المشهد اليمني الأول/
في حين تقرع كلّ من إيران والولايات المتحدة طبول الحرب في الخليج، تنشغل “إسرائيل” وحزب الله بالحرب الكلامية، ولا يجب أن نستخفّ بهذا الأمر بل على العكس، فهذا جزء لا يتجزّأ من المعركة الشاملة.
الهجمات الكلامية والتهديدات المضادّة هي وسيلة لتمرير رسائل إلى الساحتين المحلية والدولية، يشارك فيها كبار اللاعبين، وقد رأينا مثالًا جيدًا على ذلك هذا الأسبوع خلال مقابلة الأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصر الله مع قناة المنار في ذكرى الانتصار على “إسرائيل” في حرب لبنان الثانية حين كشف ما اُتفق على تسميته “بنك أهداف نصر الله”.
وبحسب ما يترتّب من الرسالة العدوانية، بدا الأمين العام لحزب الله جيّدا، وكان مرتاحا ومعنوياته عالية، وهو أيضا تخلّص من عدة كيلوغرامات، لحيته كانت مشذّبة بعناية، وقد ارتدى عباءة عسلية اللون مع خاتم عقيق ملائم في بنصر يده اليمنى، وكان مسلحا بوسائل إيضاح تكتيكية؛ خريطة “إسرائيل” استعان بها كي يعرض خارطة التهديدات المحدّثة من تأليف حزب الله.
في “إٍسرائيل” يفهمون جيدا أن خلاصة (السيد) نصر الله كانت أنّ “حزب الله يردع “إسرائيل” وبناءًا عليه فهو لا يتوقّع حربًا وشيكة بين “إسرائيل” ولبنان، وهو كلام مهم في الأجواء الراهنة، وهذه الخلاصة يفترض بها أن تتطمئن من يخشى تمدّد قرقعات الحرب في الخليج إلى منطقتنا.
وكما هو متوقّع، لم تبقَ رسالة (السيد) نصر الله معلّقة في الهواء، “أنا مثلكم سمعت تبجّحات (السيد) نصر الله” قال رئيس الحكومة نتنياهو في مستهلّ جلسة الحكومة الأسبوعية وأضاف “ليكن واضحًا، إذا ما تجرّأ حزب الله على ارتكاب خطأ مهاجمة “إسرائيل” فسنشنّ عليه وعلى لبنان هجوما عسكريا ساحقًا”.
إذًا على عكس (السيد) نصر الله، الذي كان منظّما ومرحا، كان نتنياهو مقتضبا وتهكّميا، لكن هل يمكن القول إن كلامه لم يقع على آذان صاغية؟ احتمال بعيد. إليكم ما حصل: بعد ثلاثة أيام من خطاب (السيد) نصر الله أفيد في صحيفة “هآرتس” أنّ “قيادة الجبهة الداخلية ستحصّن نحو 20 موقع بنى تحتية قومية إزاء ضربة صاروخية تحسّبا لمحاولة استهدافها من قبل حزب الله”.
وفي متن الخبر قيل إنّه “بناءً على تقديرات استخباراتية سيحاول الحزب استهداف المواقع الاستراتيجية بغية تعطيل قدرة “إسرائيل” القتالية، وكي يحقق إنجازًا بالنسبة له”. ومن بين المواقع التي سيجري تحصينها، ذكرت الصحيفة منشآت تابعة لشركة الكهرباء وشركات مسارات الغاز الطبيعي إلى “إسرائيل”، ونتيجة تلك التقديرات وفي أعقاب تقرير نشره “مراقب الدولة” في العام 2016 وجد فيه إخفاقات في تحصين مواقع من هذا النوع لجهة تحديد خرائط المنشآت الاستراتيجية التي قد تشكّل هدفًا هجوميًا في المنطقة الداخلية، والتي قد تتسبّب أية ضربة لها أثناء الطوارئ بشلّ الحياة لفترة طويلة”.
هذا الخبر، فضلا عن كونه ردا على خطاب (السيد) نصر الله، يعدّ ردا على لجنة التحقيق الحكومية في حال تدهور الوضع بما يتخطّى الحرب الكلامية الراهنة.
ما يوصلنا إلى نهاية الخبر وفيها “صحيح أنّ تشكيل حزب الله الصاروخي لا يتيح له اليوم أن يضرب بدقة عددا كبيرا من المنشآت الإستراتيجية، لكن الحزب يعمل على تحسين قدراته في هذا المجال بمساعدة إيران، بعض الهجمات المنسوبة إلى “إسرائيل” في سوريا كانت مخصصة لاستهداف نقل وسائل لتحسين دقّة الصواريخ إلى حزب الله”، وهذا ليس جوهر المسألة، فدقّة الصواريخ هو ما يقلق “إسرائيل”، ويشمل صندوق أدوات دقة الصواريخ GPS ومكوّنات إضافية يساهم تركيبها على صاروخ غبي في جعله “ذكيا” ويسمح بالتحكّم به عن بعد وصولا إلى تحقيق ضربة دقيقة تتراوح بين 10 و15 مترا عن الهدف، وكلّ هذا يحتاج لتحضير لا يتعدى الساعتين أو الثلاث ساعات من الوقت، وبتكلفة تصل إلى عشرة آلاف دولار للصاروخ الواحد.
طبعا هذا ليس رخيصا ولكنّه أيضا ليس باهظا جدا، ناهيك عن إمكانية تهريب تلك المكوّنات في حقيبة خلال رحلة تجارية عادية من إيران إلى لبنان، في المؤسسة الأمنية يعتقدون أنّ الحزب بات يمتلك ما بين 20 إلى 200 صاروخ من هذا النوع.
وعليه، يقلق مشروع دقّة صواريخ إيران-حزب الله حكومة “إسرائيل” منذ زمن، ويعدّ خطاب “بنك الأهداف” لـ(السيد) نصر الله جزءا مكمّلا للمنحى الإقليمي الأوسع، ولهجته المتجاسرة والمستفزّة لا تسمح لـ”إسرائيل” على ما يبدو أن تكتفي بردّ رئيس الحكومة التهكّمي الساخر.