المشهد اليمني الأول/
على رغم أن الولايات المتحدة لاعب رئيس في الحرب على اليمن، إلا أن تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حولها قليلة جداً. وما المواقف المحدودة التي أطلقها سابقاً في هذا الإطار، إلا بعد اضطراره إلى الدفاع عن إدارته في وجه محاولة الديمقراطيين والإعلام المناهض له استغلال المأساة الإنسانية في هذا البلد، في أعقاب اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وهي ضغوط أنتجت موافقة أميركية على اتفاقات السويد المرتبطة بمدينة الحديدة وملف تبادل الأسرى، إضافة إلى تعزيز العمل الإنساني في اليمن.
يوم الثلاثاء الفائت، وأثناء اجتماع حكومي، أطلق ترامب موقفاً يحمل دلالات كبيرة، بربطه علاقة واشنطن بطهران بوقف ما وصفه بـ«تدخل» الأخيرة في اليمن، حيث قال إن «واشنطن تريد من إيران أن تخرج من اليمن». موقف جاء بعد أقلّ من أسبوع من الكشف عن مبادرة فرنسية تتضمن في أحد بنودها الطلب من طهران الضغط على «أنصار الله» لإيقاف الصواريخ والمسيّرات على الأراضي السعودية مقابل تخفيف العقوبات على إيران. هذا التناغم الأميركي ــــ الفرنسي لا يبدو معزولاً عن التطورات الميدانية والعسكرية الآخذة في التصاعد وفق المخطط اليمني، في مقابل عقم خيارات تحالف العدوان، وتلقّي قائدته، السعودية، ضربة قاسية بالانسحاب الجزئي للإمارات من اليمن.
تدرك واشنطن وباريس أن ما تمّ الكشف عنه من منظومات صاروخية وطائرات مسيّرة في صنعاء، الأسبوع الفائت، ليس سوى القليل من الحجم الحقيقي لتلك الترسانة، وأن السلاح غير المعلن عنه يتقدم بأكثر من جيل عمّا هو معلن. ولم يكن مصادفة إعلان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في مقابلته الأخيرة، أن اليمن وفق معلوماته قادر على استهداف أغلب المطارات والمنشآت الحيوية في السعودية، وأن الجانب اليمني يراعي التطورات والظروف السياسية والجداول الزمنية المتدرجة لإنجاح خططه.
إزاء ذلك، تبدو السعودية في موقف حرج، وأمام منعطف صعب: من جهة، استمرار الضربات اليمنية سيترك انعكاساته على البلاد، وسيضع المستقبل السياسي لولي العهد، محمد بن سلمان، على المحك. ومن جهة أخرى، يمثل اتخاذ قرار بوقف الحرب هزيمة كبرى للنظام السعودي ليس بمقدوره تحمّلها. أما فرضية توسيع العدوان فقد استنفدت فرصها، بعدما استُخدمت الخيارات والتكتيكات العسكرية كافة، وأوصلت جميعها إلى طريق مسدود. بناءً عليه، تتسارع المبادرات والعروض على طهران وصنعاء، وهذا ما يفسر دخول ترامب بشكل مباشر على الخط، وقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طرح مبادرة «إنقاذية» للنظام السعودي.
ستستمرّ الرياض في العدوان بوتيرة منخفضة، على أمل أن تثمر المبادرات الأميركية والفرنسية، في رهان غير مضمون، على اعتبار أن الخضوع ليس في حسابات إيران ولا اليمن، وكلاهما لم يسلّم سابقاً على رغم قساوة المعارك السياسية والاقتصادية والعسكرية. بوادر انتصار الشعب اليمني باتت واضحة، وهي حقيقة ليس أمام النظام السعودي من خيار في قادم الأيام سوى التسليم بها، وما مواقف ترامب ومبادرة ماكرون (التي لم ينفها أيّ من الأطراف المعنيين) إلا مؤشر إلى أن هذا التدخل سيتعزّز أكثر فأكثر في المستقبل القريب، ربطاً بحجم الضغط اليمني واتساع نطاقه.
ـــــــــــــــــــــــــــ
لقمان عبد الله