المشهد اليمني الأول/
لا تبدو العربيّة السعوديّة بخير، هذا الحال على الأقل ما يراه بعض المُعارضين السعوديين في الخارج، أو من يبيحون بمكنوناتهم في الداخل، فاليوم هي الذكرى الأولى لاختفاء وإنكار، ثم الاعتراف بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصليّة بلاده في تركيا، بل وإعلان قبلها بأيّام للمُفارقة مقتل حارس الملك سلمان الشخصي اللواء عبد العزيز الفغم، والذي لا تزال تُطرح تساؤلات حول طريقة موته، والرواية الرسميّة التي يقول مُعلّقون إنّها ليست منطقيّةً بواقع وحُكم منصب الرجل، وحسّه الأمنيّ، الذي يُوجب عليه التنبّه لدخول صديقه ضابط المخابرات ممدوح آل علي، والذي نجح في أن يُرديه قتيلاً، ومات هو الآخر على يد الشرطة، وذلك كلّه حسب البيان الصادر عن المُتحدّث باسم شرطة مكّة المكرّمة.
الواقع الذي لا يُنبئ بالخير، كما يقول مُتابعون للشأن السعودي، لا يتوقّف عند حُدود ذكرى مقتل خاشقجي، ولا مقتل اللواء الفغم الغامض هذا، بل يذهب إلى الكارثة العسكريّة، التي لحِقَت بالمملكة، حين أعلنت حركة أنصار الله الحوثيّة، أسْر فصيل كامل من الجنود السعوديين، ضمن ما أُطلِق عليها اسم “نصرٌ من الله”، بل أعلن المتحدّث العسكري باسم الجيش اليمني العميد يحيى سريع اغتنام قوّاته، الآلاف من الآليّات العسكريّة، وبين الأسرى من الجيش السعودي، ضباط، وقادة، وجنود، وهي عمليّة بحسب سريع استمرّت لعدّة أشهر.
السعوديّون صامتون.. واليمنيون يُوثّقون
الذّهول المبدئي، والصّمت، كان قد بدا لافتاً على وجوه وسائل الإعلام السعوديّة الرسميّة والخاصّة، التي لم تُعلّق في البداية على العمليّة الكاسرة للتّوازن، والتي حوّلت اليمنيين وفق الخبراء العسكريين من مُدافعين، إلى مُهاجمين، بل تقدّموا آلاف كيلو المترات داخل الأراضي السعوديّة، وتحديداً في هجومٍ على مدينة نجران، ضمن ذات العمليّة التي حملت اسم “نصرٌ من الله”.
اليمنيين كانوا قد وثّقوا عمليتهم تلك، بالمقاطع المرئيّة، ونشرت قناة “المسيرة” تقريراً مُوثّقاً للعمليّة التي تمّت كما قالت في محافظة نجران جنوبي غربي اليمن، وهي أكبر عمليّة نفّذها الحوثيّون ضد التحالف العربي للحرب على اليمن، أو ما يعرف باسم “عاصفة الحزم”.
التّوثيق المرئي اليمني للعمليّة، كان كما يُقدّر مراقبون، تحسّباً للإنكار السعودي، والنّفي الذي اعتاده الناطق العسكري باسم التحالف بقيادة السعوديّة، وهو نفسه الذي كان قد أكّد مع بداية عمليّات التحالف ضد اليمن، أنه تم تدمير أسلحة الحوثيين بالكامل، بل إنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان قد تحدّث في مُقابلته مع الإعلامي داوود الشريان عن “اجتثاث” لما تبقّى من قوّاتٍ الجيش اليمني بتحريك الجيش السعودي، والسيطرة على ما تبقّى من مناطق خارج سيطرتهم من 85 بالمئة من السيطرة الكليّة.
مسرحيّة مُضلّلة أم ضربة مُوجعة؟
السعوديّون بدورهم مارسوا صمتاً طويلاً، ولم يُصدروا نفياً أو حتى تعليقاً حول إعلان العميد سريع، ثم جاء النّفي على لسان المتحدّث باسم التحالف السعودي الإماراتي العقيد تركي المالكي، الذي وصف إعلان الحوثيين، وأسْرهم خلالها حواليّ 2000 جندي، ورغم التوثيق المرئي، بالمسرحيّة، واعتبر أنّ ادّعاءات الحوثيين لا تستحق الرّد، ويدخل في إطار حملة كما وصفها بالمُضلّلة، ثم عرض المالكي لما قال إنّها صور ومقاطع فيديو لاستهداف التحالف لعناصر، وعربات نقل أسلحة تابعة للحوثيين في جبهات القتال، حيث فقدت الجماعة أكثر من 1500 عنصر.
في ميزان القِوى العسكريّة، ووفق خبراء عسكريين، لا تبدو الخسائر التي ألحقها التحالف كما أعلن العقيد المالكي، بمثابة الضربة المُوجعة والكاسرة للطّرف الآخر، وهي خسائر تعتمد في جلّها على الضربات الجويّة، وسلاح الجو الأضخم الذي تمتلكه العربيّة السعوديّة بعد إسرائيل، وهو من المُفترض أن يُحقّق لها وفق الخبراء السيطرة على السماء، وبالتّالي التفوّق على الأرض، لكن يبدو أنّ مُعطيات الواقع، تقول عكس ذلك، بواقع الكمائن التي ينجح الحوثيون بتنفيذها، وأسر جنود وضباط سعوديين ويمنيين (2000) يصفهم الإعلام اليمني بـ”المرتزقة” أو المُضلّلين، وهي الرواية التي يصفها التحالف بالمسرحيّة، لا بل والتوغّل اليمني داخل الأراضي السعوديّة، و”تحرير” مئات كيلو المترات من أراضٍ داخل اليمن (محور نجران) كانت تحت السيطرة السعوديّة.
الأسرى السعوديين بالأسماء والأرقام
لم يكد يمض ساعات على وصف التحالف السعودي الإماراتي عمليّة اليمنيين، بالمسرحيّة، والمُلفّقة، حتى تعمّد قادة الجيش اليمني إحراج التحالف فيما يبدو وصمَت مُجدّداً حتى كتابة هذه السطور، وبثّ الإعلام الحربي صوراً، ومقاطع فيديو لما أسموه المرحلة الثانية من عمليّة “نصرٌ من الله”، والتي سمّيت بعمليّة الشهيد أبو الحسنين، حيث بثّ العميد سريع هذه المرّة مشاهد لبعض الجنود السعوديين الأسرى، وآلاف من المرتزقة، الذين ظهروا بأنفسهم في مقاطع فيديو مرئيّة، يُعرّفون فيها عن أسمائهم، والكتيبة التي يتبعون لها، ورقمها.
وخلال الإعلان عن المرحلة الثانية، كان لافتاً كما يلحظ المراقبون، إشارة العميد سريع، إلى تنفيذ كما وصفه بطيران العدو، أو طيران التحالف ما يقارب 600 غارة جويّة، وتحديداً خلال تنفيذ المرحلة الثانية من عمليّة “نصرٌ من الله”، ويبدو أنّ هذه الغارات لم تَحُل دون وقوع الأسرى السعوديين، والسيطرة على 3 معسكرات تابعة للسعوديّة، هذا عدا عن توعّد حركة أنصار الله استمرار عمليّاتهم العسكريّة، فيما لم يتوقّف العدوان، وهو ما يُرجّح الفرضيّة العسكريّة التي تقول، إنّ التفوّق الجوّي، لا يعني الانتصار في الميدان، ويحتاج إلى قوّات بريّة قويّة وداعمة.
بن سلمان يميل للتّفاوض.. والجبير: النظام الإيراني “مارق”
استمرار العمليّات العسكريّة اليمنية داخِل الأراضي السعوديّة من عدمه، مرهونٌ كما أعلن العميد سريع، بتوقّف العُدوان السعوديّ على بلاده اليمن، وهو قرارٌ بطبيعة الحال بيد وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي بدا في مُقابلته مع محطّة “سي بي إس” الأمريكيّة الأخيرة، حريصٌ على الحل السلميّ، ويُفضّل الحل السياسي على العسكري، سواءً مع إيران، أو في حربه الحاليّة مع اليمن.
مُقابلة الأمير بن سلمان الأخيرة، جرى تسجيلها ما قبل الإعلان عن عمليّة “نصرٌ من الله”، وربّما آثار هذه العمليّة، ستكون على تهدئة الأمير بن سلمان، كمقولة “كلام الليل يمحوه النهار”، أيّ أنّ هذه العمليّة ستُعيد الخلاف إلى المُربّع الأوّل، عدا أنها كما يرى مُعلّقون، إهانة للجيش السعودي، وقيادته، وتبخّر لمقولات “اجتثاث” ما أسمتهم بالحوثيين، بأسابيع، أو حتى ساعات.
وها هو الوزير عادل الجبير، وزير الدولة للشّؤون الخارجيّة، قد حدّد ست شروط تمثّل موقف بلاده من طهران قائلاً: “موقف المملكة أعيده هنا لعلهم يسمعون: أوقفوا دعمكم للإرهاب، و سياسات الفوضى والتدمير، والتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية”، كما دعا طهران أيضا إلى “وقف تطوير أسلحة الدمار الشامل، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والتصرف كدولة طبيعية وليس كدولة مارقة راعية للإرهاب”، وعن دعوة طهران للتهدئة في اليمن، قال الجبير: “المملكة لم ولن تتحدث عن اليمن مع النظام الإيراني، فاليمن شأن اليمنيين بكافة مكوناتهم وسبب أزمة اليمن هو الدور الإيراني”، ووصف الجبير النظام الإيراني بالمارق.
بن سلمان.. بين عَزلٍ مُحتملٍ لترامب ومقتل اللواء الفغم
وفي سِياقٍ متّصلٍ، تُرجّح أصوات في الأوساط السعوديّة، أن تكون الأولويّة بالنسبة للأمير محمد بن سلمان، هو التأكّد من وصوله للعرش، حيث لا تزال تُلاحقه اتّهامات توجيهه الأمر بقتل الصحافي خاشقجي، وفي الذكرى الأولى لمقتله، كما يجري الحديث عن فرضيّات مقتل حارس الملك الفغم، لها علاقة بتمهيد الطريق للأمير بن سلمان للحُكم، وعزل والده الملك، والأهم كما يُرجّح مراقبون ما قبل التّفاوض مع اليمنيين، التّحرّك ما قبل عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المُحتَمل، أو عدم إعادة انتخابه، حيث يحظى الأمير الشاب بدعمٍ غير مسبوق من ترامب وإدارته.
كيف ستُنهِي السعوديّة الحرب في اليمن؟
التّساؤلات المَطروحة، بغض النّظر عن توقيتِ اختيار السعوديّة للتّفاوض مع الحوثيين، وإعلانها انتهاء حرب اليمن، هو حول الطريقة المُثلى التي ستقبل به السعوديّة إنهاء هذه الحرب، وما إذا كانت لا تزال تملك أوراقاً تُمكّنها من فرض شروط لصالح حكومة الشرعيّة التي كانت قد قالت إنها لن تُنهي الحرب إلا بعودتها، وما إذا كانت ستُسلِّم ببقاء حكومة الإنقاذ بصنعاء، وسيطرتها المفروضة بواقع الحال، والسؤال الأكثر إلحاحاً في أوساط المُراقبين، هل يُمكِن لليمنيين بالفِعل فرض واقع جغرافي جديد على الخارطة السعوديّة خلال عمليّاتهم العسكريّة القادمة فيما لو لم تُوقِف السعوديّة حربها على اليمن، فالمرحلة الأولى من توغلّها في أراضي المملكة حملت اسم “نصرٌ من الله”، فماذا لو أتبعتها ب”وفتحٌ قريب” وأين؟، تساؤلاتٌ مطروحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“رأي اليوم”- خالد الجيوسي