المشهد اليمني الأول/
تحكم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبضتها على إمدادات وأسواق النفط الخليجية، وحتى على الأسعار عبر خطوة الإشراف العسكري المباشر على حماية ناقلات النفط أثناء عبورها مضيق هرمز وباب المندب، وهما من أهم المضايق العالمية لمرور ناقلات الطاقة العالمية إلى آسيا وإلى درجة أقل إلى أوروبا.
وحسب التصريحات التي أدلى بها الجنرال الأمريكي جوزيف دانفورد، يوم الثلاثاء الماضي، في إفادة للإعلام بمقر البنتاغون، فإن “الأسطول البحري الأمريكي سيقوم بدورية مراقبة ومصاحبة الناقلات النفطية العابرة لمضيق هرمز وباب المندب، ضمن خطة لتأمين حرية الملاحة البحرية”.
ويرى محللون غربيون أن هذه الخطوة تضع إمدادات النفط الخليجي إلى آسيا مباشرة، تحت الحماية العسكرية الأميركية، إذ إن الأسطول الأمريكي سيصاحب ناقلات النفط عبر مضيق هرمز إلى المحيط الهندي، وهو الممر المائي الذي تمر به شحنات النفط المتجهة إلى آسيا.
وحسب بيانات وكالة الطاقة العالمية، فإن نحو 18.5 مليون برميل نفط تمر يومياً عبر مضيق هرمز إلى الدول الآسيوية، كما أن هنالك شحنات من الخامات النفطية المكررة تفوق مليوني برميل، تمرّ كذلك عبر المضيق إلى آسيا.
وعلى صعيد باب المندب، فإن الأسطول الأمريكي سيصاحب الناقلات النفطية عبر البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وشحنات هذه الناقلات تتجه إلى أسواق الدول الأوروبية وتراوح بين 4 و4.5 مليون برميل يومياً.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، قد دعت الأسبوع الماضي إلى تحالف عسكري بحري مع بريطانيا لـ”حماية حرية الملاحة” ما اسمته الهجوم الإيراني.
لكن يبقى السؤال: هل تقلل هذه الخطوة من التوتر العسكري بالخليج، وتقلل كذلك كلف التأمين على الناقلات النفطية، وخاصة من دولتي السعودية والإمارات، اللتين تنظر لهما إيران بأنهما شريكان في الحظر والحصار المالي والاقتصادي والنفطي المفروض عليها؟
يجيب تحليل لنشرة “استراتيجيك كلشر فاونديشن” الفرنسية والصادرة بالإنكليزية، عن السؤال بقوله إن الخطوة العسكرية الأمريكية، على الرغم من أنها تبدو في ظاهرها حماية لحرية الملاحة البحرية التي تهددها إيران، إلا أنها في باطنها تقوي قبضة إدارة ترامب على إمدادات وأسواق الطاقة العالمية.
ويشير التحليل إلى أن الخطوة ستقود تلقائياً إلى زيادة التوتر العسكري، واحتمالات حدوث الأخطاء غير المحسوبة في الاحتكاكات العسكرية، التي ربما تقود إلى اندلاع حرب.
ومن ثم، فإن الخطوة ينظر لها محللون غربيون، على أنها لن تكون في صالح انسياب سلس لشحنات النفط الخليجية إلى آسيا وأسواق العالم دون عراقيل، كما أنها سترفع كذلك من كلف التأمين على الشاحنات النفطية وناقلاتها، وستزيد من مخاطر خسارة النفط الخليجي لحصته بالأسواق الآسيوية.
على صعيد التأمين، لا يتوقع محللون أن تخفض الخطوة الأمريكية كلف التأمين على النفط الخليجي، وإنما ستزيد من الكلفة في حال حدوث أي احتكاك بين قطع الأسطول الأميركي والزوارق الحربية الإيرانية.
وكانت أسعار التأمين على ناقلات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز، قد ارتفعت عشرة أضعاف خلال الشهرين الماضيين، بعد تعرض ناقلات في مياه الخليج لهجمات.
وحدث الارتفاع حتى بعد تصريحات الجنرال الأمريكي دانفورد بمقر البنتاغون.
وفي ذات الصدد، قال أنتوني جورني الرئيس التنفيذي لشركة “أردمور” للملاحة، لقناة “سي أن بي سي” الأميركية، يوم الخميس، “إننا كشركة شحن وجزء من صناعة الشحن العالمية، نتعامل مع التهديدات على محمل الجدّ، والآن ازداد التأمين عبر مضيق هرمز بنحو عشرة أضعاف بسبب الهجمات”.
من جهته قال رئيس الرابطة الدولية لأصحاب ناقلات النفط باولو داميكو، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: “لدينا أشخاص من كل جنسية، وسفن من كل دول العالم تعبر هذا الممر البحري المهم، وإذا أصبحت المياه غير آمنة، فقد تكون الإمدادات إلى العالم بأسره في خطر”.
وإذاً فإن العوائد التي تجنيها الدول الخليجية من النفط ستتناقص، بسبب زيادة كلف التصدير من التأمين ونفقات الحماية التي ستدفعها للولايات المتحدة.
أما على صعيد المخاطر على تأكل حصة النفط السعودي والإماراتي في السوق العالمية، إذ إنهما “المستهدفان” من قبل إيران، فإن المخاطر ستتزايد على حصتهما في آسيا. وذلك ببساطة لأن الصين التي تدخل في حرب تجارية مع أمريكا تبدو متأكدة الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن إمداداتها النفطية تقع بشكل مباشر تحت السيطرة العسكرية الأمريكية.
ومن ثم فإن ترامب يمكن أن يستخدم سلاح النفط في أي لحظة ضد الصين في مفاوضات التسوية التجارية، وربما يستخدمه حتى مع حلفائه في اليابان والنمور الآسيوية.
ويرى محللون غربيون، أن هذه الحماية العسكرية الأمريكية المباشرة، تخدم استراتيجية ترامب في الهيمنة على أسواق الطاقة العالمية، على حساب استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما ستساهم في تسويق النفط الصخري الأمريكي على حساب النفط السعودي والإماراتي في دول جنوب شرقي آسيا.
والمعروف أن السوق الصينية وأسواق الهند وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان، من أكبر الأسواق العالمية المستهلكة للنفط العربي.
وكانت صحيفة “ستريت تايمز” السنغافورية، قد قالت في أعقاب الهجوم على ناقلات النفط السعودية وعمليات التخريب بميناء الفجيرة، إن الدول الآسيوية باتت قلقة على إمدادات النفط من الخليج التي تعتمد عليها في إدارة ماكينة الصناعة والنقل، وخاصة أن الطلب على الوقود يتزايد في فصل الصيف.
وفي حال استمرار هذا التوتر والهجمات، فإن هذه الدول ستبحث عن بدائل للنفط العربي، وتستورد اليابان وحدها يومياً 3.5 ملايين برميل يومياً من الخام الخليجي ، وتشكل نسبة النفط السعودي منها 40% منها، كما تستورد الصين يومياً أكثر من 8 ملايين برميل ويشكل النفط السعودي لوحده نسبة 14% منها.