كتب/ أسد زيتون: معركة عض الأصابع .. والويل لمن يصرخ أولا
تشير معطيات الانقلابيين الأتراك إلى قبولهم بقيام دولة كردية من أربيل إلى عفرين ولأجلها أصدروا أولى قراراتهم للجيش التركي بالانسحاب من شمال تركيا بهدف إفساح المجال واسعا للحراك بين أكراد البرزاني وأكراد قسد على أن تكون تركيا المنفذ الوحيد للدولة الجديدة على العالم بانتظار قيام دولة وهابية بين سوريا والعراق تصل بينها وبين السعودية على ممر خطوط الطاقة إلى أوروبا عبر تركيا .
وهذا هو عصب الحامل الاقتصادي للمشروع الأمريكي في المنطقة بعد فشل جميع الخيارات الأخرى ولأجله توجهت قوات بريطانية عبر الإردن مزودة بتحهيزات تكنولوجية عسكرية متطورة وتمركزت على الحدود العراقية السورية بمهمتين علنيتين الأولى دعم أنشطة التحالف الدولي بقيادة أمريكا في محاربة داعش والثانية دعم المعارضة السورية المعتدلة حسب المواصفات الأمريكية وتسليحها بوجه الجيش السوري .
وأما المهمة الأساسية فهي استدراك ما فشل سابقا في مخطط سايكس بيكو وما فشل في مشروع الربيع الصهيووهابي وتهيئة الأسباب للفصل بين القرنين السوري والعراقي فصلا أبديا عبر إنشاء الكيان الوهابي الذي تحدثنا عنه بينهما على أن يبقى الأردن خارج هذه المشيمة وإبقائه تابعا اقتصاديا هشا للمشروع الأمريكي بسبب حساسية القضية الفلسطينية ووجود نسبة كبيرة من الأردنيين الفلسطينيين عدا عن الجذوة القومية العربية لدى عدد كبير من الأردنيين فشلت الصهيونية في إخمادها والقضاء عليها ..
هذه المعطيات تدل على أن أمريكا لم تجد بين الأتراك سوى عملاء رخيصي الثمن لتنفيذ الانقلاب الذي كان يرجى منه إسقاط الالتزامات الأمريكية تجاه حزب العدالة والتنمية بعدم السماح بقيام دولة كردية بأي شكل من الأشكال ، وتدل أيضا على أنه ليس من بين هؤلاء العملاء أي من رجال الدولة الأتراك سوى من عمل من داخل الإنقلاب بطريقة ما لإسقاطه وإفشاله لأن هذا نجاح هكذا مشروع بوجود الثقل الشعبي والحضاري الرئيسي للأكراد داخل تركيا سيؤدي إلى تقسيم تركيا وتقزيمها إلى الأبد بغض للنظر عن أعاصير الغضب الروسي من قبرص واليونان ولن يتبقى للأتراك من تركيا والحال هذه سوى أقل بكثير مما أبقته معاهدة سيفر للخليفة العثماني في أعقاب الحرب العالمية الأولى وسيكون الذئب الأغبر كرديا هذه المرة لا ليمزق عمامة الخليفة وعباءته ولكن ليضع المسمار الأخير في نعش الأمم والشعوب التركية ككيان دولي له وجوده وكلمته على مسرح الأمم ..
الأمريكيون يدركون جيدا ما يمكن أن تسفر عنه مفاعيل الغضب الروسي وقد ذلك جيدا في القرم وما يزالون يتململون تحت وطأته في أوكرانيا ، ولذلك فهم لديهم حلمهم البدبل عن تركيا عبر وصل الكيان الكردي بمياه المتوسط ، والمحلل الحاذق يدرك جيدا أن أمريكا لم تكن تأمل نجاح الانقلاب ولكنها فقط كانت تريد إسقاط حكومة أردوغان ومعها جميع الالتزامان الأمريكية معتمدة على تواجدها العسكري الأطلسي في تركيا لمحاصرة التداعيات وصد التدخل الروسي والإيراني أو الحد من فاعليته قدر الإمكان ..
ربما يرفض الكثيرون إمكانية وصول الأكراد إلى المتوسط عبر لواء اسكندرون ، ولكن من اطلع على كيفية صعود نجم الذئب الأغبر أتاتورك خلال هزائم الحلفاء أمام بكولاته الدافوسية خلال الحرب العالمية الأولى فسيدرك أن سيناريو كهذا بين القوات الكردية وبين دواعش أمريكا هو أقرب إلى التصديق من سيناريو إنتاح أتاتورك الذي أنجب تركيا وأن فرار الدواعش من أمام الأكراد باتجاه اللواء وسط فوضى الانقلاب وتداعياته ليتبعها الذئب الكردي الأغبر إلى حيث يريد منه أن يصل ولأجل هذا السيناريو كانت المناوران الأطلسية مع أوكرانيا …
لعبت سوريا مع أكراد أمريكا لعبة عض الأصايع ولم يدخر هؤلاء جهدا في استفزاز سوريا ليكون الحيش العربي السوري هو البادئ في الاشتباك بهدف إحراج الأكراد السوريين الأوفياء لوطن الإنسان والحضارة والتاريخ سوريا وإجبارهم على السير في مشروع الخيانة بناموس عكيد باب الحارة …
ولكن الصبر السوري فاق توقعاتهم وعض على تحمل أسيادهم الذين نفذت زوادتهم الرئاسية إلى البيت الأبيض فأعطوا الأوامر بإعلان حرب عملائهم الأكراد على الجيش السوري في الحسكة …
مع أول رصاصة أطلقها أكراد أمريكا على جيش العزة والكرامة والشرف خسروا خسرانا مبينا وكتبوا شاهدة قبر الكيان الكردي …
لقد وصل تماديهم في مناطق سيطرتهم إلى حد يتجاوز ما يمكنهم فعله لو كانت لهم دولة بالغعل ولكن ليس هذا هو المطلوب أمريكا …
فأمريكا لا تقبل في مشروعها إلا الخونة والقتلة المأجورين …
تعودت أمريكا أن تعض الآخرين ولم تعتد عض أصابعها والمعركة اليوم معركة عض الأصابع والويل لمن يصرخ أولا ..
ملاحظة : على الحامل الحضاري للمشروع الأمريكي فإن الأكراد لن يبالوا بتدمير التراث الأكادي والآشوري للمنطقة لا بل سيتحمسون لطمس هذا التراث وتدميره وهذا ما يفعله الأشقياء منهم منذ دحلهم إلى حوض الرافدين من جرودهم الثكلى مواويلها ..