المشهد اليمني الأول/
كنتُ قد كتبت في مقال سابق أن سياسة اللعب على حافة الهاوية وخصوصاً في منطقة الخليج قد تؤدي الى الهاوية في حال سوء التقدير بل وأن انقطاع الامدادات النفطية من الخليج العربي في حالة اغلاق مضيق هرمز ستؤدي الى انهيار الاسواق المالية الامريكية وبالتالي الاسواق العالمية كما أنها ستؤدي الى ازمة كساد ستطيح بالنظام الرأسمالي برمته وليس فيما أقوله اي مبالغة. سأوجز نتائج آخر عملية استهداف لمنشآت ارامكو في بقيق.
كانت الاخبار الاولى عن الحادث تتميز بعدم الدقة بما في ذلك بيان انصار الله (الحوثيين) والتي وصفت المنشآت المستهدفة بالمصفاة مع انها ليست كذلك، وكما ان بيان السعودية الرسمي الاول الذي كان متسرعاً قبل تقييم الاضرار و ادعى عدم توقف الانتاج بعد الاستهداف. منشآت ارامكو في بقيق ليست مصافي نفط وانما تتكوّن من ثلاث مناطق عمل رئيسية هي مجمع لفصل الغاز عن النفط الخام، ومجمع الغاز المسال، ومجمع المنافع المساندة.
تقييم الاضرار:
من الصعب بل من المستحيل تقييم الاضرار حتى ولو بصفة مبدئية في هكذا منشآت في أول 8 ساعات بل و24 ساعة بل و 48 ساعة . المهم أولاً ايقاف الحرائق والدخان ثم لمعرفة الاضرار والأجهزة التي تضررت . ثمّ يتوجب عمل قائمة بالمعدات والالات اللازم استبدالها ثم معرفة وجود القطع المطلوبة في المستودعات . لا يكون عادة في المستودعات من قطع الغيار أو المعدات ما يكفي لمتابعة اعادة البناء والتأهيل لمثل هذا الحجم من الخراب فيتم توصية المطلوب من المصادر الخارجية وتحديد فترة التجهيز والشحن . عندها يمكن بناء خطة عمل لاعادة التأهيل.
يخرج النفط من الابار ومعه الغاز المصاحب . لا يمكن شحن النفط وتحميله في ناقلات النفط قبل ذلك الفصل . ويُرسل الغاز اما الى معامل التسييل او بصفة غاز الى معامل البتروكيماويات كمعامل شركة سابك على سبيل المثال . اذن الخسارة هي ليست فقط 5.7 مليون برميل في اليوم أو 350 مليون دولار في اليوم على السعر قبل الارتفاع ولكن هناك خسارة الى 50% من طاقة الغاز في السعودية مما يضطر الى تقليل قدرة المصانع البتروكيماوية بهذا المقدار التي قد لا تقل عن 150 مليون دولار يومياً مما يعني خسارة يومية ب500 مليون دولار أو ب15 مليار دولار في الشهر .
خطة العمل:
بعد تقييم الضرر الحقيقي والذي يحتاج الى وقت وبعد ورود المعلومات عن ما هو موجود في مستودعات شركة ارامكو كإحتياط وما ورد من معلومات عن القطع المستوردة من الخارج يتم بناء خطة عمل. عادة لا تكون طاقة المعالجة كلها في خط واحد وإنما تكون في خطوط متشابهة متوازية . يمكن اللجوء الى ما يسمى بالمبادلة (Cannibalization) وذلك لأن الاضرار في الخطوط المتوازية لا يكون متشابهاً في كافة المعدات . يمكن في هذه الحالة اخذ بعض المعدات السليمة من بعض هذه الخطوط لتكوين خط عامل أو اكثر من خط ويتم استعادة جزئية للانتاج . ولذلك اذا لم تكن غرف المراقبة (control rooms) متضررة فربما يمكن التأهيل والتشغيل الجزئي خلال 30 الى 60 يوماً . لكن في حال تضرر اجهزة المراقبة فالامر سيطول اكثر من ذلك. وأما اعادة التأهيل الكلي فأغلب الظن أنها ستأخذ شهوراً .
الآثار على الاسعار:
يتوقف كل ذلك على تقييم الاضرار وخطة التأهيل والمدة المطلوبة للتأهيل الجزئي ثم الكلي. سيكون هناك حرباً نفسية لمحاولة التقليل من مخاوف المستهلكين للنفط . تستورد الولايات المتحدة على الاقل 6 مليون برميل تقريباً باليوم وهذا يعني أن احتياطها الاستراتيجي يكفي الى 125 يوماً لتغطية حاجاتها فقط . لو طالت عملية اعادة التأهيل والتشغيل الى ما يزيد عن 4 شهور فسيصل سعر البرميل الى السماء وقد يصل الى 200 دولار لان الولايات المتحدة لن تجازف بخفض مخزونها الى الصفر . في حال كان بالامكان اعادة التأهيل والتشغيل الجزئي بين 30-60 يوماً فيمكن أن تكون زيادة السعر بين 5 -15 دولار عن السعر الحالي. لكن هذه القضية هي الخبر السيء لترامب وللاقتصاد الامريكي بل والعالمي . يعيش الاقتصاد الامريكي اليوم حالة انكماش وفي مثل هذه الحالة ترغب الولايات المتحدة بخفض اسعار النفط لتحفيز الاقتصاد وتخفض الفوائد البنكية . أما زيادة السعر فهو بعكس ما يحتاجه الاقتصاد الامريكي . والاقتصاد هو مفتاح النجاح والفشل لاي رئيس امريكي لاعادة انتخابه . جورج بوش الاب خسر اعادة انتخابه للتباطئ الاقتصادي مع ان شعبيته بعد حرب الخليج وصلت الى اعلى مستوى في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة .
ما يدمي القلب اننا ندمر بيوتنا بأيدينا ونقتل بعضنا بعضاً. بلادنا اصبحت مستباحة واصبحنا بلا وزن في السياسة وفي الاقتصاد مع اننا نملك مفاتيح الاقتصاد العالمي . بيوت دول النفط من زجاج فالافضل ان لا يرمي بعضهم بعضاً بالحجارة. هذا ما فعلته مسيرات بدائية فإذا نشبت الحرب فلن يكن احد في مأمن وسيتوقف انتاج النفط والغاز وستصبح دول النفط بلا ماء ولا كهرباء وسيصاب العالم بانهيار اقتصادي غير مسبوق في التاريخ.