المشهد اليمني الأول/
مع كل عدوان عسكري استعماري تكمن أهدافا استراتيجية، وتعلن ذرائع سياسية، وتتفاوت الذرائع بين الحرص على أن تبدو وجيهة في ظل توازنات معقولة، وبين ذرائع واهية ومكشوفة في ظل الاستهانة بالخصوم والضحايا وغياب التوازنات الرادعة.
هكذا العدوان على اليمن، حيث تكمن استراتيجيات السيطرة على طرق التجارة والمضائق وتأمينها وحصار الخصوم الاستراتيجيين، وتعلن الذرائع السياسية المتعلقة بدعاوى الحكومات الشرعية والديمقراطية المزعومة، ولأن النظام العربي في معظمه استسلم وفرط، ولأن الشعوب العربية أنهكت، فإن الاستهانة والاستخفاف كان عنوان الذرائع، حيث تم تدشين تحالف عربي ودولي وإسكات صوت المجتمع الدولي ومنظماته، وتغييب القانون الدولي، لتنصيب نظام يهرب رئيسه ويقيم في دولة تتصدر عنوان الحرب والقتل لشعبه وتدمير بلاده!
ان محاولات السيطرة على المضائق الدولية معروفة في الاستراتيجية الأمريكية ومعلنة في عقيدتعا البحرية والعسكرية بشكل عام، والسيطرة على سوقطرى وبريم وبناء القواعد العسكرية على بعد اميال طفيفة من باب المندب، هي جزء أصيل في الاستراتيجيات الأمريكية، كما أن شرعية الحكومات ومسائل الديمقراطية هي آخر ما تهتم به الادارات الأمريكية، حيث ترعى الديكتاتوريات الملكية والجمهورية التي تقوم برشوتها سواء بالتدفقات النقدية، أو بتدفقات الخدمات الاستراتيجية لتأمين تجارتها وحماية أمن العدو الصهيوني.
والأمور ومع تطورات الأحداث، ومع إدارة صريحة وفجة مثل إدارة ترامب، لم تعد ملتبسة، بل جلية وواضحة، والعجب كل العجب لمن لا يزال ينحاز لعدوان كهذا أو يدين المقاومة ولا ينحاز لها، حتى لو كان على خلاف سياسي أو ايدلوجي مع انصار الله وقوى المقاومة اليمنية.
يمكن تفهم وجود خلاف سياسي وايدلوجي بين بعض القوى وبين انصار الله، ولكن لا يمكن تفهم الخروج عن وحدة الصف المقاوم والمشاركة في صد عدوان مكشوف الأهداف ولا يقبل اختلافا في وجهات النظر.
ان ممارسات أمريكا على امتداد خريطة العالم تكشف نواياها واهدافها، فهي تحرص على الانتشار ووضع مواطئ القدم في البوسفور والدردنيل للدخول للبحر الأسود وكذلك الحال في هرمز وباب المندب، وكذلك مضيق جبل طارق وقد وجدنا كيف يعمل المضيق لصالحها باحتجاز الناقلة الايرانية، وكذلاك الحال في مضيقي اوريسند وماجلان.
وتستغل امريكا هيمنتها على الدول المطلة على المضائق لبناء القواعد العسكرية، وهو ما يتطلب عدم وجود انظمة معارضة لامريكا، بل وتابعة لها، وهو ما نجده في دول الخليج والدول الأوربية المشرفة على المضائق.
وبالتالي فإن خروج اليمن عن التبعية هو الخط الأحمر الأمريكي الذي تم شن العدوان بسببه وعلى ايدي توابعها وبأموالهم!
المقاومة باليمن تفطن لهذه الأسباب والعوامل، ولهذا رفعت شعارها المعبر عن وعي بعمق الأهداف الكامنة وراء العدوان ورفعت علم المقاومة مكتوب عليه: الله أكبر…الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل…
فالمقاومة تعلم أن السعودية والامارات وكل من شارك علنا بالتحالف، ما هو الا تابع ومنفذ لاستراتيجية امريكية صهيونية، وهو ما يعكس الوعي الذي غاب عن كثير من القطاعات الشعبية داخل اليمن وخارجها والتي تأثرت بدعايات العدوان الواهية، ناهيك عن وجود مرتزقة ومستفيدين من العدوان أو من علت احقادهم على حسهم الوطني.
اليوم وبعد الصمود الأسطوري والذي أفشل العدوان، وبعد التطور التقني الذي اظهرته المقاومة لتنتقل لطور الهجوم، فإن خريطة جديدة تتشكل وهناك اتساع لمحور المقاومة، وهو محور مختلف عن محور التبعية، حيث يمتاز محور المحاومة بأنه تحالف بين أسياد مستقلين أحرار، وقوامه التنسيق لا الارتهان وتلقي الأوامر، ووقوده الايمان والكرامة، لا التدفقات النقدية والارتزاق.
لقد تبنى الجيوبولتيكيون الأمريكيون نظرية “ماهان” للسيطرة البحرية كشرط للسيطرة على العالم، ومانراه حتى الآن هو لعب على اوتار افكار واراء “ماهان، حيث يؤكد الخبراء ان الجيوبولتيكيون الأمريكيون يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تحتاج فقط إلى قواعد عسكرية خارج أراضيها ، بل و إلى تعزيز سيطرتها على المناطق الحاوية على الموارد المعدنية و موارد الطاقة، ويطالبون بالسيطرة على العالم و لو كان ذلك عن طريق الحرب.
ولم يعتبر ماهان الحصول على المستعمرات شرطاً من شروط القوة البحرية، بل كان يؤمن بضرورة التغلغل الاقتصادي الإمبريالي في دول العالم، كما أنه دافع عن ضرورة إقامة سلسلة متشعبة من القواعد العسكرية الإستراتيجية بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية من أجل حماية طرق الملاحة البحرية، و تأمين سرعة تدخل القوات الأمريكية إذا لزم الأمر.
وهو ما يفسر تحركات وممارسات امريكا في العالم والإقليم، وهو ما يبين كيف تفسد مقاومة اليمن هذه الخطط الاستعمارية، وبالتالي يفسر شراسة العدوان ووضاعة التواطؤ معه من جانب المستفيدين والتابعين.
هنيئا للمقاومة باليمن وهنيبئا لليمن بالمقاومة.
(إيهاب شوقي – كاتب من مصر)