المشهد اليمني الأول |
من بوابة قلب المعادلات جاء نتاج عملية “نصر من الله” الكبرى في محور نجران، عملية أثبتت أن “أنصار الله” تتمتع بقدرة فائقة في فهم وإدراك منطقة العمليات الميدانية وتحويلها إلى رسائل سياسية، وبقدرتها وإمكانيتها وتكتياتها تستطيع كسر دول العدوان، ميدانيا وسياسيا.
زلزال القوات المسلحة اليمنية الذي ارتسم على مشارف نجران بيد الجيش واللجان الشعبية وبمشاركة وحدات من الدروع والقناصة والمشاة وسلاح الجو المسيّر والقوة الصاروخية والدفاعات الجوية نفذ في أغسطس الماضي لكنه تم الاعلان عنه في نهاية سبتمبر الماضي، إعلان جاء كصفعة مؤلمة للرياض التي انكشف ضعفها بعد انكسار ألويتها وأسر ثلاثة منها، إضافة إلى المعدات العسكرية التي اغتنمتها القوات اليمنية، خلال العملية.
“نصر من الله”، التي أعلنت على مرحلتين وكشف عن تفاصيلها وخبايا نتائجها، ترفع النقاب عن حجم القدرات اليمنية الاستخباراتية والتطورات العسكرية في التخطيط عند القادة، رغم الحصار المفروض والعدوان المتواصل للعام الخامس على التوالي.
بموجب واقعة نجران، تمكنت قوات الجيش واللجان من السيطرة على 150 كيلومتراً مربعاً، وأسرت مئات الجنود التابعين للتحالف بينهم قادة من الجيش السعودي، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول المراحل المقبلة وما بعد العملية إضافة إلى بعض ما تفاصيل وأحداث وخلفيات ومستقبل اليمن وأسرى التحالف، وانعكاسات ما بعد نجران على وقف العدوان على اليمن، هذه التساؤلات وغيرها يضيء عليها الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية العقيد عبد الغني الزبيدي، في حوار خاصة مع “مرآة الجزيرة”.
“عملية نصر من الله أحدثت زلزالاً كبيراً في هذه الحرب التي تدار على اليمن منذ خمس سنوات”، بهذه الكلمات يصف العقيد الزبيدي عملية نجران، مبيناً أنه بموجبها “تغيرت قواعد اللعبة والاشتباك وهذا التغير أصبح واضحاً وجلياً، في المعركة، وقد وثقت المقاطع المصورة العملية وقواعدها”.
وينوه بأن تأثيراتها على المشهد اليمني، تتبلور في وجود “رؤى بأن السعودية بدأت تتحدث عن السلام وتتحدث عن قبولها بمبادرة صنعاء”، ويشير إلى “تغريدات نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، الذي يؤكد تعامل الرياض بإيجابية مع المبادرة التي أرسلت من اليمن، واليوم هناك حديث عن اليمن وليس عن إيران كما كانوا يزعمون من قبل”.
الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية، يفسر أن العملية انعكست داخل المشهد اليمني، بتغيير “المعادلة العسكرية، اليوم ليس فقط بالطيران المسير والصواريخ البالستية وإنما هناك تغيير على مستوى الفعل الميداني العسكري، هناك تذمر كبير جداً من الذين يقاتلون مع السعودية، وهناك عدم استعداد للدخول في أي معركة، كما أن السعودية اليوم لا تثق بمن استدعتهم واستأجرتهم للقتال معها، وبدأت تشك في إمكانياتهم وفي أنهم إذا ما دخلوا في معركة قادمة مع الجيش واللجان هؤلاء ربما في أول مواجهة يسلمون أنفسهم، لأن هناك تذمر واسع من قبل المقاتلين والمرتزقة الذين تم استجلابهم للدفاع عن الحدود الجنوبية، وهذا الموضوع بدأ يؤرق السعودية وهي ترى أن أي عملية قادمة وخاصة العمليات الميدانية لن تكون في صالحها”، ويضيف أن “هناك خلاف كبير جداً بينها وبين ما يسمى بالشرعية وهؤلاء يتذمرون من السعودية ومما حصل لهم في المحافظات الجنوبية وفي عدن بالذات”.
وبشّر بأن تغير المشهد اليمني اليوم، قد ينعكس على شكل “اتفاق سلام أو وقف إطلاق النار بشكل كامل في الجبهات الداخلية وأيضا على مستوى الغارات الجوية، ربما نرى تعليق للغارات، وذلك لأن العملية كان لها تأثير في تعجيل عملية السلام”.
“نصر من الله” التي تأخرت أشهر للإعلان عنها، يوضح العقيد الزبيدي أن السبب في الإعلان يعود للتكتيك العسكري الذي يحمل في طياته “إيصال رسالة إلى السعودية التي تعرف أن هناك هزيمة، ولكن لا تعرف أن هناك توثيق بذلك الشكل في التصوير، لانه تم استدراج الألوية وكان الإعداد بما فيها لموضوع التصوير، حيث كان هناك أكثر من 100 كاميرا، لتوثق المشهد العسكري منذ بدئه”، ويضيف أن “هناك تكتيك في الحرب النفسية، عندما تم توثيق العملية وتأجيل الإعلان عنها، لم يكن تأجيل بالمفهوم الإعلامي والحرب النفسية، إنما كان لإنجاز العملية بالكامل وتتم السيطرة على كل الأراضي التي تم الحديث عنها، وهي أكثر من 500كلم، والسيطرة لاتعني فقط تطهير هذه المساحات إنما السيطرة عليها، وهذا فعل عسكري جديد، لأن المساحة كبيرة جداً وقضية البقاء فيها رغم الغارات المكثفة التي تجاوزت 600 غارة جوية ليس بأمر سهل”.
“نصر من الله” رسالة للرياض والعالم بإمكانيات اليمن ويبلور العقيد الزبيدي أسباب تأخير الإعلان عن العملية، بأهداف كبيرة جداً، يتمحور أولها حول “إرسال رسالة للسعودية أنه يمكن أن لا نعلن عن العميلة وندخل بسلام ويكون هناك أمن واستقرار يعم البلدين، أما الثاني، فهو رسالة المجلس السياسي الأعلى باعتبار أنه نحن بهذا الموقف كي لا نحرجكم ونرسل المبادرة إلى المجتمع الدولي، ويمكن أن تتعاونوا بها”، مستدركاً بأن السلطات السعودية “استهانت بالمبادرة، وقامت بعمليات جوية وقتلت الأطفال والنساء، هذا ما جعل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الوطني والقيادة العسكرية، تعلن عن العملية بهذه الطريقة التي أيضا كان فيها إلى جانب إظهار الحقيقة حرب نفسية من الطراز الأول”.
وينبه إلى أن “العدوان ارتكب الكثير من الجرائم خلال الفترة الماضية، واليوم وهو دفع ثمن تلك الجرائم، الله نصرنا ووفقنا لأننا كنا مظلومين وأصحاب حق والله أراد أن يخزيهم، ويذلهم في نهاية المطاف، والعمل الذي حدث في موقعة نجران الكبرى سيكون درس لكل من يفكر بالدخول إلى اليمن أو غزوه”.
أما حول الأسرى السعوديين، يقول العقيد الزبيدي إنه “لم يكن هناك جيش سعودي منذ البداية، في بداية العدوان كان هناك مجموعة من المقاتلين اليمنيين دخلوا إلى المناطق في جنوب السعودية، وكان هناك مجاميع من الجيش السعودي تفر في أول معركة، ومجاميع المرتزقة الذين تم استجلابهم وكانوا بأعداد كبيرة سواء من السودان أم اليمن الذين تم استئجارهم في تلك المرحلة كان هناك أعداد كبيرة جداً، وكان هناك تصريحات كبيرة من قبل الرياض والتحالف للسيطرة ليس فقط لإنشاء منطقة عازلة على مدن كبيرة صعدة وحجة والجوف المتاخمة للسعودية”، موضحاً أن العملية بددت طموحات وحلم إقامة المنطقة العازلة.
وقال “مع التذمر الكبير من قبل المرتزقة حتى السودانيين، وقد أصبحت السعودية وحدها، هل هم مستعدون لمواجهة أي عمليات عسكرية مستقبلية، السعودية اليوم، كشفت سوءتها وبانت أمام العالم أنها لا تمتلك جيشا كبيرا كما كانت تروج، كما أن الآليات والمعدات العسكرية والطيران والأسلحة لم تكن ذات فعالية، رغم ما أحدثته من تدمير وضرب وخراب، ولكن في الفعل العسكري مع مرور الوقت والأيام وإرادة المقاتل اليمني صاحب القضية والأرض أثمرت النتائج التي جعلت السعودية في موقف لا تحسد عليه”.
في سياق الإلتزام اليمني بالمعاهدات الأممية والدولية، يبين الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية أن العناصر الذين أسروا في عملية “نصر من الله” سيعاملون وفق “منظومة الأخلاق والقيم المعروفة لدى الشعب اليمني بحماية الملهوف والأسير، ومهما كانت أفعاله تجاه اليمن، وهؤلاء الذين قاتلوا سواء من قبل السعوديين والمرتزقة والسودانيين، تم التعامل من منطلق إنساني واحتراما للقانون الإنساني، واتفاقيات جنيف المعنية في حقوق الأسرى في النزاعات”، مشيراً إلى أن “هذا ما يدل على أن هناك قيادة حكيمة وراشدة وأن هناك عقل يفكر ملياً وجدياً ولا يفكر بأن يكون مجرد عقل ثأري، رغم ما يتعامل به الطرف الآخر وفق هذه الأخلاق، وهو لا يزال يرفض تنفيذ اتفاق السويد بشأن الأسرى والتعامل معهم”.
عسكرياً، ومع عدم تقبل السلطات السعودية واستيعابها لصفعة نجران الكبرى، فإن التهديد اليمني لايزال قائماً، ولا قيد يجمده سوى الإلتزام بمبادرة السلام اليمنية، ويؤكد العقيد الزبيدي أنه “مع تشكيل العملية ضربة موجعة للسعودية التي تعد بأنها أخذت نصيبها من الضربات، فإن الحليف الآخر في التحالف والمتمثل في الإمارات ليس بمنأى عن تلقي أي ضربة يمنية”،ويشدد على “أنه سبق أن حذرت القيادة اليمنية السياسية والعسكرية النظام الإماراتي إما أن يقوم بالإنسحاب كما أعلن وروج أما سيناله نصيب.
وهناك مؤشرات جدية لخروج الإمارات وربما كان لديه مشاكل مع السعودية في كيفية الخروج ومن هم التنظيمات والجماعات التي يمكن أن يعتمد عليها في المحافظات الجنوبية”، ويتابع أن “المشهد لايزال مفتوحا، فإذا كانت السعودية ستعلن عن وقف إطلاق النار، فإن هذا الموضوع سيشمل كافة الأطراف، وبالتالي لن يتم استهداف الإمارات لأنها ستعلن أنها قد انسحبت أو التزمت بالقرار السعودي، وفي الأخير، الإمارات مهما بلغت من قوة ونفوذ فإنها لا تزال مرتبطة بالنظام السعودي ولايمكن أن تخرج عن مساره، صحيح أنه تم تأجيل أي استهداف لأبوظبي، ولكن في حال استمر العدوان فإن الضربة ستكون في السعودية والإمارات أيضاً”.
(مرآة الجزيرة – سناء إبراهيم)