تنتشر قوات سعودية في عدن للإشراف على تشكيل قوة أمنية محايدة في المدينة.

في المحصلة، لا يستبعد متابعون انهيار هدنة جدة، وأن يتكرر مشهد الاقتتال في عدن وجنوبيّ اليمن، خصوصاً وأن الجولة الأخيرة سبقها سيناريو مشابه حين أعلنت أبوظبي انسحاباً جزئياً تبعه تفجّر الأوضاع. على العكس من حديث التسوية الشائع، فإن المراقبين يشيرون إلى تعزيز حلفاء الإمارات انتشارهم في عدن، وبناء متاريس استعداداً للمواجهات، وكذلك تحرّكات عسكرية باتجاه شبوة ومناطق أخرى تنذر بتجدد الاشتباكات. هذا إذا لم تتدخّل السعودية في اللحظات الأخيرة لفرض التسوية.

بموازاة ملف الصراع في جنوبيّ اليمن، تراقب صنعاء ملف الانسحاب الإماراتي من الساحل الغربي، لتبني على الشيء مقتضاه. إذ أن التخلي عن هذه المنطقة يبدو أسهل من ترك أبوظبي لنفوذها في الجنوب، وهو ضرورة ملحّة كونه سيساعد على حماية الإمارات من ضربات محتّمة اتخذت «أنصار الله» قراراً لا رجعة فيه بتنفيذها قريباً إذا لم يُقْدِم الإماراتيون على خطوات جدية من هذا النوع. وإن كان الانسحاب من الساحل الغربي، إن استُكمل، ليس كافياً بالنسبة لصنعاء، إلا أنه قد يكون مقبولاً مرحلياً ويبعد الإمارات مؤقتاً من دائرة الاستهداف. حتى أمس، التزمت «أنصار الله» الصمت والمراقبة حتى تكشف الساعات المقبلة ما إذا كانت تحرّكات الإمارات مرتبطة فقط بنقل دعم لمعارك عدن أم أنها أبعد من ذلك.

(الأخبار)