المشهد اليمني الأول/
أخيراً نفّذ الجيش الإسرائيلي خطته المعدّة مسبقاً وشنّ على لبنان حرباً شعواء في 12 يوليو 2006، وعلى الرغم من تفوّق الجيش الإسرائيلي في الأسلحة والمعدات الحديثة، لكنّ المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله لم تنجح في التصدي لهذه الاعتداءات والدفاع عن لبنان لمدة 33 يوماً فحسب، بل استطاعت أيضاً إجبار كيان الاحتلال على الاعتراف بالهزيمة، وقد انعكس ذلك في الرضوخ للقرار 1701 في 14 أغسطس 2006.
فيما يتعلق بسبب هذه الحرب المعروفة أيضاً باسم حرب تموز، نقول إن الكيان الإسرائيلي لم يفِ بعهده في عام 2004 رغم الاتفاق الذي حصل لإطلاق سراح ثلاثة أسرى لبنانيين، ولم يفرج عنهم، وبالتالي فقد أقدم حزب الله وبناءً على وعده الصادق للشعب اللبناني، على أسر جنديين إسرائيليين في عملية حملت عنوان “الوعد الصادق” في يوليو 2006.
وعلى الفور أعلن الكيان الإسرائيلي الحرب على لبنان في أعقاب أسر الجنديين، ليثبت أنه كان ينوي غزو لبنان مسبقاً، وطالب رسمياً بنزع سلاح حزب الله وإطلاق سراح جندييه الأسيرين، وعند انتهاء الحرب لم يحقق الكيان أياً من رغباته وعاد مهزوماً خالي الوفاض.
لقد استطاعت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله كسر المعادلات الإقليمية من خلال هزيمة الكيان الإسرائيلي في حرب الـ 33 يوماً، وإحباط خطة أمريكا المزعومة لإنشاء شرق أوسط جديد، لكن الاعتداءات الوحشية لهذا الكيان قد تسبّبت في تدمير حوالي 15000 وحدة سكنية، وتدمير آلاف المراكز الاقتصادية الحيوية بما في ذلك محطات توليد الطاقة والموانئ والجسور وغيرها.
كانت لحرب تموز على لبنان إنجازات مدهشة لحزب الله وجبهة المقاومة والشعب والحكومة اللبنانيين، حيث أحدثت هزيمة الصهاينة في هذه الحرب تغييرات كبيرة في المعادلات الإقليمية وغير الإقليمية.
في كتاب بعنوان “حركة حزب الله اللبنانية والصحوة الإسلامية”، يعتبر “أمين محمد حطيط” أن أحد نتائج الحرب التي استمرت ثلاثة وثلاثين يوماً ضد لبنان، إيجاد أسلوب ثالث في الحرب، وبعيداً عن الحرب العسكرية الكلاسيكية يتحدث عن حرب العصابات باعتبارها “أسلوب المقاومة الإسلامية”، والذي يقوم على المبادئ التالية:
– إعداد مناسب للمناطق لاستهداف العدو بعيداً عن نيرانه ومرماه، والحفاظ عليها.
– استخدم السلاح المناسب لقتل العدو والقضاء عليه دون تفويت أي فرصة.
– مقاتل ملتزم ومليء بالقيم الروحية، ثابت الجأش في الحرب وذو همة كبيرة.
– نظام معلومات قوي يوفر إمكانية الإشراف المعلوماتي على مواقع العدو وإمكاناته.
– نظام قوي لحماية المواقع والمعلومات والإمكانيات يمنع تسلل العدو.
– نظام خاص للقيادة والإدارة والتواصل يضع المقاومة تحت إمرة القيادة بشكل كامل.
– القيادة الحكيمة والعارفة بكل الأمور والتي لا يدخلها الضعف أو التردد أو السلبية.
– الإدارة الكاملة للحرب النفسية قبل التأثر بها.
وأخيراً، يثمّن العسكري في الجيش اللبناني عالياً هذه التجربة الفريدة في لبنان، حيث يدافع الإنسان الذي يحمل في نفسه جينات الكرامة والعزة، عن الحق ضد العدو بهمة عالية، ويتغلب على سلاحه وقوته.
وبعد انتهاء الحرب مباشرةً، تحدّث السيد حسن نصر الله عن تحقيق المقاومة “نصراً استراتيجياً وتاريخياً”.
إن قوة الردع لدى حزب الله ضد العدوان الإسرائيلي والإيمان بها، لهو إنجاز عظيم، حيث جرى استطلاع للرأي قبل أسبوعين من حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، وكان السؤال “هل تعتقد أن إسرائيل ستهزم؟”، وتبيّن أن أكثر من 63 في المئة من اللبنانيين الذين شملهم الاستطلاع قد ردّوا بشكل سلبي.
اللبنانيون، سواءً أكانوا من المجتمع العربي أم الإسلامي، قد وضعوا ثقتهم الكاملة في استراتيجية حزب الله، وقاسوا فعاليتها في حرب تموز، وكل الذين انتقدوا حزب الله وتهجّموا عليه داخل لبنان، قد بلعوا ألسنتهم.
مجلة الإيكونوميست البريطانية المؤيدة للكيان الإسرائيلي، وضعت صورةً للسيد حسن نصر الله على صفحتها الأولى، واعتبرته المنتصر في الحرب، لأن أهداف “إسرائيل” كانت تتغير من يوم لآخر طوال 33 يوماً بسبب هذه الهزيمة.
حيث أُعلن بدايةً أن الهدف هو تدمير حزب الله، ثم انتقل إلى تدمير قوة حزب الله الصاروخية، بعد ذلك انخفض السقف فأصبح الهدف تشتيت القوة العسكرية للحزب، ثم انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وأخيراً الاكتفاء باستعادة الجنديين الأسيرين فوراً، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على هزيمة الكيان وفشله الذريع في مواجهة المقاومة.
الإسرائيليون الذين سعوا إلى قطع الدعم النفسي والسياسي عن المقاومة من خلال استهداف أغلبية اللبنانيين، قد فشلوا في ذلك، رغم اعتداءاتهم الوحشية التي أدّت إلى سقوط 1300 شهيد وتدمير 30000 وحدة سكنية و154 جسراً ومنشأة.
واستطلاعات الرأي التي أجراها الأجانب من لاجئي الحرب لإثبات أن علاقة الناس بالمقاومة قد انقطعت، أشارت إلى وجود حماس وتعصّب مذهل لديهم.
وبعد انتهاء الحرب مباشرةً، عاد الناس إلى بيوتهم وقدّموا ردّاً قاسياً على المعارضين وأعربوا عن التزامهم بالمقاومة.
بعد الحرب، تحدثت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية صراحةً عن هزيمة تل أبيب وتلقيها صفعةً من حزب الله.
ووصفت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، وبعد إخفاقات الكيان الإسرائيلي، السيد حسن نصر الله بأنه “رمز عربي وإسلامي”. وتحدّثت مجلة “نيوزويك” الأمريكية في مقال بعنوان “رجل جديد للشرق الأوسط” عن شعبية حزب الله وانتصار السيد حسن نصر الله.
لقد اعتبر السيد حسن نصر الله مراراً وتكراراً أن الاستراتيجية العقلانية والمعتدلة والحصول على الدعم الشعبي، هما أساس المقاومة لمواجهة الكيان الإسرائيلي.
وفيما يتصل بالدعم الشعبي لحزب الله، فقد رفض الشيخ فيصل مولوي (الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان) وبأدلة شرعية وعقلية، الفتاوى المنسوبة إلى “الشيخ عبد الله بن جبرين” الذي لم يجز مساعدة حزب الله، واعتبر أن الحرب ضد الصهاينة هي حرب كل الإسلام والأمة الإسلامية بأسرها وحتى المسيحيين، واصفاً عدم دعم حزب الله في هذه الحرب ابتعاد عن المروءة والإنسانية، وحتى سمح للشباب السنة بأن يكونوا تحت إمرة حزب الله ضد الكيان الإسرائيلي، لأن ترك الجهاد سيقود الكفار للسيطرة على المسلمين.
وفي نهاية المطاف أجبر هذا العالم السني الشيخ السعودي عبد الله الجبرين على التراجع ودعم حزب الله.
وكان هذا التكامل والعودة إلى الوحدة الإسلامية العابرة للقومية والمذهبية، إنجازاً عظيماً لحزب الله والإسلاميين، ما أثار دعم جميع المسلمين وأفشل الكيان الإسرائيلي ومخططاته.