المشهد اليمني الأول/ تقرير – منير الشامي
كانت الإتفاقيات التي وقعها انصار الله مع إيران في عام ٢٠١٤م ناقوس الخطر بل والوتر الحساس الذي عزف عليه النظام الأمريكي سمفونية الرعب والترهيب لأنظمة الخليج، وجعلها تعيش كابوسا مخيفا أفقدها التوازن وجعل سيقان أمراء النفط عاجزة على الوقوف لترقص او تتمايل حتى للحظات أمام النظام الأمريكي الذي تعبده فشحبت وجوههم وانخلعت قلوبهم وهم مذهولون مما سمعوه.
لم يسترسل النظام الأمريكي ويسهب في الشرح والتوضيح لهم فقد اكتفى بقول عبارة واحدة لهم هي تلك الإتفاقيات ستمحوا عروشكم من وجه الأرض إن لم تحولوا دون توقيفها !
ربما خيم عليهم الصمت بعد سماع تلك العبارة برهة من الوقت لهول فاجعتهم إلا أنهم بعدها ردوا جميعا وما هو الحل ؟
فرد عليهم اربابهم : الحل مسح انصار الله من وجه الأرض حتى ولو كلف ذلك ابادة الشعب اليمني كله !!!
ولأنهم يثقون بالوثن الأمريكي انطلقوا لشن عدوانهم على اليمن دون أن يحسبوا او يفكروا فيما اجمعوا امرهم عليه او يدرسوا العواقب إن فشلوا بل انطلقوا كما تنطلق ابلهم في مضامير سباقهم تدفعهم الصياط الأمريكية كما تدفع إبلهم الصياط الآلية، فاعلنوا عاصفة الحزم فورا ودون سابق انذار ومن وشنطن نعق الغراب عادل الجبير (سفير السعودية أنذاك لدى امريكا) ببدء عمليات عاصفة الحزم بتصريحه المشؤوم مساء ٢٦ / ٣/ ٢٠١٥م.
وبعيدا عن الخوض في عواقب عدوانهم ونتائجه التي جنوها على بلدانهم بعد اكثر من اربع سنوات ونصف دعونا نبحث عن آثر تلك النتائج بالنسبة لدولة إيران.
فالملاحظ أن ايران هي الدولة الوحيدة في العالم والمناهضة للعدوان على اليمن التي حققت مكاسب عسكرية ودولية من ورائه رغم أنها ضده، وربما لم تكن لتحققها حتى لو انفقت بقدر ماأنفقته وتكبدته دول تحالف العدوان حتى اليوم إضافة إلى أنها نجت من خطر عدوانهم عليها وهو ما يؤكد أن هذه المكاسب التي تحققت لإيران لم تكن هي تحلم بتحقيقها يوما من الأيام نوضح بعضا منها على سبيل المثال ما يلي:-
أولاً – كانت أيران قبل العدوان على اليمن بشهور هي الهدف الأمريكي والغربي المنشود وكان المبرر هو ملفها النووي، ولعل الجميع يتذكر ان مفاعل بوشهر النووي أنذاك كان مفتوح على مدار الساعة للمراقبين الدوليين من وكالة الطاقة النووية الدولية، ومن غيرها ليلا ونهارا، إضافة إلى أن الضغوط الإسرائيلية على أمريكا والأنظمة الغربية كانت على وشك أن تؤتي أوكلها بعدوان دولي على إيران، حولوا إتجاهه فورا إلى اليمن بمجرد وصول انصار الله إلى صنعاء وبعد توقيع تلك الإتفاقيات مباشرة حينها فقط إنحرفت البوصلة في إتجاه آخر وتغيرت الحسابات الصهيوامريكية والغربية بظهور أولوية قصوى تمثلت بالقضاء على حركات المقاومة العربية والإسلامية باليمن وسوريا ولبنان والعراق كخطوة استباقية ملحة واساسية لتحقيق النجاح في ضرب ايران الضربة القاضية، وكانت أول تلك الحركات وأهمها لديهم الحركة الأنصارية الحديثة التي ظهرت في اليمن وعجز النظام اليمني السابق في النيل منها او اضعافها خلال ست حروب هو والنظام السعودي فأعتبروها الحركة الأكثر خطراً عليهم وعلى مصالحهم بالمنطقة كونها الأقرب لها ولذلك فهذه الحركة مثلت التهديد المباشر عليها وعلى المشروع الغربي بالمنطقة .
لقد ظنوا انهم سيقضوا على هذه الحركة الفتية خلال اسبوعين او شهر بالكثير وما زاد من عزمهم هي الأحداث السريعة التي حققتها الحركة الأنصارية على الأرض والتي ايقنوا من خلالها أن هذه القوة الفتية تتنامى بسرعة وقوتها تتضاعف يوما عن يوم وإنهم كلما تأخروا تناقصت فرصتهم في القضاء عليها فبادروا بتحريك ادواتهم القذرة لشن العدوان قبل ان تحكم سيطرتها على اليمن من أقصاه إلى أقصاه مع استمرار دعم الصراع السوري لإستنزاف قوة حزب الله وسوريا على حد سواء وبعدها يأتي الدور على إيران.
ثانيا – خيبة تحالف العدوان وفشله في القضاء على حركة انصار الله في المدة التي حددوها أدى إلى إبعاد الخطر عن إيران شيئا فشيئا مع مرور الزمن حتى تلاشى تماما اليوم واصبحت أكثر قوة وأمانا في العام الخامس وكل ذلك بسبب بسالة اليمنيين ومقاومتهم ومواجهتهم الشرسة التي جعلت دول التحالف غارقة في مستنقع اليمن وعاجزة في حسم المعركة وعاجزة ايضا في التراجع إلى الوراء في نفس الوقت.
ثالثا – حققت إيران خلال سنوات العدوان مكاسب كثيرة فبسبب إنصراف النظام الصهيو امريكي والأنظمة الغربية وانشغالهم جميعا بحلب البقرة السعودية والنعاج الخليجية وتحويل فشل تحالف العدوان إلى مشروع استثماري لجني مئات المليارات أتيحت الفرصة والوقت لإيران للمضي في برنامجها النووي ورفعت نسبة التخصيب لليورانيوم من الحد الذي كان مسموح به لها إلى مستويات قياسية وتمكنت من تطوير اسلحة ردع جديدة بما فيها الأسلحة الإلكترونية مما زادها قوة وعنفوانا وأصبح النظام الصهيوامريكي والأنظمة الغربية تهاب إيران ألف مرة من ذي قبل فاسقطت الطائرات الأمريكية واقتادت ناقلات النفط وزادت من فرض سيطرتها وتحكمها على مضيق هرمز وعلى الامن البحري في المنطقة وبدلا من أن كانت تخشاهم في عام ٢٠١٤م اصبحت اليوم تتحداهم مما حدى بهم إلى تغيير نبرتهم من التهديد إلى التودد لها لدرجة ان يبحثوا لها عن اعذار لبعض عملياتها العسكرية ضدهم واولهم الرئيس الأمريكي ترامب.
رابعا – لم تتحقق أولوياتهم واهدافهم في العام الخامس من عدوانهم على اليمن والعام التاسع من عدوانهم على سوريا فقد تمخضت الأحداث بنتائج عكسية تماما فاليمن زاد قوة ونفيرا وسوريا باتت على خطوات قليلة من تحقيق النصر العظيم على مؤامرتهم ، وحزب الله زاد عنفوانه وسطوته وهذه حقائق معلنة ومؤكدة يعلم بها الجميع وتؤكدها احداث الواقع.
خامسا – ما ذكرناه هو بعضا مما أكده سماحة السيد حسن نصر الله في مناسبات متعدده وهو الذي عرفه العدو قبل الصديق بتقديره الحكيم وتحليله السليم للأحداث وقراءته السديدة للمجريات وصدقه في كل ما يقول ، فقد أعلن أكثر من مرة أن اليمنيين يخوضون معركة الدفاع عن الأمة الإسلامية كلها نيابة عن شعوبها ، وأنهم من يحمون دين الله ويذودون عنه ، وانهم من يدافعون عن قضايا الأمة المصيرية ومن أفشلوا صفقة القرن ، ولعل ذلك هو ما جعله يتمنى أن يكون مقاتلا معنا وتحت قيادة قائدنا .
كل ما سبق يجعلنا على يقين أن تلك الإتفاقيات التي وقعها انصار الله مع ايران كانت بالنسبة لنظام طهران كتعويذة ناجعة استطاع من خلالها أن يقلب الأمور والأحداث لصالحه رأسا على عقب ، وما كان ذلك ليتحقق لها لولا الصمود الأسطوري الذي سطره الشعب اليمني والبطولات العظيمة التي خلدها ابطاله والإنجازات العسكرية والتصنيعية التي وصل اليها جيشنا ولجاننا البواسل.
وفي مقابل ذلك ماذا رأينا من إيران خلال سنوات العدوان ؟ لم نرى شيئا ولم نرى أي موقف عملي لها مع مظلومية الشعب اليمني ولم نرى اي دعم مادي او عسكري.
لم نرى سوى موقفها الإعلامي الثابت والشجاع منذُ بداية العدوان وحتى اليوم ومع كل ذلك فالشعب اليمني ممتن لها على هذا الموقف الإعلامي.
فمن أحق بالشكر والإمتنان نحن أم إيران ؟
ومن الذي يجب عليه رد الجميل والمعروف نحن أم إيران ؟
ومن الذي يدافع عن الآخر ويحميه هم أم نحن ؟
ومن الذي أولى أن يتبع الآخر أن نتبع إيران أم أن تتبتعنا هي ؟
ضعوا كل ذلك في الميزان وأجعلوه الحكم بيننا وبين إيران ستكتشفوا أن إيران هي من يجب عليها ان تتبعنا وليس العكس .