المشهد اليمني الأول/
رآى حسابٌ شهيرٌ بموقع “تويتر” -يهتم بالقضايا الساخنة في السعودية والإمارات- أنّ الذي جرى في عدن تم بتفاهم بين السعودية والإمارات.
وأكد حساب “محمد الأحمد” الشهير بتحليلاته السياسية، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دعم الانفصال ليس رضىً بالأمر الواقع، بل بقناعة أن الأمر لمصلحته، وقد اجتمع ما يكفي من الأدلة والشواهد على إثبات كلا الأمرين. وفق الحساب.
واوضح أنّ الأجهزة السعودية الرسمية وغير الرسمية ظلّت صامتة خلال حملة الانفصاليين على حكومة الفار هادي التي استغرقت عدة أيام، إلا من تعليقات عامة ليس فيها أي دفاع عن حكومة المرتزقة، مثل تعليق السفير السعودي في اليمن الذي اكتفى بالقول أن ما يجري لا يخدم إلا “الحوثيين”، دون أي دفاع عن حكومة هادي.
وأضاف: لم يحصل المدافعون عن “الشرعية” على رصاصة واحدة، أو أي دعم لوجستي، أو سياسي أو دبلوماسي من السعودية خلال الحملة، بينما حصل الانفصاليون على السلاح الثقيل والخفيف، ومدد بشري ولوجستي كامل تضخم بطريقة يستحيل أن تخفى على السعودية، ويستحيل أن تعجز السعودية عن منعها.
وقال: لم يصدر التحالف بقيادة السعودية بيانًا رسميًا إلا بعد حسم الأمر لصالح الانفصاليين، وكانت صيغة البيان مقرة للأمر الواقع بدلاً من الاعتراض على القضاء على “الشرعية”، فهدد البيان بقصف من يخرق وقف إطلاق النار. متسائلاً: “ما الحاجة لهذا الخرق إذا كان المدافعون عن الشرعية قد انتهوا تمامًا”.
وذكر أنه بدلاً من أن تعتبر السعودية الانفصاليين معتدين على “الشرعية” وانقلابيين مثلما اعتبرت الحوثيين انقلابيين، ساوت بين الطرفين، ودعتهما لمفاوضات في الرياض، وكأنها تعترف بحق الانفصاليين فيما عملوه، وتتجاهل حق “الشرعية” في حماية التحالف الذي شُنت لها الحرب للدفاع عنها.
ويقول “محمد الأحمد” أنه مما سبق يتضح أن السعودية راضية ومؤيدة لما عمله الانفصاليون، وليس كما يتوهم البعض أنها رضخت لأمر واقع فرضته عليها الإمارات.
لكن كيف أقنع محمد بن زايد “ابن سلمان” بسحق حكومة هادي ورضي أن يحرق ماء وجهه وهو الذي جعل كل الحرب بسبب الانقلاب عليها؟ فإنّ الجواب في الأسباب التالية:
1) أدرك ابن سلمان أنه لايستطيع حسم الحرب، وأن استمرارها خطر عليه سياسيًا وأمنيًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا بل وعسكريًا، فأقنعه ابن زايد أن أفضل حل هو تسليم الشمال للحوثيين وبما أن “الشرعية” تمثل الشمال حقيقة، فالأفضل سياسيًا وأمنيًا أن ينفصل الجنوب بسيطرة القوات التي تديرها الإمارات.
2) الانفصاليون ليسوا فقط موالين للإمارات، بل مبرمجين لتنفيذ برنامج ابن زايد وابن سلمان المحارب للدين، وهي فرصة للقضاء على بقايا التدين في اليمن الجنوبي، وحملة الاغتيالات والاعتقالات على الدعاة والإسلاميين في حضرموت ومدن الجنوب كانت مقدمة لحملة تجفيف إسلامي شاملة لليمن الجنوبي.
3) الانفصاليون بقيادة الإمارات ليس لديهم أي مانع في تسليم السعودية شريطًا بريًا يمتد من الربع الخالي إلى بحر العرب بمحاذاة الحدود العمانية، يمر فيه أنبوب نفط ضخم يعوض عن تصدير النفط من خلال مضيق هرمز، وهو الأمر الذي تلكأت “الشرعية” في الموافقة عليه.
أنبوب النفط هذا يمكن أن ينقل النفط الكويتي كذلك، فيستغني العالم كله عن مضيق هرمز تقريبًا، لذلك فإن هذا المشروع مرضي عنه من قبل أمريكا وأوربا، ولذلك أيضًا لم يصدر أي اعتراض عالمي ذي بال على سيطرة الانفصاليين على عدن.
السؤال الأخير هو: هل سينجح ابن سلمان وابن زايد في استقرار الوضع في الجنوب وإقناع الحوثيين بالشمال؟
العارفون بأوضاع اليمن يقولون إن ما جرى سيؤدي إلى مزيد من ربك الأوضاع، وخلط الأوراق، وسحب البساط من تحت ابن سلمان وابن زايد، للأسباب التالية:
السبب الأول: أن التركيبة القبلية في الجنوب معقدة، والمجال مهيأ لفتح جروح قديمة تراكمت ثاراتها من أيام قتال علي ناصر محمد مع عبد الفتاح إسماعيل بعد سقوط الشيوعية في عدن، والتي تشكلت بتكتلات قبلية هرب على إثرها 60 الف شخص إلى الشمال، وما زالت ثاراتها باقية حتى الآن.
السبب الثاني: أن تسليم الشمال للحوثيين لن يكون أمرًا سهلاً، فهناك فصائل كثيرة في الشمال قاتلت الحوثيين بشراسة، ولن ترضى بهذا الخيار، ولن تسمح للسعودية أن تتحدث باسمها، ولا أن تفاوض الحوثيين نيابة عنها.
السبب الثالث: أن الحوثيين أنفسهم لن يقبلوا بمجرد انسحاب السعودية من الشمال، بل سيضعون شروطًا مهينة لابن سلمان فضلاً عن أنهم سيصرون على السيطرة على كامل اليمن، ولن يقبلوا بانفصال الجنوب.
السبب الرابع: أن دعم ابن سلمان لانفصال الجنوب وتجاهل “الشرعية” بهذه السهولة سيقنع كثيرًا من القوى اليمنية الموالية للسعودية بأخذ احتياطاتها، وعدم الاعتماد على عهد ابن سلمان، ولا يُستبعد أن تفكر هذه القوى بالتفاهم مع الحوثي، أو حتى التحالف معه ضد السعودية.
السبب الخامس: أن عمان تقف بقوة ضد مشروع الشريط البري السعودي، لأنها تعتقد أنه إضعاف لأمنها القومي، لأن بذلك ستكون السعودية حاجزًا بينها وبين اليمن، وقد تفعل عمان كل شيء لتعطيل المشروع حتى لو اضطرت لتحريض القبائل في هذه المنطقة، وتمويلها وتسليحها، وهو ما قد حصل فعلاً.
وخلُصَ الحساب الشهير إلى أنّ “ابن سلمان وابن زايد” متفاهمان على فصل الجنوب وتجاهل “حكومة الفار هادي. وأنّ “ابن سلمان” يعتقد أن هناك مصلحة في فصل الجنوب. وخلافًا لما يعتقد ابن سلمان، فلن يكون فصل الجنوب خطوة في إنهاء مشكلة اليمن، بل سيزيد تعقيدها وخطرها عليه.