المشهد اليمني الأول/
عملية “نصرُ من الله” فاتحة النهايات السوداء لغرور القوة ، وتجسيد لعجزها ،أمام بأس من استمدوا من الله النصر ، وقاتلوا باليقين وبالإيمان وبالإرادة وبالثقة في الله وفي وعده لعباده المظلومين ، وهي انعكاس لحقائق التاريخ ، ومنطق الجغرافيا اليمنية تلك التي ما تركت زمنا إلا وجسدت فيه حقيقة أن اليمن سابقا وحاضرا ولاحقا مقبرة الغزاة أبدا.
مشهد الانهيار المريع للقوات والحشود، أكد أننا أمام مرحلة الانهيارات الكبرى لمنظومة العدوان ، ناتجة عن الارتدادات والانعكاسات الحتمية لغرور القوة وتورماتها ، وفي مشاهد التهاوي تلك ما يعبر عن الانكشاف الاستراتيجي والضعة والتردي والنهايات السوداء لمن جعل من القتل وإبادة الشعوب ودمار وخراب البلدان وإهلاك الحرث والنسل هواية وطريقا إلى الحكم والزعامة ، وفيها ما يكرس حقيقة أن القوة والعتاد والعربدة لا تغير في واقع المواجهة بين المعتدين والمدافعين شيئا ، فالسنن الإلهية وعواقب الصراعات والحروب أن الدم ينتصر على السيف ، وأن كل أرض ستعود لأهلها ، وكل حق لأصحابه ، وتلك حقائق وسنن لا تتغير ولا تتبدل بالتفاصيل والعناوين والتواريخ والسنين والأزمان.
“نصرُ من الله” تضيف إلى صمود الشعب اليمني في مواجهة العدوان الغاشم زخماً إضافيا ، وبحجم يفيض عن كل ما سبق في التكتيك وفي الاستراتيجية وفي الإنجاز وفي الأبعاد وفي الرسائل وفي النتائج أيضا، باعتبارها نقطة تحول في مسار معركة التصدي للعدوان ، إذ لم تعد تؤثر العربدة المنفلتة ولا العدوانية المتأصلة في قادة هذا النظام المارق ،وباعتبارها انتصاراً سابقاً من نوعه في صميم ما هو قادم يرسم آفاقا ومسارات جديدة ، وحين تقلب المعادلات تنتهي عربدة القوة وتنهزم الحشود وتوضع النهايات للغطرسة ، وتبدأ مسلسلات التهاوي لنظام أراد أن يكسر إرادة اليمنيين ، فانكسر بتلك الصورة السابقة والنادرة جدا في تاريخ الحروب والمعارك والغزوات…
على أن الأساس والجوهر في العملية القيمة المضافة التي تجلت في الأبعاد التي تحققت على المستوى الإستراتيجي ، مع تغيير في مفهوم الرد والردع وقواعده والأسس التي يستند إليها ، فإن ما تحقق في عملية “نصرُ من الله” أطاح بمخطط العزل للمناطق وإنشاء مساحات آمنة على طول الخط الحدودي بنحو خمسين كيلو مترا كان يسعى النظام السعودي لذلك ، وفي الحدث والتنفيذ للعملية والنتائج أعظم من أن نستوعبه ، وأكبر من أن يتحمله النظام السعودي ، إنما ومن بوابة الإدراك لحجم العملية والتطور الحاسم الذي صنعته بما تنطوي عليه من معادلات ، ألغيت بها قيمة الرهان والتعويل السعودي على عديد القوات وكثافة النيران مع الحشد والتحشيد من المرتزقة في معارك الحدود وغيرها ، وكيف يمكن أن تتحول كل تلك القوة إلى هزيمة ساحقة وفاضحة بكل المقاييس.
وعلى أية حال فإن ما بعد العملية مختلف كليا ، باعتبار أن التجربة والحيثيات التي دارت تضع النقاط على الحروف ، وتدشن مرحلة جديدة ستتفاعل انطلاقا من تأكيد الثوابت في رسم المصائر بعد سنوات خمس من الحرب والمواجهة ، في مقدمتها أنّ أي وجود للأجنبي في أي بقعة يمنية مصيره الموت.
بالتأكيد لم تنته التفاصيل وبالتالي النقاشات ببث المشاهد الأولية لعملية “نصرُ من الله” التي جاءت كأكبر عملية عسكرية تجسد الصمود اليمني وقوة الإرادة والإيمان الراسخ ، إنما ومن الذي شاهدناه فإن عملية “نصرُ من الله” أنموج ماثل في الحروب وتاريخ المعارك العسكرية ستبقى طويلا للعديد من المقاربات والتأملات والدراسات البحثية والعسكرية ، فالعملية نقطة مفصلية في قواعد الاشتباك التي لا تشبه ما سبقها أبدا ، وهي ترسم معادلات ميدانية جديدة ناتجها القريب والبعيد هو إسقاط العربدة السعودية ، وهزيمة القوة الغاشمة التي اعتمدت عليها في معاركها الميدانية ، بينما ستتكفل تداعياتها بالتحكم في بقاء أو زوال النظام السعودي.. والله غالب على أمره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالرحمن الاهنومي