المشهد اليمني الأول/
تحذيرات عدة أطلقتها بعض الجهات في الداخل الصومالي وخارجه بشأن قرار انسحاب القوات الإفريقية (أميصوم) من الصومال في نهاية عام 2020م. وتتركز هذه التحذيرات حول التداعيات السلبية التي يحتمل أن يسببها هذا الانسحاب على مستقبل الصومال والمنطقة.
ففي الداخل أبدى حاكم ولاية جنوب غرب الصومال قلقه من انسحاب القوات الإفريقية من البلاد، معتبراً أن المعركة مع “حركة شباب المجاهدين” لم تُحْسَم بعدُ، فضلاً عن عدم جاهزية الجيش الصومالي خلال هذه المرحلة لتولّي الملفات الأمنية بشكل كامل.
الأمم المتحدة وبعض القوى الدولية تزعم بأنها ملتزمة ببناء الجيش الصومالي لكن الواقع يشي بدور قامت به أدى للإخلال في حماية الأمن في البلاد
أما في الإقليم، فقد تحفظّ رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “فرانسيسكو ماديرا” على الانسحاب، معللاً ذلك بأن سحب القوات الإفريقية “أميصوم” من الصومال من شأنه التقليل من إمكانية القضاء على أيّ تقدم تمَّ إحرازه في البلاد.
الأمم المتحدة وبعض القوى الدولية تزعم بأنها ملتزمة ببناء الجيش الصومالي؛ لكن الواقع يشي بدور قامت به أدى للإخلال في حماية الأمن في البلاد؛ فالاتحاد الأوروبي، مثلاً، وهو أحد الممولين الرئيسيين للبعثة الإفريقية – قام في عام 2016م بتخفيض الدعم المالي المخصَّص للصومال بدعوى وجود أولوية لأماكن أخرى في إفريقيا.
ومهما يكن من أمر، يبقى الملف الأمني أحد أبرز التحديات التي تواجه القرن الإفريقي، وهو ملف أسهم في وصفها بأنها “منطقة مضطربة”؛ نتيجة الصراعات الحدودية بين بعض دول المنطقة، وضعف التنسيق والتعاون الأمني والاستخباري بينها، فضلًا عن هشاشة بعض جيوش المنطقة ومحدودية.
وعلى أي حال، فقد كان الهدف الرئيس لقوات “أميصوم” هو تخفيف الأعباء الأمنية عن القوات الصومالية والقيام أساسيًّا بعمليات أمنية وعسكرية مؤثرة، تمهيداً لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد، على أن يكون الانتشار الاساس في المناطق المتاخمة للعاصمة مقديشو، والحيلولة دون وقوعها بيد عناصر “حركة شباب المجاهدين”.
في البداية، ضمت البعثة الإفريقية قوة عسكرية من بعض الجنود الأوغنديين، لكنها سرعان ما توسعت بعد ذلك إن على مستوى الحجم أو على مستوى نطاق التفويض، إلى أن ـصبحت تتألف من حوالي اثني وعشرين ألف جندي من أكثر من دولة إفريقية هي: أوغندا، وبوروندي، وإثيوبيا، وكينيا، وجيبوتي. كما انضمت عناصر من الشرطة الإفريقية من دول: غانا، ونيجيريا، وكينيا، وأوغندا، وسيراليون.
لا أحد ينكر أن هذه القوة الإفريقية قد لعبت دورًا بارزًا في مكافحة الإرهاب في الصومال؛ حيث استطاعت بشكل لافت ملء الفراغ الذي خلَّفه الجيش الوطني الصومالي منذ سنوات؛ ما أدى الى تراجع هام في عمليات حركة الشباب، والمساحة التي كانت قد سيطرت عليها. الا أن هذا الدور ما لبث أن تراجع بسبب عوامل عدة، منها المؤامرات التي حيكت، اضافة الى تراجع الدعم المالي لهذه القوة.
ومهما يكن من أمر، فإن الصومال هي الحلقة الأضعف في مسألة انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم” من البلاد لا سيما في ظل عدم جاهزية القوى المحلية لتولّي مسؤولية الأمن في البلاد، ما يؤشر الى سوف تواجهها الدولة الصومالية في حال انسحاب كافة القوات نهاية عام 2020.
من الآن وحتى نهاية عام 2020 حيث التاريخ المحتمل لانسحاب قوات “أميصوم” ثمة عوامل كثيرة قد تدخل لمنع التدهور
لعل التحدي الأكبر سيتمثل في ازدياد احتمال اندلاع صراع بين الحكومة المركزية والولايات الصومالية في ظل توقع حصول مطالبات بالحكم الذاتي مِن قِبَل بعض الولايات الصومالية، ومع ضعف سيطرة الحكومة الفيدرالية فان ذلك قد يقوِّض جهود بناء الدولة خلال الفترة المقبلة.
يضاف الى ما تقدم، توقع تردي الأوضاع الأمنية خاصة أنَّ قوات الجيش الصومالي لا تستطيع بمفردها منع الهجمات الإرهابية وحماية المنشآت الحكومية في العاصمة مقديشو والمناطق الاستراتيجية في البلاد. وهذا من شأنه أن يوسع من نفوذ حركة الشباب، وتنامي نشاطها؛ حيث تتمدد الحركة في المناطق التي تشهد انسحاباً للقوات الإفريقية.
ورغم المخاطر الآنفة الذكر، الا أن التحدي الأكبر والأبعد أثراً يكمن في أن يفتح انسحاب القوات الإفريقية بوابة الصومال على مصراعيها أمام تدافع القوى الدولية والإقليمية من أجل إيجاد موطئ قدم لها لتعزيز نفوذها وحضورها في منطقة القرن الإفريقي. فبريطانيا تملك مركز تدريب في بيدوا جنوب مقديشو، في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية العمل مع قوات “داناب” الخاصة الصومالية في عمليات عسكرية في قاعدة “بلي دوغلي” الجوية بإقليم شبيلي السفلى، فضلًا عن وجود قوات عسكرية لها في عدة مواقع صومالية.
وحتى تركيا، فإنها تمتلك قاعدة عسكرية خاصة في الصومال، وكذلك تمتلك قطر مركزاً للتدريب العسكري ، كما أن الامارات تمتلك قاعدة عسكرية في ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال. فيما تشارك مصر والسودان ببعض ضباط التدريب.
وعلى أي حال، من الآن وحتى نهاية عام 2020 حيث التاريخ المحتمل لانسحاب قوات “أميصوم”، فإن ثمة عوامل كثيرة قد تدخل لمنع التدهور، سواء عبر التجديد لتلك القوات بشرط دعمها، أو تكثيف الدعم للجيش الصومالي وتأهيله، مع التخفيف من سرعة انسحاب “أميصوم”، الا اذا كانت للقوى الاستكبارية والناهبة الدولية مشاريع أخرى لا يمكن تنفيذها الا على صومال متناحر ودماء تسيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد محمود مرتضى